ذاقت الهند -أرضا ومواطنين- ويلات الاحتلال مثلما تجرعته أفريقيا. العامل المشترك هنا كان المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، “بريطانيا العظمى” التي زجت بمواطنين الهند الحاملين للجنسية البريطانية إلى أفريقيا، كونهم عمالة رخيصة، لكنها مدربة بشكل أفضل من العمالة الأفريقية آنذاك. واليوم يمر نصف قرن على مشاهد تهجير المواطنين الآسيوين من أوغندا، وإليكم الحكاية…

نصف قرن على حادثة 1972

يمر هذا العام نصف قرن على حادثة تهجير الآسيويين الذين عاشوا على أرض أوغندا، إلى مطارات عدة، من ضمنها مطار ستانستد. وهو المطار الذي شهد تهجير بطل حكايتنا اليوم “فايز موغال” وأسرته، التي نشرت بموقع “الجارديان“.

بدأت المأساة عندما قرر الحاكم الديكتاتوري الأوغندي عيدي أمين ترحيل كل الحاملين لجواز السفر البريطاني من الأراضي الأوغندية. قال حينها: “لقد حلبوا البقرة دون أن يحاولوا إطعامها”. أمين كان يريد تجريد الآسيويين الأوغنديين، الذين عاشوا لمدة ثلاثة أجيال في البلاد، من جميع أصولهم وطردهم.

في طبعة أغسطس 1972 من أرجوس أوغندا، تم الإبلاغ عن أن “أمين” طلب من الحكومة البريطانية تحمل “مسؤولية” حاملي جوازات السفر البريطانية في أوغندا. ذلك لأنهم “يخربون اقتصاد البلاد”.

أمهل الرجل الآسيويين ثلاثة أشهر لمغادرة البلاد اعتبارًا من 5 أغسطس 1972. وقد أدى خروج الآسيويين الأوغنديين، الذين استأثروا بمعظم عائدات الضرائب، إلى ركود الاقتصاد -كان عملًا من أعمال إيذاء النفس الاقتصادي الذي أنشأه زعيم مدعوم في البداية من قبل البريطانيين-. اعتقدت الحكومة البريطانية أن أمين كان “رجلهم”، حتى انقلب عليهم. وكان “فايز موغال” واحدًا من 28 ألف آسيوي أوغندي أجبروا على مغادرة أماكن مثل جينجا ومبال وكمبالا في أوغندا.

فايز موغال.. اللجوء بلسان من ذاقه

ولد فايز موغال في أوغندا في عام 1971 وعمل في القطاع الخيري لأكثر من 25 عامًا.

أنشأت الحكومة البريطانية في ذلك الوقت مجلس إعادة التوطين الأوغندي للسيطرة على تدفق اللاجئين الآسيويين الأوغنديين. وهو ما أسماه المراقب في ذلك الوقت “رد فعل عنيف يعبر عن الاستياء الأبيض بتوجيه القادمين الجدد بعيدًا عن مناطق تركيز المهاجرين الملونين الموجودين بالفعل”.

تقول الصحيفة إن “التشنجات المتوقعة من رد فعل عنيف كهذا جاءت بالفعل من إينوك باول السياسي المنتمي لحزب المحافظين والجبهة الوطنية ونادي الإثنين”. كما أظهرتها أوراق حكومية كشف عنها لاحقًا تضمنت طرح مقترحات على الطاولة لإرسال الآسيويين الأوغنديين إلى دولة جزر سليمان أو جزر فوكلاند، استرضاءً للغضب السياسي.

إينوك باول
إينوك باول

وعلى الرغم من رد الفعل الذي يمكن التنبؤ به من قبل أشخاص مثل “باول”، رحب الجمهور البريطاني عمومًا بالآسيويين الأوغنديين. كما شكل المجلس الثقافي البريطاني الكنائسي والجماعات الدينية نفسه في لجنة التنسيق لرعاية الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من أوغندا.

تم تجهيز قاعات الكنيسة كمناطق استقبال مؤقتة، وتقدم المتطوعون لمساعدة الوافدين الجدد الذين ظهروا بملابس غير مناسبة لفصل الشتاء البريطاني القارص القادم. حيث ارتدى البعض السراويل القصيرة، والبعض الآخر بدلات سفاري، مع العديد منها يرتدي ملابس غربية، وكان تأثير الثقافة البريطانية عليها عاليًا.

بين أمس واليوم.. بريتي باتل مثل إينوك باول

بحلول أواخر أكتوبر 1972، مر حوالي 18 ألف آسيوي أوغندي عبر معسكرات إعادة توطين مختلفة، وتم تعيين عائلة كاتب هذا الموضوع بالجرديان “فايز موغال” في معسكر ستراديشال للقوات الجوية الملكية في ساري. ذكرت صحيفة إيفنينغ ستاندرد في 2 نوفمبر 1972 أن ما لا يقل عن 7000 منهم قد تم نقلهم بالفعل إلى المدن وإعادة إسكانهم، مع العثور على وظائف، حتى يتمكنوا من نقل حياتهم. اضطرت بعض العائلات إلى الانتظار بضعة أسابيع فقط لإعادة التوطين، بينما انتظرت عائلات أخرى لعدة أشهر.

يقول موغال إنه خلال 50 عاما، انتقل بلدنا من إعادة توطين اللاجئين الآسيويين الأوغنديين في غضون أسابيع وإدخالهم في العمل، إلى التخطيط لإرسال اللاجئين على بعد 4000 ميل إلى حكومة رواندية لديها العديد من الملاحظات في مجال حقوق الإنسان. لا يسعني إلا أن أتخيل ما كان سيحدث لي لو طرد “أمين” الآسيويين من أوغندا اليوم وإذا وصلت إلى شواطئ دوفر، لمجرد أن لدي صلة بالإرث الاستعماري لمشاركة بريطانيا في شرق أفريقيا.

صحيح أن أحد الاختلافات بين ذلك الحين واليوم هو أن معظم الآسيويين الأوغنديين لديهم جوازات سفر بريطانية. ولكن إذا كانت فضيحة ويندراش قد علمتنا أي شيء، فهو أن مثل هذه الفروق لا تعني الكثير لوزارة الداخلية الحالية ومن تديرها بريتي باتل، يضيف موغال. وهو يرى ضرورة ألا تنسى “باتل” أبدًا أن الآسيويين الأوغنديين قد استقروا ورحب بهم في ظل حكومة إدوارد هيث المحافظة، الذي وقف بحزم ضد كراهية الأجانب والتعصب العنصري لأشخاص مثل باول.

يبدو أن وزيرة الداخلية مستعدة للتخلي عن مبدأ توفير ملاذ آمن للعاجزين عن الحياة. وبدلًا من ذلك، فإن موقفها ضد اللاجئين يخجل أولئك منا الذين لا يرون أي تسلسل هرمي في الحفاظ على كرامة الناس، يقول موغال. ويختتم بأنه ربما من سعد “أمين” ديكتاتور أوغندا السابق أنه الآن في قبره بعيدًا عن المساءلة في ترحيله عدد كبير جدًا من مواطني بلده. بينما يشير إلى مخطط وزير الداخلية البريطاني اليوم لإرسال أعداد كبيرة من الأشخاص الضعفاء جسديًا من طالبي اللجوء إلى رواندا.