على مدار سنوات ظل القطاع الخاص فى مصر يبرر عدم الدخول بقوة في النشاط الاقتصادي بمزاحمة الدولة في النشاط الاقتصادي. ما يضر بقواعد المنافسة قبل أن تفتح الدولة أمامه قطاعات كاملة معلنة تخارجها تماما.

وتعلن الحكومة خلال أيام عن “وثيقة ملكية الدولة”. التي تم الكشف عن بعض ملامحها خلال مؤتمر صحفي أمس الأول كان مخصصا لإعلان خطتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

وكان أبرز ملامحها جمع حصيلة تقدر بنحو 40 مليار دولار على مدار 4 سنوات من طرح حصص حكومية أمام القطاع الخاص. سواء المحلي أم الأجنبي.

وتعتزم الحكومة طرح حصص بشركات قائمة أو بصدد تأسيسها بنحو 10 مليارات دولار سنويًا لمدة أربعة أعوام. على أن تحدد القطاعات المقرر تسييل أصولها في الوثيقة المزمع إعلانها قبل نهاية مايو/أيار الحالي.

وفيما يتعلق بالعام الحالي حددت الحكومة أصولاً بـ9 مليارات دولار وبدأت بالفعل خطوات تنفيذ تسييلها. بجانب أصول بـ15 مليار دولار أخرى سيتم تسييلها.

ورغم عدم إعلان الوثيقة حتى الآن فالمجالات التي تتضمنها يمكن استشفافها من التصريحات الحكومية على مدار الأسابيع الأخيرة. وتتضمن مشروعات: الطاقة الجديدة والمتجددة والنقل والمواني والأصول العقارية ومشروعات تحلية المياه وقطاعات الاتصالات والتعليم والبنوك.

طرح موانٍ وفنادق بالبورصة و10 شركات حكومية

 

شركة صافي
شركة صافي

تتضمن الخطة الحكومية دمج أكبر 7 موانٍ تحت مظلة شركة واحدة. وأيضا دمج 7 فنادق تحت مظلة شركة. على أن يتم طرح الشركتين “الأم” في البورصة لتعزيز الشراكة الشعبية. وفي التوقيت ذاته سيتم طرح 10 شركات حكومية قائمة ومعها شركتان للقوات المسلحة يتوقع أن تكونا “صافي” للمياه المعبأة و”الوطنية للبترول”. كما تتضمن الخطة أيضًا مشروعات النقل “المونوريل” بدمجها في شركة واحدة وطرحها أمام مستثمري القطاع الخاص.

بحسب وزارة التخطيط فإن وثيقة ملكية الدولة ستكون بإشارات واضحة وألوان محددة للقطاعات. فاللون الأحمر يمثل قطاعات متروكة للقطاع الخاص بالكامل. والأصفر يعني شراكة بين الدولة والقطاع الخاص وفقاً لمبدأ الحياد التنافسي كونها قضية كانت مقلقة للقطاع الخاص.

أما الشريحة الثالثة -التي غالبا ستكون باللون الأخضر- فتتعلق بالقطاعات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر وستظل فيها الدولة. وهو أمر موجود في كل دول العالم حتى الأنظمة الليبرالية. حيث تخصص بعض القطاعات الحيوية والاستراتيجية وتعمل بها بشكل كامل لأنها تخص حياة المواطنين مباشرة -بحسب “التخطيط”.

وتخطط الدولة لرفع إسهام القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات من 30% مقابل 70% للدولة حاليا. إلى 65% مقابل 35% للدولة خلال السنوات الثلاث القادمة. ويشدد مجلس الوزراء على أن القطاعات التي ستتخارج منها الدولة جاءت بعد مراجعة التجارب الدولية المختلفة خلال إعدادها الوثيقة.

فتح المجال أمام القطاع الخاص لا يعني انسحاب الدولة

اجتماع الحكومة
اجتماع الحكومة

مشاركات الحكومات في النشاط الاقتصادي تختلف وفقا لرؤيتها التنموية. فمعظم الحكومات الغربية تميل للعب دور تنظيمي أكثر بوضع العلاقات بين الفاعلين الاقتصاديين للصالح العام. وضبط اختلالات القوة الفاعلة بالسوق عبر تفعيل قوانين منع الاحتكار وقواعد ضبط نشاط البنوك وحماية المستهلك والسلامة الصحية والأمن الصناعي وضمان حقوق للعمال.

لكن ذلك لا يمنع وجود حكومي في قطاعات قلما يتجه إليها الاستثمار الخاص لضعف عائدها على المدى المباشر. كالبنية الأساسية والاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب المهني والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي. وهي قضايا لها بعد تنموي من ناحية لأنها تزيد قدرة الاقتصاد على المنافسة والنمو. وترفع مستويات المعيشة. ولها بعد اجتماعي كذلك لأنها تمس القدرات الإنتاجية للمواطنين. وترتب لهم حقوقا اقتصادية واجتماعية كمواطنين وليسوا كأطراف في العملية الإنتاجية.

في 2018 كانت الحكومة قد أعلنت عن برنامج تعرض خلاله حصص أقلية في 23 شركة مملوكة لها. لجمع ما يصل إلى 80 مليار جنيه حينها. لكن البرنامج تأجل أكثر من مرة بسبب ضعف الأسواق حينها أو وجود عقبات قانونية أو تطورات على المشهدين الاقتصادي المحلي والدولي تحول دون تنفيذه قبل أن تغير وجهتها من بيع حصص أقلية إلى التخارج التام من بعض القطاعات.

لاقى الإعلان عن وثيقة ملكية الدولة ترحيبًا من المستثمرين. إذ يتماشى مع ما طالب به بعضهم مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي دعا قبل شهور باكتفاء الدولة بدور تنظيمي دون مزاحمة القطاع الخاص. بينما لخص فرج عامر -صاحب منشأة للصناعات الغذائية- الوثيقة كلها في سبع كلمات: “تحديد دور القطاع الخاص في التنمية والاستثمار”.

الدولة تتخارج من العقارات والاتصالات وتتركها للقطاع الخاص

الخبيرة الاقتصادية حنان موريس ترى أن الأمر ليس “خصخصة”. ولكن تنويع لدور الدولة بترك مجالات كاملة للقطاع الخاص تتولى الدولة فيها الدور التنظيمي لحماية المستهلكين والمناقشة. ودور ملكية مشتركة يكون فيها الدولة والقطاع الخاص شركاء معا. والدور الثالث هو الملكية الكاملة للدولة في قطاعات استراتيجية.

وأضافت أن الدولة رأت بعض القطاعات مثل الاتصالات والعقارات ستكون بإدارة أفضل من قبل القطاع الخاص. ولذلك ستترك له المجال لكن لا يعني ذلك أنه حال عدم قيامه بالدور المنوط به أنها لن تتدخل. إذ يمكنها حينها أن تعود لممارسة أداورها وتأسيس شركات منافسة. فالأمر تجربة تطبيقية لسياسات يتم تنفيذها في الخارج وتنقل لتطبق على الاقتصاد المصري.

اقتصاد الدولة وقطاع الاتصالات
اقتصاد الدولة وقطاع الاتصالات

وأكدت أن فكرة طرح الشركات في البورصة دارجة منذ 4 سنوات وتم تأجيلها أكثر من مرة. وذلك بسبب مشكلات عالمية كان أبرزها جائحة كورونا. لكن الدولة رأت أن الفترة الأخيرة شهدت إقبالا من المستثمرين على شركات ناجحة محليا. فقررت تفعيل الطروحات خاصة في ظل احتياجها لموارد في ظل الأزمة الأوكرانية التي وصفها رئيس الوزراء بأنها “الأسوأ في تاريخ العالم”.

تضيف “موريس” أن الشركات المطروحة بالبورصة ستكون حصص أقلية وليس أغلبية. وستظل الدولة هي المالكة ولها حق الإدارة مع الحفاظ على حقوق العاملين. ما يجعلها مختلفة تماما عن تجربة خصخصة التسعينيات. وتلك الطروحات تنعش الاقتصاد وتعزز الشفافية وفي الوقت ذاته تزيح أمورا تكبل الاقتصاد من الانطلاق.

وشددت وزرارة التخطيط أكثر من مرة على أن صندوق مصر السيادي لا يسعى على الإطلاق لخصخصة شركات قطاع الأعمال. بل يهدف إلى العمل مع الكيانات الحكومية المختلفة لتعظيم العائد من أصول هذه الكيانات وتطويرها. وذلك عن طريق تكوين شراكات مع القطاع الخاص لتحقيق نمو حقيقي بجميع القطاعات بمصر على غرار الصناديق السيادية عالميا.

مفاوضات صندوق النقد مرتبطة بدور القطاع الخاص

صندوق النقد
صندوق النقد

للدكتورة سلوى العنتري -الخبيرة الاقتصادية- رأي مغاير. إذ ترى أن الوثيقة جادة لسببين أولهما حديث القطاع الخاص المستمر عن عدم وجود رؤية للاستثمار. أو بمعنى آخر المجالات التي تتدخل فيها الدولة باستثماراتها.

وتضيف أن القطاع الخاص كان يتهم تلك الاستثمارات بأنها “تضر بالمنافسة” بزعم أنها “لا تدفع ضرائب أو جمارك أو طاقة”. رغم أنها في الوقت ذاته أنقذت الدولة في وقت الأزمات وعوضت غياب القطاع العام الذي فقد غالبية قوته في موجات خصخصة التسعينيات.

وتابعت أن البعد الثاني للوثيقة ارتبط بمفاوضات صندوق النقد الدولي الذي أبدى في أول تقرير مراجعة له ملاحظات حول تدخل ملكية الدولة. علاوة على دخول مصر مرحلة الإصلاح الهيكلي التي تتضمن فتح المجالات الواسعة أمام القطاع الخاص.

وتقول “العنتري” إن إزالة القيود أمام القطاع الخاص مطلوبة لتفعيل دوره بتحسين مناخ الاستثمار والقضاء على البيروقراطية وتدمير العقبات التي تقف أمام المشروعات الصغيرة. لكن ذلك لا يعني أن تتخلى الدولة عن ملكية القطاع العام خاصة في القطاعات الاستراتيجية.

وضربت مثالا بما حدث في وقت كورونا حينما رفضت المستشفيات الخاصة المملوكة لأجانب فتح أبوابها ورفعت الإقامة في عرفة العناية إلى مبالغ فلكية. مشددة على أن فتح المجال أمام القطاع الخاص لا يعني أن تعود الدولة للخصخصة مجددا وأن تتخلى عن قطاعات كاملة للقطاع الخاص.