أثارت أزمة ديون شركة “إيفرجراند” الصينية، ثاني أكبر مطور عقاري في الصين التي تتجاوز 305 مليارات دولار. مخاوف من حدوث فقاعة عقارية عالميًا تأخذ الاقتصاد العالمي تجاه أزمة جديدة.
تمثل الشركة، الواقعة بجنوب الصين، جزءًا من قائمة أكبر 500 شركة في العالم والتي تضم كبرى الشركات على مستوى الإيرادات ولديها 200 ألف موظف بشكل مباشر. بجانب نحو 3.8 مليون وظيفة بصورة غير مباشرة مرتبطة بصناعة العقارات.
أسس المجموعة الملياردير الصيني شو جياين، الذي كان في فترات سابقة أغنى أغنياء الصين وضمن أكبر خمس أثرياء في قارة آسيا بوجه عام. بثروة تناهز 43 مليار دولار، قبل أن تهوي إلى 9 مليارات دولار حاليًا.
تدفع الشركة ثمن الطموحات العالية غير المدروسة بعدما ابتعدت عن أعمالها الأساسية، ووكذلك عدم وجود معلومات كافية عن أصولها. إذ تعمل حاليًا في نحو 778 مشروعًا من أصل 1300 مشروع بأكثر من 280 مدينة بجميع أنحاء الصين، ولديها نشاط بجميع المجالات تقريبًا بداية من السيارات الكهربائية والألعاب الرياضية والمتنزهات والأطعمة والمشروبات والبقالة ومنتجات الألبان.
أنشطة متنوعة
في عام 2010، اشترت الشركة فريق كرة قدم ، والذي يعرف الآن باسم Guangzhou Evergrande. قام هذا الفريق منذ ذلك الحين ببناء ما يُعتقد أنه أكبر مدرسة لكرة القدم في العالم، بتكلفة 185 مليون دولار. كما تعمل على إنشاء أكبر ملعب لكرة القدم في العالم بتكلفة 1.7 مليار دولار على شكل زهرة لوتس عملاقة لاستيعاب 100 ألف متفرج.
لدى الشركة نشاط سياحي في المنتزه الترفيهي بجانب مشروع ضخم يسمى جزيرة “الوردة المحيطية” في هاينان المقاطعة الاستوائية في الصين التي يشار إليها عادة باسم “هاواي الصينية”. والذي يتضمن مولات ومتاحف ومدن ملاهي والتي بدأت العمل على أساس تجريبي وكان ينتظر افتتاحها كاملة في نهاية 2021.
تخلت الشركة عن أحد المعايير الأساسية لتقييم الأداء الاقتصادي الذي يتمثل في صافي الربح وليس إجمالي الإيرادات. إذ حققت في 2020 نحو 507 مليارات يوان وهو الرقم الأعلى في تاريخها لكن تكلفة تحقيق ذلك كانت باهظة ليبلغ الصافي فقط 122 مليار يوان وهو أقل مستوى في ثلاثة أعوام.
تحاول الشركة حاليًا بيع برج مكاتبها في هونغ كونغ، الذي اشترته بنحو 1.6 مليار دولار عام 2015. لكن ذلك “لم يكتمل ضمن الجدول الزمني المتوقع”، في محاولة لإنقاذ السهم الذي فقد ما يقرب من 85٪ من قيمته هذا العام، وخفضت تصنيفه الائتماني كل من وكالتي “فيتش” و”موديز” بسبب مشاكل السيولة لديها.
مخاوف عالمية
قال محللون إن مشاكل ديون شركة “تشاينا إيفرجراند” للتطوير العقاري من غير المرجح أن تتسبب في نفس تداعيات انهيار بنك الاستثمار الأمريكي “ليمان براذرز” عام 2008. مع وجود اختلافات في تملك الشركة الصينية محفظة أصول من الأراضي يمكنها المساهمة في حل مشكلاتها، على عكس البنك الذي يملك أصولا مالية.
تبلغ محفظة أصول الشركة ما يزيد قليلا عن 1.4 تريليون يوان (220 مليار دولار)، في مقدمتها الأراضي ومشاريع الإسكان، ما قد يغري الحكومة الصينية في شراء أراضي الشركة. كما فعلت في 2014-2015، من منطلق سيطرتها الكاملة على القطاع العقاري فالبنوك الصينية والعديد من الكيانات الأخرى هي من الأسلحة الحكومية ما يعني أن الإفلاس التجاري لأي مؤسسة هو “اختيار الدولة “.
انهار بنك الاستثمار الأمريكي قبل 13 عامًا نتيجة لضمان عشرات المليارات من الدولارات من الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية محفوفة بالمخاطر خلال فقاعة الإسكان الأمريكية. وسمحت الحكومة في نهاية المطاف بإفلاس بنك “ليمان” بينما قامت بإنقاذ المؤسسات المالية الأخرى.
انتظار الحكومة
بحسب محللين اقتصاديين، فإن السلطات ستتحلى بالصبر في حالة “إيفر جراند” لأن لديها هدفين هما منع المجازفة المفرطة والحفاظ على الاستقرار في سوق العقارات. أو بمعنى آخر فإن صانعي السياسة سيختارون الانتظار أولاً، ثم يتدخلون لاحقًا لضمان إعادة هيكلة الديون بشكل منظم”. “إن الإنقاذ بالجملة ليس محتملًا جدًا وقد يتعرض المساهمون/ المقرضون لخسارة كبيرة. لكن الحكومة ستحرص على إنجاز الشقق المباعة مسبقًا وتسليمها إلى مشتري المنازل “.
تملك الحكومة الصينية سجلاً حافلاً في إعادة هيكلة الشركات العملاقة مثل Anbang Insurance وBaoshang Bank وHNA Group وChina Huarong Asset Management. في ظل وجود نظام مصرفي قوي تبلغ أرباحه 1.9 تريليون يوان، ما يمكن أن يمتص بسهولة الخسارة من “إيفر جراند”.
تملك “إيفر جراند” علاقات مباشرة مع المستثمرين الأجانب أكثر من العلاقات المباشرة مع الجزء الأكبر من الاقتصاد الصيني. وتمتلك الشركة حوالي 19 مليار دولار من إجمالي السندات الخارجية القائمة، أي ما يعادل حوالي 9% من السندات الصينية المقومة بالدولار الأمريكي، وفقًا لبنك الاستثمار UBS.
طلبت السلطات من الحكومات المحلية البدء في الاستعداد للانفجار الداخلي للشركة، خاصة أن الصين تنتشر فيها “مدن أشباح” من المباني السكنية غير المرغوب فيها. بجانب الوحدات الفارغة التي يحتفظ بها المضاربون، فوفق تقرير صدر عام 2019 تصل الشقق الشاغرة إلى 20%.
كيف ستضرر الصين؟
تؤكد «كابيتال أيكونوميكس» أن القطاع المصرفي الصيني سيكون من بين أول المتضررين إذا كان هناك أي آثار لعدوى انهيار الشركة على القطاع الأوسع للعقارات في البلاد. ما قد يؤدي إلى هبوط حاد في الاقتصاد، فالعقار يمثل ما بين 20 و30% من نمو الناتج المحلي للبلاد.
تؤكد وسائل الإعلام الصينية أن حوالي 170 بنكًا صينيًا و120 بنكا أجنبيا ستتضرر مما سيشكل صدمة في القطاع البنكي. فضلًا عن 160 مليار دولار ديونا لصالح الشركات التي تورد مواد البناء إليها، مع إمكانية تأخر تسليم 1.4 مليون وحدة سكنية بها لم تكتمل.
نظرًا لأن قطاع العقارات يرتبط بنحو 100 صناعة أخرى فإن العديد من القطاعات الاقتصادية ستتضرر، علاوة على تشكك الصينيين ذاتهم في قطاعهم العقاري. بعدما تظاهر نحو 1.3 مليون صيني قرب مقر الشركة للمطالبة باسترداد 30% من مقدمة الحجز الذي دفعوها للشركة.
في العام الماضي، تخلف عدد كبير من الشركات الصينية المملوكة للدولة عن سداد قروضها، مما أثار مخاوف بشأن اعتماد الصين على استثمارات تغذيها الديون لدعم النمو. وفي عام 2018 اضطر الملياردير وانج جيانلين إلى تقليص حجم مجموعته “داليان واندا”، حيث فرضت بكين قيودًا على الشركات التي تقترض بكثافة للتوجه إلى الخارج. ما يعني أن جذور مشاكل إيفرجراند خاصة بالمطورين ذوي الاستدانة العالية مع انكماش حجم الطلب على العقارات السكنية.