بعد الإعلان عن فشل جولة محادثات ملتقى الحوار السياسي في جنيف. التي تهدف إلى الاتفاق على مسارات إجراء الانتخابات الليبية، البرلمانية والرئاسية. المزمع إجراؤهما نهاية العام الحالي. تبدو الأوضاع السياسية والميدانية مرشحة باتجاه سيناريوهات متفاوتة ومعقدة. وذلك في ظل متوالية الإخفاقات المستمرة للحوار. منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار والتصعيد العسكري، في أكتوبر العام الماضي.
ولم يتم التوصل لأي اتفاق بخصوص الخطوات الإجرائية التي ستسبق الاستحقاقات الانتخابية. ومن بينها مبدأ “القاعدة الدستورية” الذي احتدم حوله الخلاف.
رفض المقترحات
وقوبلت المقترحات التي دعا إليها المسؤولون الأمميون في جنيف بالرفض. والمتمثلة في تدشين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ظل قاعدة دستورية مؤقتة. أو إجراء انتخابات برلمانية بناء على قاعدة دستورية مؤقتة. ثم عمل الانتخابات الرئاسية بعد الاتفاق على دستور دائم.
وبحسب اللجنة الاستشارية في جنيف. فقد توصلت إلى مجموعة من الخطوات التنظيمية بشأن المسار السياسي في ليبيا. حيث تم الاتفاق بالإجماع على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها (ديسمبر المقبل). بشرط أن تكون على أساس القوائم. وألا يحمل المرشح للرئاسة جنسية أجنبية. وألا يكون قد سبقت إدانته بحكم قضائي نهائي. وفي حال فوزه يكون مستقيلاً من أي منصب سياسي أو عسكري يشغله. وأن يكون التصويت على انتخاب الرئيس بشكل مباشر من قبل الشعب الليبي بنظام الاقتراع السري والقائمة. وتضم كل قائمة ثلاثة مرشحين لمناصب “الرئيس ونائبه ورئيس الحكومة”.
مداولات صعبة
ووصف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، يان كوبيتش. المداولات التي جرت في ملتقى الحوار السياسي الليبي بأنها كانت “صعبة”.
غير أنه شدد على ضرورة “تسوية الخلافات. باعتبار هناك ضرورة ملحة لحل القضايا الخلافية التي تقف عائقاً أمام إجراء الانتخابات. كما لفت إلى أن الملتقي السياسي في جنيف “عليه الخروج بنتيجة حول آلية إجراء الانتخابات”.
ودعا كوبيتش في كلمته باجتماع ملتقى الحوار السياسي الليبي إلى العمل بشكل صارم على الوصول إلى اتفاق على القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات العامة في 24 ديسمبر المقبل”.
وأضاف: ليس هناك وقت ولا سبب منطقي لتوسيع هذه المناقشة، أو لإدخال قضايا قد تؤدي إلى تأجيل الانتخابات. موجها حديثه إلى الأعضاء بجلسة الخميس، قائلا: هي فرصتكم للارتقاء إلى مسؤوليتكم التاريخية.
أزمة ثقة
إذاً، جاء فشل جنيف “نتيجة طبيعية” لأزمة الثقة التي تسود المشهد الليبي بأطرافه المتعددة، بحسب الدكتور عادل ياسين الأكاديمي والسياسي الليبي. الذي يرى أن هذا الأمر هو السبب الأول في تصدع المسارات الديمقراطية. كما يجعل الأفق السياسي مأزوماً.
ويوضح ياسين لـ”مصر 360″: كل طرف يزعم حرصه علي الديمقراطية الوليدة. وكل الأطراف نتيجة هواجسها أفسدت المشهد السياسي في ظل تمترسها وسيطرتها على المناصب. بالإضافة إلى محاولات تحييد ليبيا عن محيطها وعمقها القومي العربي. ثم التبعبة لقوي خارجية والعمل بالنيابة عنها داخل الأراضي الليبية. وبعدها يأتي التدخل الخارجي المناصر للأطراف السياسية المحلية، لنظل في دائرة تكرارية تعيد النتائج ذاتها
هذه القوى التي تشل فعالية القوى الوطنية وتعمد إلى نبذهم لحساب الأطراف والقوى الخارجية. هم من تسببوا في الحالة الراهنة بانسدادتها، بحسب الاكاديمي والسياسي الليبي.
ويقول: هم من تقع عليهم كافة المسؤوليات الأخلاقية والقانونية والانسانية. وقد وضعوا العراقيل والمعوقات في طريق استعادة الدولة بمؤسساتها وأجهزتها. عبر تهيئة المناخ للفوضي التي انتجت الدمار والخراب والمليشيات التي تعمل تحت إشرافهم. الذراع المسلح للأحزاب يتم الاستقواء به للاستئثار بالحكم وعلي حساب الشعب ومستقبل ليبيا السياسي.
توحيد السلاح
ويؤكد ياسين على أهمية وضرورة أن يتم توحيد السلاح بيد الدولة. إذ أن أي خيار آخر سيؤدي إلى بقاء العناصر الميلشياوية وإيجاد دويلات داخل الدولة. فالميليشيات المسلحة تنشط داخل وخارج نطاق مؤسسات الدولة في العاصمة طرابلس. باعتبارها قوى محصنة من القانون ومن سطوة الدولة. ولا توجد حكومة من الحكومات التي لم تطل في ممارسة مهامها، قد تجرأت على مواجهة الميليشيات أو محاسبتها على تجاوزاتها. ولا أعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية أفضل من الحكومات السابقة”.
عضو لجنة الحوار، زهراء لنقي، قالت عبر حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك: “لن نكون شهود زور ولن نسمح بالتدليس وبتضييع البوصلة وإجهاض خريطة الطريق.. لا للمغالبة ولا للتدليس.. لن نقبل بالتصويت على ما هو مخالف لخارطة الطريق”.
وتابعت: لن نسمح بإجهاض المسار لصالح سلطة الأمر الواقع. فلتكن هناك لجنة تحكيم خارجية ليبية تحسم المسائل الخلافية في القاعدة الدستورية”.
وعقّب المتحدث باسم الأمم المتحدة ريال ليبلانك على نتائج ملتقى الحوار السياسي في جنيف، قائلا. إن ممثل الأمم المتحدة في ليبيا يريد الدفع بالأطراف في اتجاه التوصل إلى اتفاق على المضي قدما نحو وضع القواعد الدستورية التي تجعل من الممكن إجراء الانتخابات في الموعد المحدد لها في 24 من ديسمبر المقبل”.
بيد أن ممثل الأمم المتحدة في ليبيا وصف المحادثات في جنيف بأنها “صعبة”، ولم تسفر عن شئ. بينما طالب المشاركون “بالتوقف عن التصرف بطريقة تخلو من الاحترام والهجوم الشخصي”. وذلك من دون توضيح أية تفاصيل.
وفي حديثه لـ”مصر 360″، يرى الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسية. أن ملتقى الحوار السياسي في جنيف كانت نتيجته متوقعة. في ظل المعوقات والتعقيدات التي تحاول ممارساتها جماعة الإخوان في ليبيا.
تسريب المنفوخ
وتسبب التسريب المنسوب لعضو ملتقى الحوار الوطني، معاذ المنفوخ، وهو قيادي إخواني معروف، وقد انتشر من داخل الملتقى الدولي، في أزمة وجدل كبيرين. لا سيما بعدما كشف عن مناورات عديدة تقودها أطراف عديدة، لجهة تعطيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتجميد بنود خريطة الطريقة المتفق عليها.
ويكشف التسريب المنسوب للقيادي الإخواني عن إعطاء الأوامر لقادة الميليشيات بإصدار بيانات عاجلة يعلنون فيها رفضهم للانتخابات المقبلة. كوسيلة ضغط على المجتمع الليبي. موضحاً أنه يستغل بند التصويت على الدستور أولا، هو ورفاقه، كمبرر لرفض إقرار القاعدة الدستورية المتممة للانتخابات”.
وإلى ذلك، بعث “تكتل أحياء ليبيا” ببيان إلى مبعوث الأمم المتحدة، يطالب فيه بضرورة “عدم السماح بعرقلة الانتخابات”. وقال البيان إنه “لأمر مأساوي بالفعل أن تتجاهل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مخرجات اللجنة القانونية. وأن تسمح بتقديم ما يسمى بالمقترحات من قبل مجموعات الضغط التي تم تشكيلها حديثا داخل أروقة ملتقى الحوار السياسي”.
وتابع البيان: “القبول بأي تأجيل أو إلغاء أو تحجيم للانتخابات الرئاسية المباشرة يمثل انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة، ومخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني، فضلا عن خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في ملتقى الحوار السياسي الليبي. ونخشى أن تتسبب مثل هذه التحركات في حدوث اضطرابات اجتماعية على نطاق واسع، وقد تفضي لا قدر الله إلى تأجيج الصراع في ليبيا، التي ظلت تعاني من ويلات الحروب الممتدة لأكثر من عشر سنوات”.
ويختتم: “بمقدور مجلس الأمن الدولي، فرض إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية استنادا إلى القوانين الليبية القائمة والسارية المفعول والملزمة