“أنتم تحاربون من أجل مواطنينا في دونباس ومن أجل أمن روسيا. واجبنا هو حماية ذكرى من حاربوا النازية حتى لا يتكرر ذلك”. بهذه الكلمات الحماسية، تردد صوت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الساحة الحمراء، أشهر ميادين العاصمة موسكو. متحدثًا إلى شعبه في عيد النصر، وهو ذكرى دحر القوات النازية في الحرب العالمية الثانية.
تابع الرئيس الروسي حديثه: “مواجهتنا اليوم هي مواجهة مع النازيين الجدد الذين راهنت عليهم الولايات المتحدة. أنتم تقاتلون من أجل الوطن ومستقبله حتى لا ينتصر النازيون الجدد”، مبينا أن الولايات المتحدة منعت قدماء محاربيها من المشاركة في احتفالات روسيا بعيد النصر.
في حديثه الذي كان يترقبه الروس والعالم. أشار بوتين إلى أن “الغرب لم يرد الإنصات إلى روسيا وكانت لديه خطط أخرى”. وأضاف موضحا “أن الجيش الروسي يدافع عن الوطن الأم في أوكرانيا“. لم يقل ذلك منفردًا، بل كان يحيط به أكثر من 11 ألف عسكري. ممن شاركوا في العرض الضخم في وسط موسكو.
وعلى عكس الادعاءات البريطانية والأمريكية الأخيرة، والتي أشارت إلى أن الجيش الروسي يتم استنزافه في أوكرانيا. وأن الذخيرة الموجهة بدقة تنفد من روسيا. عرض بوتين أحدث أسلحته ومنتجاته الحربية، بما فيها أسلحة من المنظومة الباليستية RSS 24، ونظام Alexander قصير المدى. بالإضافة إلى 77 طائرة ومروحية من الجيل الخامس، شاركت في العرض الجوي.
اقرأ أيضا: الرجل الذي وراء جيش بوتين.. كيف مهد سيرجي شويجو الطريق لهجوم روسيا على أوكرانيا؟
روسيا وتغيير الحقائق
في مقال منشور بمناسبة ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية. لفت فرانك هارتمان السفير الألماني في القاهرة. إلى أنه رغم اعتراف بلاده بمسؤوليتها عن “الويلات غير المسبوقة الناجمة عن الحرب العالمية الثانية”، لكنها ترفض قلب الحقائق بمناسبة هذه الذكرى.
يقول: نعترف بالويلات التي تسبب فيها الاعتداء الألماني على الاتحاد السوفييتي. والفظائع التي ارتكبها الجيش الألماني في المناطق التي تشكل اليوم إقليم دولة أوكرانيا، وروسيا، وروسيا البيضاء. نتحمل مسؤولية العدوان الذي جرى آنذاك. لكن، محاولة الربط بين عدوان روسيا على أوكرانيا بزعم أنها أيضا صراعا ضد الفاشية التي تحكم أوكرانيا وتهدد روسيا ما هي إلا لوى لعنق الحقيقة وإنكار لأهمية هذا اليوم.
في حين أن الغزو الروسي تردد صداه في جوانب العالم الغربي. لا زالت العديد من الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تقف على جانب غير محدد من الصراع. علاوة على ذلك، يحتفظ بوتين بدعم الصين ودول مثل إيران. والتي ليس لديها مصلحة في قبول المعايير التي يعتقد الغرب أنها يجب أن توجه السلوك الدولي.
في مقاله الأخير، يلفت دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما. إلى انه حتى مع استمرار بوتين في حربه ضد أوكرانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ في التفكير في بناء تحالفات للفترة التي تلي انتهاء الحرب.
يقول روس: إن تعبئة الديمقراطيات في أوروبا وآسيا هي مجرد بداية. غالبًا ما يتحدث الرئيس جو بايدن عن كونه عند نقطة انعطاف في الصراع بين الديمقراطية والاستبداد. لكن إذا قسمنا العالم على هذا المنوال فقط، فإننا نستبعد العديد من الدول التي نحتاجها لتكون جزءًا من أي تحالف عالمي. قادر على مواجهة جهود روسيا والصين لفرض قواعدهما على النظام الدولي.
يُضيف: لا يمكننا تحمل شطب تلك الدول التي قد لا تكون ديمقراطيات. في النضال ضد القوى المصممة على خلق حالة طبيعية جديدة تصحح فيها القوة. يجب أن نكون قادرين على الانضمام إلى أولئك الذين يضيفون إلى نفوذنا وأصولنا.
السعودية والخسارة الأمريكية
بالنسبة للشرق الأوسط، أدرك بايدن أهمية حرمان بوتين من القدرة على تمويل حربه. فقد احتاج إلى إيجاد بدائل للنفط الروسي، ليس فقط لتلبية احتياجات الأوروبيين، ولكن أيضًا لمحاولة تقليل الانفجار في تكاليف الطاقة. لم تنجح جهود الإدارة الأمريكية في إقناع المملكة العربية السعودية -الدولة الوحيدة التي لديها قدرة إنتاجية احتياطية كبيرة- بضخ المزيد من النفط. بالطبع، هناك عدد من العوامل التي دفعت السعوديين إلى قول لا. أبرزها الخلاف بين الإدارة الأمريكية وولي العهد السعودي بشأن قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ينقل روس عن أحد كبار المسئولين السعوديين قوله: “أنتم في أمريكا تسرعون في طلب الرد عندما تريدون شيئًا. ولا تستجيبون لنا عندما نتصل بكم”. المسئول السعودي -الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته- يقول إنه في الماضي حاول السعوديون الاستجابة لطلبات أمريكا. لأنهم رأوا الولايات المتحدة “صديقًا موثوقًا به” عندما تم تهديد أمنهم.
يُضيف مساعد أوباما السابق: بعد تعرضهم للضرب المتكرر من قبل الحوثيين وطائراتهم بدون طيار. وصواريخ كروز، وصواريخهم الإيرانية. ورؤيتنا مترددين في المنطقة وفي ردود فعلنا، لم يعودوا يشعرون بهذه الطريقة.
من وجهة النظر الأمريكية، هناك عوامل أخرى تلعب دورًا هنا. فمقتل خاشقجي، واستعداد ترامب لمنح السعوديين فرصة لقتله -وفق روس- وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى. إضافة إلى الطريقة التي أجرى بها السعوديون حربهم في اليمن. أثارت جميعها انتقادات من الحزبين الأمريكيين للمملكة. وأدت إلى قرار إدارة بايدن بـ “إعادة ضبط” العلاقات الأمريكية مع السعودية. لكن، حرب بوتين أعادت التركيز على حقيقة احتياجات الولايات المتحدة. ليُفرض الأمر الواقع، وهو أن السعودية لها أهمية استراتيجية في التنافس مع روسيا والصين.
يقول روس: هناك حاجة إلى النفط السعودي الآن وعلى مدى العقدين المقبلين. حيث يدير العالم الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة. السعودية من بين تلك الدول في الشرق الأوسط التي تحاول بناء مجتمعات حديثة وقادرة على الصمود. وتواجه إيران التي تسعى إلى إدامة صراعات المنطقة من أجل استغلالها.
اقرأ أيضا: الدوما.. أحزاب الـ “ماتريوشكا” على مكتب بوتين
إيران وروسيا والشرق الأوسط
لم يكن دعم طهران لروسيا من قبيل الصدفة. تسعى إيران للهيمنة على الشرق الأوسط، وتقدم طريقاً من التقشف المفروض من أجل أيديولوجية مقاومة ضيقة وغير متسامحة. صادرات إيران الرئيسية هي الطائرات بدون طيار والصواريخ والميليشيات. لذلك، إدامة شرق أوسط يتشكل بفعل الصراعات قد يخدم المصالح الروسية والإيرانية. لكنه لا يخدم المصالح الأمريكية.
يعتبر مساعد أوباما السابق أن هناك “حسن حظ” بالنسبة لبلاده في الشرق الأوسط. يتمثل في تحالف متنام، يضم السعوديين، والإماراتيين، والمصريين، والأردنيين، والمغاربة، والبحرينيين، والإسرائيليين. لمواجهة الخطط الإيرانية في المنطقة.
بشأن هذا التحالف المزعوم، يُشير روس إلى أن القيادة المركزية الأمريكية توفر آلية لدعم احتياجات هذا التحالف الشرق أوسطي الأمنية. ومظلة، يمكنهم من خلالها دمج أنشطتهم الاستخبارية، ومكافحة الإرهاب، والإنذار المبكر، وأنشطة الدفاع السيبراني والصاروخي، والطائرات بدون طيار. مما يجعلها مجتمعة أكثر أمانًا مما ستكون عليه بمفردهم.
يقول: كلما شجعنا نوع التعاون الاقتصادي والتجارة الذي تنشئه إسرائيل والإمارات الآن. كلما كان أساس السلام الإقليمي أقوى، وكلما زاد تعزيزنا لتحالف قوي يدعم قواعد اللعبة التي نسعى إليها دوليًا.
ويضيف: هل هذا يعني أن علينا التخلي عن مخاوفنا بشأن حقوق الإنسان والابتعاد عن قيمنا؟ لا، ولكن هذا يعني أننا سنفعل ما فعلناه دائمًا: الموازنة بين أولوياتنا ومحاولة الموازنة بين القيم والمصالح. يجب أن نمنع قواعد بوتين. التي بموجبها تملي الدول الأقوى على جيرانها الأضعف -ويكون السكان المدنيون هدف الاختيار- من تحديد مستقبلنا الدولي الجماعي. نحن بحاجة إلى بناء تحالف عريض من الدول التي تشترك في هذا الهدف. وهو هدف يعكس قيمنا، وليس فقط مصالحنا.