قدم مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) 15 توصية لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي في مصر، التي تسببت في توسيع دائرة سجناء الرأي على مدار السنوات الأخيرة، بالشكل الذي تحول معه الإجراء الاستثنائي إلى عقوبة، نتيجة التوسع في استخدام جهات التحقيق كافة الصلاحيات التي منحتها إياها النصوص القانونية من أجل تقييد حرية المقبوض عليهم بمسوغ قانوني.
التوصيات التي طرحها “دام” في ورقة موقف بعنوان”15 توصية تمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة” تضمنت وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006. وكذلك اقتصار حق استخدام الحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة على درجة معينة من أعضائها. وأيضًا إلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي.
كما رأت الورقة، التي أعدها المحامي الحقوقي شريف هلالي، ضرورة إعادة النظر في المنظومة القانونية بشكل عام. خاصة في نصوص المواد العقابية ذات العلاقة بممارسة حرية الرأي والتعبير بشكل عام. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص.
ضرورة الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق
توصي الورقة كذلك بالفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق اللتين تتمتع بهما النيابة العامة بأعمال نظام قاضي التحقيق بشكل دائم. فضلاً عن معالجة القصور في قانون الإجراءات الجنائية وتحديثه. بالإضافة إلى إيجاد طرق عقابية لبعض الجرائم المالية غير الحبس. ما يخفف الحمل عن السجون وإعادة ترتيب الأوضاع داخلها.
ورقة “دام” اقترحت تكوين لجنة قضائية تقوم بإصدار قرارات الإفراج تباعًا وعلى دفعات بما يتناسب، وتصنيف المحبوسين احتياطيًا على أن تشمل من هم على خلفيات سياسية وجنائية، وهو ما يحل جزءًا كبيرًا من أزمة تكدس السجون.
ومن بين التوصيات التي خرجت بها الورقة البحثة وقف ظاهرة التضارب بين قرارات القضاء في شأن الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى. وهو ما يستلزم أن تفسر المحكمة الدستورية العليا التضارب الظاهري بين المادة 380، والمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية. وقد وضعت حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطي. حيث يتبنى عدد من المحاكم المادة 380 في إعطائهم الحق في الحبس الاحتياطي دون الالتزام بحد أقصى.
كما أوصت باحترام حقوق المحبوسين احتياطيًا الواردة في الدستور المصري وقانون السجون ولائحته التنفيذية. وإعمال وتطبيق بدائل الحبس الاحتياطي التي نص عليها قانون الإجراءات الجنائية مثل عدم مبارحة المسكن أو الذهاب لأقسام الشرطة. وحظر ارتياد أماكن معينة.
ضرورة تعديل المادة 134
وقال هلالي إن الورقة خلصت إلى ضرورة تعديل المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه “لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطي إلا في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تقل عن سنة” م134/1 من قانون الإجراءات الجنائية، بأنه لا يجوز صدور الأمر بالحبس الالحتياطي إلا في الجرائم التي يصل الحد الأقص للعقوبة فيها إلى ثلاث سنوات على الأقل على غرار التشريع الفرنسي وتشريعات أخرى.
كما دعا “دام” إلى الإفراج عن المحبوسين احتياطيًا من المرضى بأمراض مزمنة وكبار السن. وكذلك تطبيق القانون فيما يتعلق بإلإفراج الشرطي والإفراج الصحي.
يتزامن موعد إصدار الورقة مع حراك كبير في ملف المحبوسين احتياطيًا. وهو ما يتجلى في كم الإفراجات التي حدثت في الأسابيع الماضية. سواء في نطاق دوائر النشطاء المعروفين والصحفيين أو في نطاق المغمورين، ما يعطي مؤشرًا بانفراجة كبيرة في هذا الملف.
كما أطلق المركز نفسه حملة حقوقية لحث السلطات على إخلاء سبيل معتقلي الرأي، انطلاقًا من المادة 65 من الدستور المصري. وتنص على أن حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
الورقة بشكل عام تتناول موضوع الحبس الاحتياطي في القانون المصري، وكيفية تطبيقه من النيابة العامة والقضاء المصري، والظواهر الجديدة التي باتت تتناول تطبيق هذا الإجراء، وأصبحت تتعارض مع الفلسفة الحاكمة له.
تفند الورقة آليات تطبيق الحبس الاحتياطي وخروجه عن مضمون وفلسفة هذا الإجراء، بحيث يتم تطبيقه بشكل مطول بالمخالفة للقانون، كما يرافق هذا الإجراء فكرة إعادة اتهام المحبوسين احتياطيًا بعد انتهاء مدد حبسهم الاحتياطي في قضايا أخرى، وبنفس الاتهامات تقريبًا، رغم أنهم كانوا مودعين في السجون في ذات التاريخ الذي وجهت إليهم الاتهامات الجديدة، وهو ما يعتبر نوعًا من الاحتجاز التعسفي.
كيف تطورت مدد الحبس الاحتياطي؟
خضعت المادة 143 من قانون الاجراءات الجنائية للعديد من التعيلات، فحدد المشرع لأول مرة منذُ نشأة القانون عام 1950 مدد الحبس الاحتياطي بحيث لا تجاوز ستة أشهر في مواد الجنح والجنايات قبل الإحالة إلى المحكمة المختصة.
لكن في 2006 توسع المُشرع في مدد الحبس الاحتياطي خلال كافة مراحل الدعوى الجنائية. بحيث لا تجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد أو الإعدام.
أما في عام 2007، قام المُشرع بمنح محكمة النقض صلاحية تجديد حبس المتهم دون التقيد بأي من المدد المنصوص عليها إذا كان الحكم الصادر من محكمة الجنايات هو الإعدام. وهو ما يعني أن المتهم يظل قيد الحبس الاحتياطي إلى ما لا نهاية.
أدى هذا الوضع إلى الإسراف في ﺍﻟﺤﺒس ﺍﻻﺤﺘﻴﺎطي ﺩﻭﻥ مبرر لذلك. بينما ﺍﺸﺘﺭطت بعض ﺍﻟﺘﺸﺭيعات ﺍﻷﺠﻨﺒﻴﺔ ﻟﺠﻭﺍﺯ ﺍﻟﺤﺒﺱ ﺍﻻﺤﺘﻴﺎطي ﺃﻥ تكون ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ بشأنها ﺍﻟﺤﺒﺱ معاقبا ﻋﻠﻴﻬﺎ بمدد أكبر من ﺫﻟﻙ. على سبيل المثال التشريع ﺍﻟﻔرنسي لا يجيز ﺍﻟﺤﺒﺱ ﺍﻻﺤﺘﻴﺎﻁﻰ ﺇﻻ في ﺍﻟﺠﺭﺍئم ﺍﻟتي يصل ﺍﻟﺤﺩ ﺍﻷﻗﺼﻰ للعقوبة ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ثلاث سنوات ﻋﻠﻰ الأقل، في حين أن القانون الكويتي على سبيل المثال يشير إلى مدد أقل بكثير لا تتجاوز ستة شهور في الجنايات، وثلاثة أشهر في الجنح.
اقرأ أيضا:
الحبس الاحتياطي.. ثقب مصر الأسود
هل ينجح “السوار الإلكتروني” في إنهاء دائرة الحبس الاحتياطي؟
تضارب تطبيق القضاة للحبس الاحتياطي
يلفت هلالي إلى أن الورقة تسلط الضوء على حالة تضارب المحاكم في تطبيق نصوص بعض مواد قانون الإجراءات القانونية. إذ يتذرع بعض قضاة محكمة الجنايات بنص المادة “380” من قانون الإجراءات الجنائية التي تقرر أن “لمحكمة الجنايات في جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره، ولها أن تأمر بحبسه احتياطيًا، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيًا” متغافلين عن حكم الفقرة الرابعة من المادة 143 في القانون نفسه التي وضعت حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطي.
ومن القواعد المستقر عليها قانونيًا أن اللاحق ينسخ السابق. بما يعني أن الفقرة الرابعة من المادة 143 الصادرة عام 2006 نسخت المادة 380 الصادرة عام 1930، أي قيدتها من حيث المدة، فأصبحت سلطة قاضي الجنايات حبس المتهم احتياطيًا كيفما شاء. كما تقرر المادة 380 في حدود المدد التي قررتها المادة 143، أي ثمانية عشر شهرًا في الجنايات بشكل عام. وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن أو المؤبد.
واللافت أن العديد من دوائر الجنايات الأخرى والتي تختص بنظر أو تجديد حبس متهمين في قضايا جنائية ذات بعد سياسي، تلتفت عن نص المادة 143 وتأمر بحبس المتهمين أكثر من المدة المقررة قانونًا.
استئناف أوامر الحبس الاحتياطي
تلفت الورقة إلى أزمة أخرى متعلقة بتحقيق ضمانة سلامة ممارسة الحبس الاحتياطي، وتحديدا في الجزئية الخاصة بالتعديلات التي والتي أعطت الحق للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيًا أو بمد هذا الحبس بعد أن كان مقتصرًا قبل التعديل على أن يكون الاستئناف للنيابة العامة وحدها، وفقا للمادة 164.
وتسجل عدة تقارير الحقوقية أنه يتم إهدار تلك الضمانة من قبل النيابات المختلفة، فتارة تقوم بعضها بما فيها نيابة أمن الدولة بتمكين المحبوسين احتياطيًا من استئناف أوامر الحبس الصادرة قبلهم وتارة أخرى تقوم بإيقاف الاستئنافات دون سند قانوني بحجة “التعذرات الأمنية” فقد يستمر إيقاف تمكين المحبوسين احتياطيًا من استئناف أمر الحبس شهور.
تمييز داخل السجون
وفي منطقة أخرى، لا يحصل المحبوسون احتياطيا على حقوقهم كاملة داخل السجون بسبب حرية التعبير، خاصة فيما يتعلق بالحق في التريض، أو مدة الزيارة المنصوص عليها في اللائحة، أو إدخال الكتب والمجلات إلى المحبوس احتياطيًا بالمخالفة لقانون للائحة التنفيذية لقانون السجون.
وسبق أن أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالبت فيها المؤسسة بشكل عاجل بوقف تنفيذ قرار مصلحة السجون بالامتناع عن دخول الدوريات العلمية المتعلقة بمهمنة المبرجم والمدون علاء عبدالفتاح.
وأشارت الدعوى إلى عدد من الدوريات الهامة، التي يحتاجها عبد الفتاح على سبيل المثال، وتأثير دخول المجلات والدوريات العلمية على تطوره ومستقبله المهني، إذ يصعب عليه أن يواكب التطورات المتعلقة بمجال التكنولوجيا، في ظل حرمانه من القراءة والإطلاع.
بدائل الحبس الاحتياطي
ورغم أن المشرع أتاح بدائل ﻟﻠﺤﺒس ﺍﻻﺤﺘﻴﺎطي ﻴﻤﻜﻥ ﻟﻠﻤﺤﻘﻕ ﺃﻥ ﻴﻘﺭﺭﻫﺎ ﺒﺩﻻً ﻤﻥ ﺇﺼﺩﺍﺭﻩ ﺃﻤﺭًﺍ ﺒﺤﺒﺱ ﺍﻟﻤﺘﻬﻡ ﺍﺤﺘﻴﺎﻁﻴًﺎ، وفقا ﺍﻟﺘﻌﺩﻴل ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ بالقانون ﺭﻗﻡ 145 ﻟﺴﻨﺔ 2006، إلا أن ورقة “دام” ترى أنه كثيرا ما لا يتم اللجوء لتطبيق هذه المادة كبديل للحبس الاحتياطي، بل كمكمل لها، حيث إن المتهم يتعرض للحبس الاحتياطي لفترات طويلة، بعدها يتم اللجوء إلى هذه البدائل إلى ما لا نهاية، وهذا ما يؤثر على استكمال المتهم لحياته الخاصة وقيامه بعمله.
ونصت ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ 201 ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ يجوز للسلطة المختصة ﺒﺎﻟﺤﺒس ﺍﻻﺤﺘﻴﺎﻁﻰ ﺃﻥ ﺘﺼﺩﺭ ﺒﺩﻻً ﻤﻨﻪ ﺃﻤﺭًﺍ ﺒﺄﺤﺩ ﺍﻟﺘﺩﺍﺒﻴﺭ ﺍﻵﺘﻴﺔ:
١- ﺇﻟﺯﺍﻡ ﺍﻟﻤﺘﻬﻡ ﺒﻌﺩﻡ مبارحة مسكنه أو موطنه.
٢- ﺇﻟﺯﺍﻡ ﺍﻟﻤﺘﻬﻡ ﺒﺄﻥ يقدم نفسه ﻟﻤﻘﺭ ﺍﻟﺸﺭﻁﺔ ﻓﻰ ﺃﻭﻗﺎﺕ محددة.
٣- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.
فإذا خالف المتهم الالتزامات التي يفرضها التدبير جاز حبسه احتياطيًا، ويسري في شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطي.
واتبعت جهات التحقيق الحلول البديلة في أكثر من حالة خلال الفترة الأخيرة، أبرزهم الأكاديمي حازم حسني، الذي ظل رهن الحبس الاحتياطى على ذمة تحقيقات القضية 488، حتى أصدرت غرفة المشورة بمحكمة جنايات جنوب القاهرة قرارها فى 31 أكتوبر 2020 باستبدال حبسه الاحتياطى بتدابير احترازية بعدم مبارحة مسكنه.
للاطلاع على الورقة البحثية الأخيرة لمركز دام..
اقرأ أيضًا:
7 توصيات لإجراء “التقاضي عن بعد” دون الإخلال بحقوق الإنسان.. ورقة جديدة لـ”دفاع” و”دام”
الخروج من النفق المظلم.. “دام” يقدم 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني