لم يكن قرار العفو الرئاسي المنفرد عن الكاتب الصحفي حسام مؤنس في قضية “خلية الأمل”، أول العلامات على محاولة الدولة المصرية تقريب المسافة بينها وبين المعارضة. وهي تلقي في الطريق بإشارات حسن نية، لم يختلف أحد على استحسانها، وإن كان الترقب لا يزال مسيطرًا على أرض واقع ملف الحريات في مصر. والجميع ينتظر مآلات حوار دعا إليه الرئيس، وأعقبه باستقبال رموز المعارضة في حفل إفطار الأسرة المصرية، وقد توسط كل ذلك الإعلان عن قائمة جديدة من المحبوسين احتياطيًا قررت النيابة إخلاء سبيلهم.

حوار يتناسب مع الجمهورية الجديدة.. إشارات سبقت عفو حسام مؤنس

حملت الأيام القليلة الماضية مؤشرات هي الأسرع تطورًا في علاقة الدولة بالمعارضة والمجتمع الحقوقي في مصر. وبدأ ذلك الخميس الماضي، بدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى إقامة “حوار سياسي يتناسب مع بناء الجمهورية الجديدة”. هذه العبارة التي لم يعتادها المصريون في الخطابات الرئاسية السابقة. لكنه طرحها أثناء تفقده حصاد القمح في منطقة توشكى. وقد ترك إعلان التفاصيل المتعلقة برؤيته إلى إفطار الأسرة المصرية.

وما بين توشكى وإفطار الأسرة المصرية، أعلنت نيابة أمن الدولة العليا عن قائمة جديدة ضمت 41 من المحبوسين احتياطيًا، تقرر إطلاق سراحهم. ذلك بعد أن ألقي القبض على أغلبهم على خلفية التظاهر احتجاجًا على النظام السياسي فيما عُرف إعلاميًا بأحداث 20 سبتمبر 2020.

كان أبرز المفرج عنهم بقرار النيابة: الناشط السياسي محمد صلاح الذي قضى 29 شهرًا في الحبس الاحتياطي على ذمة قضيتين دون إحالة للمحاكمة. وأيضًا الباحث السياسي عبده فايد. وقد تعرض للحبس الاحتياطي لنحو 700 يوم. ذلك بعد أن ألقت قوات الأمن القبض عليه من منزله بمنطقة الهرم، في 25 مايو من العام 2020، على خلفية نشره تدوينة عبر موقع “فيسبوك”، انتقد فيها أداء السلطات المصرية تجاه تفشي وباء كورونا.

ذلك فضلًا عن طبيب الأسنان وليد شوقي الذي قضى مدة حبس احتياطي وصلت إلى 3 سنوات ونصف السنة. بعد أن ألقي القبض عليه من عيادته في 14 أكتوبر 2018. وقد جرى التحقيق معه في القضية رقم 621 لسنة 2018 أمن دولة، وظل محبوسًا على ذمتها حتى أغسطس 2020. حيينها صدر قرار بإخلاء سبيله، لكن بدلًا من تنفيذ قرار المحكمة، أدرج بقضية أخرى حملت رقم 880 لسنة 2020 بنفس تهم القضية الأولى، بالإضافة لتهمة التجمهر.

وقد تلقى كمال عباس مدير دار الخدمات النقابية -الذي حضر عملية الإفراج عن عدد من العمال في أحداث 20 سبتمبر- وعودًا بعملية إفراج واسعة أخرى قبل عيد الفطر. مؤكدًا أنه تم إعداد قوائم أخرى بأسماء بعض المحبوسين احتياطيًا، غير الـ 41 اسمًا التي تم الإفراج عن أصحابها مؤخرًا.

المعارضة في إفطار الأسرة المصرية.. مصافحة صباحي وحديث داوود

في حفل إفطار الأسرة المصرية، كرر الرئيس حديثه عن أن التحديات والوضع في مصر “كبير على أي رئيس وحكومة ولكنه ليس كبيرًا على المصريين”. وقد أضاف: “إننى أقول لكل من يتوافق أو لا يتوافق معى نحن واحد ولسنا اثنين أنا والشعب”. بينما دعا جميع الأجهزة المعنية ومؤسسات المجتمع المدني لإطلاق منصة حوار لتقديم الدعم للعمل الأهلي والمجتمعي. فضلًا عن اقتراح التعديلات التشريعية اللازمة لتسهيل العمل المجتمعي بما يخدم أهداف الدولة في تحقيق التنمية المستدامة.

وقد تواصلت إشارات سعي الدولة إلى التقارب مع المعارضة، التي حضر -حفل الإفطار- من رموزها شخصيات مهمة، أبرزها المرشح السابق للانتخابات الرئاسية حمدين صباحي، وقد رحب به الرئيس خلال كلمته للحضور. بينما أثارت المصافحة والحديث الذي دار بينهما، وكذلك الحديث الذي دار بين الرئيس ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود تفاعلًا واسعًا. وقد تبين لاحقًا أن للحديثين علاقة بالإفراج عن مدير حملة صباحي الانتخابية حسام مؤنس.

من هو حسام مؤنس؟

ولد الصحفي حسام مؤنس في عام 1982 بمحافظة الدقهلية. ورغم أنه تخرج في كلية التجارة إلا أنه التحق بالعمل الصحفي. وقد تولى إدارة الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وهو أحد أبرز شباب ثورة يناير عام 2011.

كان مؤنس عضوًا فعالًا في جبهة الدفاع عن الحريات، وعمل متحدثًا رسميًا باسم التيار الشعبي وهو أحد وكلاء مؤسسيه. وكان عضوًا في ائتلاف شباب الثورة وأحد المتحدثين باسمه. وقد شارك أيضًا في جميع المعارك السياسية التي تلت ثورة يناير. كما كان حاضرًا وفعالًا في كل الأحداث سواء السياسية أو النقابية والصحفية. وهو أحد أعضاء تنسيقية 30 يونيو.

مؤنس والعليمي وهشام فؤاد.. وقضية الأمل

ألقي القبض على حسام في عام 2019 بتهمة إدارة شركات “تابعة لجماعة الإخوان المسلمين”. وكذا الاشتراك في التخطيط مع قيادات تقيم بالخارج “من أجل إسقاط مؤسسات الدولة”. وكانت مصر وقتها تحتفل بذكري ثورة 30 يونيو. وقد ألقي القبض على آخرين معه بنفس الاتهام في قضية سميت إعلاميًا بقضية “الأمل”

ونشرت وزارة الداخلية بيانًا قالت فيه إن هؤلاء تابعين لجماعة الاخوان المحذورة. وأكمل البيان أن هؤلاء الأشخاص بالمشاركة في “إنشاء مسارات للتدفقات النقدية الواردة من الخارج بطريقة غير شرعية” بالتعاون مع قيادات في الخارج من جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها الدولة المصرية كجماعة إرهابية، حسبما ذكر موقع “بي بي سي“.

واتهم البيان كل من المتحدث الرسمي السابق باسم التيار الشعبي وأحد مؤسسيه حسام مؤنس، وعضو البرلمان السابق زياد العليمي، و عضو حركة الاشتراكيين الثوريين الصحفي هشام فؤاد، ورجل الأعمال عمر الشنيطي.

وكان هذا التحالف يهدف الممارسة السياسية في ضوء الدستور والقانون. إلا أن السلطات سارعت بالقبض عليه وتوجيه اتهامات إليه بمشاركة جماعة إرهابية لتحقيق أغراضها مع العلم بأغراضها، إلى جانب نشر وإذاعة أخبار كاذبة الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.

وتداعت صحف متحدثة باسم الجهات الرسمية إلى نشر رواية مفادها أن حسام ورفاقه خططوا لإسقاط الدولة بالتزامن مع ذكرى 30 يونيو تحت مسمى “خطة الأمل”، رغم أن عملهم السياسي كان بالعلن وبشكل مشروع.

محاكمة “الأمل” بـ”الإيحاء”

بعد مدة تجاوزت السنتين من الحبس الاحتياطي على ذمة قضية “الأمل”، خضع مؤنس ورفاقه إلى المحاكمة في يوليو من العام 2021. وكان ذلك في قضية جديدة حملت رقم 957 لسنة 2021 جنح طوارئ أمن الدولة. وقد عرفت إعلاميًا باسم قضية “الإيحاء”. وهي قضية منسوخة -وفق محاميي الدفاع- عن القضية الأساسية “خلية الأمل” رقم 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة.

وتضمنت التهمة التي أدين بها مؤنس ورفاقه في هذه القضية “نشر أخبار كاذبة عبر الإيحاء الذي كان من شأنه ضرب مصلحة البلاد وإضعاف هيبتها وإلقاء الرعب في قلوب المواطنين”. وذلك استنادًا إلى مقالات منشورة وتصريحات أدلوا بها قبل سنوات.

وقد صدر بموجب ذلك أحكام بالحبس:  5 سنوات للمحامي زياد العليمي، و4 سنوات للصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس. بالإضافة إلى 3 سنوات مع الشغل بحق محمد بهنسي وحسام عبد الناصر. فضلًا عن غرامة 500 جنيه يؤديها كل متهم.

السيسي وصباحي يتصافحان
السيسي وصباحي يتصافحان

العفو استجابة لصباحي.. مؤنس برهان تقارب بين الدولة والمعارضة

الإفراج عن حسام مؤنس جاء مباشرة عقب حفل إفطار الأسرة المصرية. وقد أعلنه عضو لجنة العفو الرئاسي، المحامي طارق العوضي. ما حمل إشارة إلى علامة أخرى على التقارب بين الرئيس والمعارضة. وهو ما أكده رئيس حزب الدستور السابق خالد داوود. إذ كشف عن حواره مع السيسي، في تصريحات نقلتها شبكة “سي إن إن”. فقال: “شكرت السيد الرئيس على دعوتنا لهذا الحوار. وطالبت بالإسراع في ملف إطلاق سراح السجناء السياسيين. وقد تجاوب معي ومع الأستاذ حمدين. وأكد أن الأمر سيتم بأقرب وقت ممكن”.

أشار داوود كذلك إلى تفاهم على أن هذه كانت مرحلة وانتهت، وأن القادم صفحة جديدة. وأضاف: “هذه هي الوعود التي تلقيناها من سيادته ونحن في انتظار التنفيذ ومتابعة الإجراءات التي تمت في اليومين الماضيين بإخلاء سبيل 41 من السجناء السياسيين ولدينا وعود باستمرار هذا النهج”.

لفت داوود أيضًا إلى أحد التصريحات المهمة التي أدلى بها الرئيس، حين قال إن الأولوليات في السنوات الماضية لم تكن تتيح فتح ملف الإصلاح السياسي أو فتح المجال للمزيد من الحريات، واليوم نحن نقف على أرض صلبة في مصر. إذ تم القضاء على الإرهاب بنسبة كبيرة وتم رفع حالة الطوارئ وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وحان الآن وقت التنفيذ.

خالد داوود وحديث مع السيسي
خالد داوود وحديث مع السيسي

حمدين يستقبل مؤنس بعد العفو الرئاسي

قرار الإفراج عن حسام مؤنس تم تنفيذه، صباح اليوم الخميس. حيث كان في استقباله فور خروجه، حمدين صباحي والمخرج خالد يوسف، والأسرة وعدد من الأصدقاء. وقد نشرت الجريدة الرسمية، في عددها الصادر يوم 27 أبريل، قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، رقم 177 لسنة 2022، بالعفو عن مؤنس.

ونص القرار في مادته الأولى على أن “يعفى عن عقوبة السجن المقضي بها على المحكوم عليه حسام مؤنس محمد سعد، في القضية رقم 957 لسنة 2021 ج أمن دولة طوارئ مصر القديمة”.

ويأتي القرار الجمهوري بعد ساعات من حفل إفطار الأسرة المصرية، وتوجيه الرئيس بإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي وتوسيع اختصاصاتها. ما علق عليه خالد داوود. فقال: “نرحب جدًا بإحياء مادة العفو الرئاسي بإطلاق سراح سجناء الرأي المحبوسين على مدى الأعوام الماضية. وندعو للإسراع بإطلاق جلسات الحوار الوطني التي تضم ممثلين لجميع الأحزاب السياسية. بما في ذلك أحزاب المعارضة والنقابات المهنية وشخصيات عامة مستقلة يمكن أن تثري هذا الحوار”، حسب ما نقلته عنه “سي إن إن”.