كان كل شيء يبدو هادئًا بمنطقة الخليج، قبل أن يدب الشقاق في صفوف الدول المتجاورة في الجغرافية والأجندات الخارجية معًا. بدا لقادة السعودية والإمارات مؤخرًا فكرة حالمة باعتبار أن “الطلاق السياسي” لا يدخل في مضمار “أبغض الحلال” بل هو أحب الأعمال إلى “صناعة النفوذ”.

أحد المحللين من دولة “صديق مشترك” للسعودية والإمارات رأى في الخلاف العلني حاليًا بين الدولتين الخليجيتين، “نهاية شهر عسل وليس نهاية زواج”. كان الكويتي بدر السيف، وهو زميل لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، يتحدث عن مستقبل علاقة البلدين على المدى البعيد.

لم يُخفِ السيف أن البلدين دخلا مرحلة من المناكفات الزوجية اليومية، لكنه استبعد أن يكون ذلك نهاية زواج سياسي واقتصادي. غير أن الشواهد تقول إن المناكفات تقود حتمًا إلى الطلاق، سواء عاجلاً أو آجلاً.

عودة القنوات المهاجرة

عندما كنت أتصفح وسائل إعلام سعودية وقعت عيني على مقال للكاتب السعودي ماضي الماضي في صحيفة “الرياض” في فبراير 2014، هذا عنوانه: “عودة القنوات المهاجرة“، انتاب الكاتب وقتها غضاضة كبيرة من استئثار دبي بالاستثمارات الإعلامية السعودية، وطرح تساؤلات أمام الرأي العام: لماذا لا تبني السعودية مدنًا إعلامية، ولماذا لا يتجه عدد من المستثمرين السعوديون إلى الاستثمار في مجال تأسيس القنوات التي تستهدف الربحية.

ربما لقيت دعوة “الماضي” صدى في حاضر السعودية الآن، على خلفية ما راج بشأن اتجاه المملكة لنقل شبكاتها الإعلامية من دبي إلى الرياض، وهي رسالة- فضلاً عن أهدافها الربحية- تؤكد على حجم الفجوة المتزايدة في علاقة البلدين الخليجيين المتنافسين سياسيًا واقتصاديًا.

السعودية تبدأ إعادة طيورها الإعلامية المهاجرة
السعودية تبدأ إعادة طيورها الإعلامية المهاجرة

التقارير التي نقلتها وسائل إعلام غربية، من بينها وكالة “رويترز“، تؤكد أن ثمة خطة سعودية لنقل مقر قناتي العربية والحدث المملوكتين للمملكة من دبي إلى الرياض بحلول يناير 2022. وتشمل الخطة نقل مجموعة “أم بي سي” وأخواتها من قنوات تلفزيونية وإذاعة، ومواقع إلكترونية تتخذ من مدينة الإعلام في دبي مقرًا لها.

لماذا تنقل السعودية شبكاتها الإعلامية من دبي؟

الخطوة السعودية على فُجائيَّتها فإنها مدعوفة بجملة من العوامل التي يبدو أن الرياض تراها أسبابًا ناجعة لإعادة تقييم علاقتها بالإمارات. ترتبط تلك العوامل بأهداف اقتصادية يمكن لأي أحد أن يأخذ على االسعودية تأخرها في القرار. لكن الأهم أن الظروف المحيطة بعلاقة البلدين مؤخرًا تستحوذ على نصيب كبير من تلك الأسباب على النحو التالي:

الخروج من العباءة الإعلامية للإمارات، يبدو سببًا جوهريًا وراء الخطة السعودية.

بناء قاعدة إعلامية على أراضيها منافسة للإمارات، السبب الآخر الذي يبدو وجيهًا لمتابعي المشهد السعودي.

سياسة السعودة (التوطين) في الوظائف والمجالات، لتوفير فرص عمل للسعوديين، الذين طالتهم سياسة التقشف التي اتبعتها السعودية مؤخرًا، تدفع على ما يبدو لهكذا مسار.

التحول لمركز إقليمي وفق استراتيجية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تقتضي نقل الآلة الإعلامية لعاصمة السعودية،  وجعله مركزا عالميا إضافة لتوفير فرص عمل للسعوديين.

التبعية الاقتصادية لمدينة دبي الإعلامية تثير دائمًا مخاوف سعودية، باعتبارها مرتبطة بمدى التناوب في الملفات الإقليمية.

مرحلة ما بعد النفط، تقتضي على الدولتين الخليجيتين التنافس على جذب المستثمرين والشركات.

مدينة نيوم السياحية التي تعكف السعودية على تشييدها باعتبارها منافسة لدبي، تعزز المخاوف من إضرار الإمارة الإماراتية بالمشروع السعودي.

زيادة الفجوة بين مصالح البلدين خلال السنوات القليلة الماضية، سياسيًا واقتصاديًا، وهو ما طفا على السطح رسميًا مؤخرًا، خاصة مع بروز تباين في وجهات النظر حول قضايا المنطقة.

سيطرة الإمارات على المشهد الإعلامي السعودي من خلال خلايا إعلامية، ترى المملكة الفرصة مواتية لتصفيتها.

استقالات متكررة من إعلاميين سعودية مواليين للإمارات، وانخراطهم في وسائل إعلام إماراتية، من بينهم عبد العزيز الخميس، الذي تغنّى في أكثر من مناسبة بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

فشل الإعلام السعودي في التعامل مع الأزمات الأخيرة وظهوره بشكل “رادح” أكثر منه متزن ومقنع على المستوى النخبوي، دفع البعض للاعتقاد أنّ ذلك متعمدًا من الدولة المستضيفة للآلة الإعلامية السعودية.

التنافس الإعلامي بين الدولتين الخليجيتين خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع تباين أجندتهما في اليمن والخلاف النفطي، دفع الرياض لاستعارة إعلامها وإعادة تشكيله بهوية سعودية خالصة من الرياض.

طموح الأمير الشاب محمد بن سلمان في انتزاع كرسيِّ والده لحكم المملكة، يدفعه لرسم خارطة إعلامية جديدة موالية بالكلية لمشروعه الحداثي، بالقدر الذي لا يسمح بالسيطرة الكاملة على إعلام الدولة وقطع الطريق على أية محاولة للاستقلالية أو تحكم أيٍّ من الأسرة الحاكمة بوسيلة إعلامية ذائعة الصيت على غرار “أم بي سي” أو “العربية” و”الحدث”.

إضعاف الدور الإعلامي لدبي باعتبارها مركزًا دوليًا وإقليميًا لصالح السعودية، يبقى السبب الأخير، الأضعف باعتبار أن الرياض لا تزال في مهد التجربة.

الدوافع السابقة تبقى في جوهرها نوعًا من الاستقلال السعودي نحو دعم مصالحها بعيدًا عن عباءة الإمارات. لكنها تبقى أيضًا في إطار إبراز مدى الفجوة التي طغت على علاقة الدولتين، مشفوعة بسياسات يمكن أن تقود إلى تشرذم خليجي يؤثر بالتبعية على ملفات أخرى.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

“التفحيط السياسي”

ينتشر في منطقة الخليج ما يُعرف بالتفحيط وهو قيادة السيارات بقدر كبير من التهور، رغبة في الإثارة واستعراض المهارات. غير أن الأخطر من التفحيط بالسيارات التفحيط السياسي، وهو ما تعيش بلدان الخليج أحداثه حاليًا، ثمة قدر كبير من الحراك والتغيرات الجذرية في بنية علاقات دول الخليج العربية، إلى أي مدى سينتهي سباق التفحيط، وأيٌّ منهم سيخرج خاسرًا؟ هي أسئلة مرتبطة بحجم التشابك في الملفات الإقليمية.

سمحت السنوات العشر الماضية للسعودية والإمارات العيش معًا في هدوء، لاعتبارات تتعلق بوحدة الهدف والمصير. جمع البلدان مشتركات دعّمت هذا الانسجام، من بينها تعاطيهم مع ما عرف بثورات الربيع العربي، والتطابق في آليات صناعة النفوذ، فكان طبيعيًا خلال السنوات الماضية أن يجد المتابع الدقيق لسياسات الدولتين أن ثمة “نسخًا” في السياسات بمناطق النزاعات سواء بتجنيد الحلفاء أو الانتشار الميداني، وبالمنطقة الهادئة ثمة تطابق في آليات الاختراق الناعم، حتى إن الشخصيات النافذة التي تصنعها الدولتان يمكنك رؤية شخصية محمد دحلان في الإمارات وباسم عوض الله في السعودية، قبل أن يسجن في الأردن بتهم التخطيط لقلب نظام الحكم.

اقرأ أيضًا| وجه الشبه بين “باسم عوض الله السعودية” و”دحلان الإمارات”

لكن هذا التشابه في الآليات والتفكير، خاصة خلال السنوات الأخيرة، التي شهدت التصاقًا شبه تام بين الحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بم زايد ولي عهد أبو ظبي وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، للدرجة التي وصفتهما تقارير دولية بأنهما شخصان يقودان سيارة واحدة في سياسات المنطقة، بل اعتبر البعض أن بن زايد هو من يقود الأمير السعودي الشاب.

وعندما اصطدمت علاقة الرجلين وتباينت سياساتهما كما سنبين لاحقًا، اعتمدا “سياسة تفحيط” مجنونة بالمنطقة. بعضها أقدم عليها دون حسابات دقيقة ولي العهد السعودي، بدون الاتفاق مع الإمارات، ثم كان الرد الإماراتي بالمثل، فشهدت المنطقة اضطرابات عديدة منبعها ونهايتها عند بلدين يرى أحدهما أنه “أكبر من أن يكون مجرد الشقيق الأصغر”.

مسارات الخلاف

النزاع في اليمن

نهاية شهر العسل بين البلدين يمكن تأريخه بالانسحاب الإماراتي من اليمن في 2019، بعدما أظهر تباينا في الأهداف، فغابت الإمارات فعليا عن التحالف العسكري الذي شكلته السعودية لتوجيه ضربات لجماعة الحوثي باعتبارها خصما مشتركا، وزّعت الدولتان الخليجيتان الغنائم بتقسيم مناطق النفوذ باليمن بينهما، وفي الخلفية موالين محليين ممثل في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا والحكومة اليمنية المدعومة سعوديًا، ثم لاحقا خاض الطرفان مواجهات على عدة جبهات بقصد انتزاع السيطرة الميدانية، ونجحت الإمارات في أهدافها بالسيطرة على كافة المناطق الاستراتيجية جنوب اليمن.

اقرأ أيضًا| خلاف سعودي – إماراتي يتردد صداه في اليمن

المسرح الليبي

الواضح أن في طبيعة العلاقات بين البلدين هو أن الإمارات ترى نفسها “منافس للمملكة العربية السعودية وليس كشريك صغير”. وبالتالي أظهرت الدولتان قدرًا كبيرًا من المنافسة في الملفات النزاع بالمنطقة لصناعة نفوذ، وعندما أضعفت الإمارات تحالفهما وتخلت عن المملكة في اليمن، كان الرد السعودي في ليبيا، عندما فشل المشير خليفة حفتر بدعم إماراتي انتزاع العاصمة طرابلس من قبضة قوات مسلحة محسوبة على الإسلاميين، مدعومة من تركيا.

اتفاق العلا

يبدو أن السعودية رتبت تفاصيل اتفاق العلا وأمضت في تنفيذ بنوده بدون تنسيق كامل مع الإمارات التي لم تكن بقدر الحماسة نفسها التي أبدتها السعودية وواصلتها في هذا الملف. فبينما عادت علاقة ودية بين السعودية وقطر لا تزال المشاحنات والملاسنات بين الجارتين المتنازعتين تاريخيا (قطر والإمارات).

الأهم في اتفاق العلا هو الخطوات اللاحقة التي تترجم البنود المتفق عليها، حيث انفردت السعودية بخطوات من دون التنسيق المسبق مع الإمارات. وبعدما كان في العادة يتم حل الخلافات بين الأنظمة الخليجية الثرية خلف جدران القصور، خفا على السطح خلاف علني نادر، مصحوبًا بتململ إماراتي إزاء ظروف المصالحة مع قطر.

اتفاق العلا
اتفاق العلا

البعض اعتبر اتفاق العلا “اتفاقية ثنائية” بين الرياض والدوحة، مستندين إلى التفاصيل التي كشفتها الشهور اللاحقة على توقيع الاتفاق، حيث تسارعت  خطى السعودية وقطر نحو تكفيك الجمود وإعادة العلاقات إلى وضعٍ يبدو أفضل حالاً مما كان عليه قبل المقاطعة، في المقابل سيطر جمود كامل، وصل إلى درجة الانهيار في علاقة الإمارات وقطر.

اتفاق أبراهام

ثم جاء اتفاق أبراهام ليطبع خاتمًا على حقيقة تباين المصالح وصراع النفوذ، عندما أقدمت الإمارات على اتفاق لم يكن للسعودية دور في هذا التفاعل. لكن ما فاقم الخلاف حيال تلك النقطة ما قيل عن أن ولي العهد السعودي نقض اتفاقا مسبقًا مع ولي عهد أبوظبي يقضي بلاحق المملكة السعودية بقطار التطبيع، لكن الأمير الشاب الذي اجتمع مع بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مدينة نيوم لوضع تفاصيل الاتفاق قد خشي ردة فعل شعبي، فتراجع عن الخطوة، وهو ما أزعج الإماراتيين.

تنافس اقتصادي

أكثر الأسباب الظاهرة على سطح الأحداث هو ما يتعلق بالتنافس الاقتصادي، وأن الدولتين تتهيأ لمرحلة ما بعد النفط، من خلال مشاريع ضخمة سياحية وصناعية، لذلك فإن السعودية خططت لتأسيس اقتصاد سياحي منافس للإمارات، وباتت بحاجة إلى تمويل ضخم لبرنامجها الاقتصادي الذي أعلنه ولي العهد. هذا السبب دفع المملكة إلى إصدار قرارات للشركات الأجنبية التي تسعى للحصول على عقود حكومية نقل مقرها الإقليمي الرئيسي إلى المملكة بحلول عام 2024، وهي خطوة تستهدف تصويب ضربة للجارة الإماراتية، وفق مبادئ “مصلحتي أولا”.

استنساخ تجارب الإمارات

بدا واضحا للمتابعين الاقتصادية أن خطة ولي العهد السعودي المعروفة بـ”رؤية 2030” ما هي إلى استنساخ لاقتصاد الإمارات، وهو ما يمكن اعتباره ليس تنافسًا اقتصاديًا طبيعيًا تنتهجه كل دول العالم، بل تحديًا بين الجارتين، يمتلكان من مسببات “الغِيرة السياسية والاقتصادية” ما يكفي لنقل التحدي إلى مرحلة الاشتباك العلني في إطار خلافاتهما.

بالتحديق في المشروعات السعودية فإن “مدينة نيوم” ما هي إلى استنساخ لمدينة دبي السياحية، ومشروعات الجذر السعودية شبيهة تماما بالجذر السياحية الإماراتية، ومخطط تحويل السعودية إلى “مركز طيران عالمي” هي محاولة لاستباق دبي التي باتت أهم مركز للسياحة والسفر في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضًا| موسم احتضان الخصوم.. بن سلمان يصنع كرسيه لحكم السعوديين

إنذار تجاري

فيما يبدو أنه تحدٍ سعودي واضح للإمارات، أو محاولة لتوجيه لكمة لاقتصاد الجارة، كان قرار السعودية تعديل قواعد الاستيراد من دول مجلس التعاون الخليجي يستهدف في الأساس البضائع القادمة من الإمارات. وقتها استبعدت السعودية (وهي أكبر دولة مستوردة في المنطقة) الامتيازات الجمركية عن السلع التي تستخدم مكونات إسرائيلية. ثم أبانت عن كامل قصدها عندما أعلنت أن كل البضائع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعتبر محلية الصنع، في إشارة إلى دبي. والمناطق الحرة، التي تعد من المحركات الرئيسية لاقتصاد الإمارات، هي مناطق يمكن للشركات الأجنبية أن تعمل فيها بموجب قواعد تنظيمية ميسرة ويسمح فيها للمستثمرين الأجانب بتملك الشركات بالكامل.

العلاقة مع إيران والإخوان

واحدة من مسارات الخلاف العميقة بين الدولتين، هي علاقة الإمارات المنفتحة مع إيران، مقابل علاقة مماثلة للسعودية مع الإخوان. وتتبع الإمارات نهج أكثر مرونة حيال طهران، قائم في الأساس على المصالح الاقتصادية، في ظل خلاف عميق بين الرياض وطهران، وسط اتهامات باستهداف جماعة الحوثي منشآت النفط السعودية بصواريخ إيرانية، ناهيك عن هجمات على ناقلة النفط في الخليج. في المقابل تبقى الإمارات الأولى خليجيًا والثانية عربيًا للاستيراد من إيران، وهي تستحوذ على حوالي 90% من حجم تجارة إيران مع دول الخليج مجتمعة، وتعد إيران رابع شريك تجاري للإمارات، والأخيرة ثاني أكبر شريك تجاري لإيران.

اقرأ أيضًا| هل تستطيع إيران والخليج العيش في سلام؟

هذا التباين ينعكس بشكل مماثل في علاقة المملكة العربية السعودية مع جماعة الإخوان وبعض التيارات الإسلامية، بدءًا من الملف اليمني، حيث تدعم وتستضيف المملكة قادة الجماعة، الذي يشكلون قوام الحكومة المتنازعة حاليا مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا. ثم امتداد هذه العلاقة في بعض الملفات الخارجية التي تظهر المملكة مرونة في التعامل مع أفرع التنظيم، حتى إن استضافة قناة “العربية” مؤخرًا رئيس حركة حماس بالخارج خالد مشعل ودعوته الرياض لفتح أبواب العلاقة مع الحركة، يمكن أن تكون أحد الأسباب الجوهرية لصدام الآلة الإعلامية في البيئة المنطلقة من أراضيها، الإمارات.

الخلاف الحدودي

مقابل حصولها على اعتراف السعودية بدولة الإمارات الناشئة، وقعت الإمارات عام 1974 اتفاقية جدة، التي آل بموجبها شريط حدودي غنيٌّ بالنفط إلى السعودية، تضمن حقل شيبة الذي يمتد جزء منه داخل الإمارات.

https://www.youtube.com/watch?v=r_BHQQ0-Cfo

لاحقًا أفاقت السعودية على ثورة نفطية فرّطت فيها لصالح جارتها، فاعتبر مسؤولون إماراتيون مؤخرًا أن الاتفاقية جرى توقيعها في ظرف استثنائي، وأنها غير عادلة، لكن السعودية تمسكت بحقها في المنطقة، ورفضت التجاوب مع الجانب الإماراتي.

تداعيات جوهرية

التغيرات الحالية في مشهد العلاقة بين السعودية والإمارات، خاصة في شقها الإعلامي، وما يمثله من حرية الحركة والمناورة، بالتأكيد سيترك تأثيرات على أغلب الملفات بالمنطقة، فضلاً عن تغيرات في البنية الاقتصادية على النحو التالي:

القطيعة الكاملة بين القوتين الخليجيتين يمكن اعتبارها أمرًا مستبعدًا، لكن السياق العام يشير إلى مرحلة تنافسية شديدة التغيير والتأثير على علاقة البلدين.

التنافس الاقتصادي يرسم ملامح مرحلة التباين بين الدولتين، باعتبار أن صدام كتلتين اقتصاديتين بحجم الإمارات والسعودية حتمًا سيترك صدىً في اقتصادات ناشئة بالمنطقة.

تغيرات عميقة تركيبة النزاعات بالمنطقة، باعتبار أن الدولتين لا ترى في علاقتها بالأخرى أنها شقيقة صغرى أو تابعة لها، بقدر ما هي منافسة.

الملف اليمني سيكون واحدًا من أكثر الملفات تأثيرات باتساع نطاق الخلاف السعودي الإماراتي، باعتبارهما يقتسمان مناطق النفوذ الجغرافية في البلد الممزق بفعل الحرب.

النقطة الجوهرية في بنية الصراع السعودي الإماراتي هو أن كلاهما لا يرى نفسه شريكًا للآخر، بل مركزًا إقليميًا يدور نم حلوه شركاء صغار في المنطقة، وهذا التصور يعني أن المواجهة يمكن أن تمتد لتطال كافة نواحي الحياة ليست فقط سياسية واقتصادية.

تفكك مجلس التعاون الخليجي ليس بحاجة إلى استشراف مستقبل أو تحليل لمصيره، فمنذ نشب الخلاف بين أركان البيت الخليجي وقد وظّفت السعودية المجلس لأهدافها، وبالتالي ظهر في كإطار مهترئ، لا يقوى حتى على الاستمرار بنفس وتيرته فضلاً عن إصلاح علاقات دوله الأعضاء.

حصص الإنتاج النفطي ستتأثر بامتداد الخلاف السعودي الإماراتي، مع احتمالية تجدده في ساحة منظمة أوبك مرة أخرى، وهو ما يترك تداعيات على كافة المستويات المعيشية والتنموية.

المواجهة المفتوحة التي تبدو عليها علاقة البلدين حاليًا، ترشّح لعواقب وخيمة في حال كان الرد الإماراتي على الإجراءات السعودية متعلقًا بملفات اقتصادية تؤثر على المنطقة.

ورطة الحلفاء القريبين من البلدين ستكون هي الأخرى إحدى التداعيات المحتملة، في حال وصل الخلاف إلى مراحل متقدمة، وشهد صدامًا علنيًا في ملفات اقتصادية أو سياسية بالمنطقة.