يمثل الاتفاق الروسي- الأوكراني، بشأن استئناف تصدير الحبوب من بعض المواني الأوكرانية. حالة اختبار حاسمة، لصفقة دبلوماسية نادرة، للتخفيف من أزمة الغذاء العالمية، التي تسببت فيها الحرب بين روسيا والجمهورية السوفيتية السابقة. في الوقت الذي أبدى فيه مارتن جريفيث، منسق الأمم المتحدة للمساعدات، مخاوفه من أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”.
تزود أوكرانيا السوق العالمي بأكثر من 40% من احتياجات زيت عباد الشمس. وما يقرب من 20% من صادرات الذرة العالمية، و10% من إمدادات تصدير القمح العالمية. وقد حوصر الكثير منها في صوامع البلاد بسبب الحصار الروسي. لهذا، يرى جريفيث أنه يتعين على الأمم المتحدة المساعدة في إيجاد إحداثيات دقيقة لممر آمن خارج الساحل الأوكراني الذي مزقته الحرب.
وبينما تواجه روسيا موجات من العقوبات الدولية القاسية، وتكافح من أجل تأمين مشترين لصادراتها الرئيسية من الأسمدة. يزيد الضغط على سوق الغذاء العالمي. حيث يقدر برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، أن أزمة الغذاء العالمية التي أججها الغزو الروسي “ستدفع حوالي 47 مليون شخص في جميع أنحاء العالم إلى “الجوع الحاد” إذا استمرت بلا هوادة”.
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، متحدثًا لوسائل الإعلام، إنه تحدث عبر الهاتف مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وحثه على الوفاء بالتزامات الاتفاق بشأن شحنات الحبوب. ذكر بلينكن: “العالم بأسره يتطلع إلى إنهاء الحصار الذي تفرضه روسيا على ميناء أوديسا. والذي حرم الكثير من الناس من الحصول على الطعام الذي يحتاجونه ويعتمدون عليه”.
اقرأ أيضا: مصائب أوكرانيا عند تل أبيب فوائد.. ارتفاع الطلب العالمي على التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية
استقرار الغذاء العالمي
صباح اليوم الاثنين، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو جوتيريش “بحرارة” بمغادرة أول سفينة تحمل شحنة من الحبوب الأوكرانية. وأشار بيان صادر عن المنظمة الأممية إلى أنّ الأمين العام “يأمل في أن تكون هذه الأولى من بين العديد من السفن التجارية بموجب الاتفاقية الموقّعة. وأن تحقق الاستقرار والمساعدة الضروريين للأمن الغذائي العالمي، خصوصاً في ظلّ الظروف الإنسانية الهشة جداً”.
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية الأوكراني ديميتري كوليبا، أن استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية، للمرة الأولى. منذ الغزو الروسي في فبراير/ شباط الماضي، يشكّل “انفراجاً للعالم”.
وكتب الوزير الأوكراني في تغريدة، على موقع Twitter: “إنه يوم انفراج بالنسبة للعالم. وخصوصاً بالنسبة لأصدقائنا في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. بينما تغادر الحبوب الأكرانية الأولى أوديسا بعد أشهر من الحصار الروسي. لطالما كانت أوكرانيا شريكاً يمكن الاعتماد عليه، وستبقى كذلك إذا احترمت روسيا التزاماتها في الاتفاق.
وأشار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، اليوم، في مقابلة مع وكالة أنباء الأناضول. إلى إن السفينة رازوني، التي ترفع علم سيراليون غادرت ميناء أوديسا الأوكراني. ومحملة بالذرة في طريقها إلى لبنان -بموجب اتفاق الممر الآمن- وسترسو قبالة ساحل إسطنبول نحو الساعة 12:00 بتوقيت جرينتش غداً الثلاثاء، للخضوع لتفتيش مشترك.
وفي إطار الاتفاق، تم إنشاء مركز تنسيق مشترك في إسطنبول بوجود أفراد من الأمم المتحدة وروسيا وأوكرانيا وتركيا.
وقال مسئولون بالرئاسة الأوكرانية إن هناك 17 سفينة رست في مواني أوكرانيا المطلة على البحر الأسود. وعلى متنها ما يقرب من 600 ألف طن من البضائع. وأضافوا أن من بينها 16 سفينة تحمل حبوباً أوكرانية، بحمولة إجمالية تبلغ نحو 580 ألف طن.
صفقة هشة
تمثل صفقة شحنات الحبوب الهشة، التي اتفقت عليها روسيا وأوكرانيا في محادثات بوساطة الأمم المتحدة وتركيا. أول اختراق دبلوماسي في الحرب المستمرة منذ خمسة شهور. وهي توفر بصيص أمل للمسئولين الإنسانيين الذين يسعون جاهدين للتصدي لأزمة الغذاء العالمية.
يتوقع تقرير نشرته Foreign Policy. أعده روبي جرامر، مراسل الشؤون الدبلوماسية والأمن القومي، والمحررة كريستينا لو. أنه إذا نجحت الاتفاقية، فمن المتوقع أيضًا أن تخفف الضغط على المزارعين الأوكرانيين. الذين كان العديد منهم يتلقون أسعارًا منخفضة بشكل غير عادي لمحاصيلهم، وكانوا على وشك الإفلاس، وفقًا لتقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI).
ونقل التقرير عن جوزيف جلوبر، وهو زميل في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وكبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأمريكية. قوله: “كانت هذه إحدى المشكلات الكبيرة منذ بداية الحرب. أي نوع من التحرك لإعادة فتح هذه المواني سيكون نعمة للعالم.”
بدأت أول سفينة شحن – وهي Polarnet المسجلة في تركيا، والتي رست في ميناء تشورنومورسك الأوكراني. تنتظر لمعرفة ما إذا كان لديها ممر آمن خارج الميناء وعبر البحر الأسود. إذا نجحت، فإن 17 سفينة أخرى تحمل حوالي 660 ألف طن من البضائع يمكن أن تتبعها بعد فترة وجيزة.
يشير التقرير إلى أن “إخراج سفينة من الميناء أسهل قولًا من فعل هذا”. حيث يتعين على أي سفينة أن تمر عبر شبكة ملغومة شديدة التسليح على ساحل البحر الأسود في أوكرانيا”. بينما تحتاج شركات الشحن التجارية وشركات التأمين إلى ممر آمن ومضمون، حتى يصبح طريق الشحن قابلاً للتطبيق.
ونقل التقرير عن مسئولين بحريين دوليين قولهم إن إزالة الألغام بالكامل من حول الموانئ الأوكرانية قد تستغرق ما يصل إلى أربعة أشهر. وهذا ممكن فقط إذا لم يكن هناك قتال أو قصف بالقرب من المواني نفسها. والتي يمكن أن تعطل عمليات إزالة الألغام.
قال جلوبر: لا يزال هناك عدم يقين لا يصدق. أنت في وسط حرب. السؤال الحقيقي بالنسبة لي، هو ما إذا كانت شركات الشحن ستشعر بالراحة في الانتقال إلى هناك أم لا.
اقرأ أيضا: أزمة القمح في أفريقيا.. حرب مصالح جديدة بين روسيا وأوروبا
هل تفي روسيا بوعودها؟
ناقش التقرير مسألة ما إذا كانت روسيا ستفي بوعدها، وستمتنع عن استهداف سفن الشحن التجارية. أو تقوم بتصعيد الضربات على مدن المواني الأوكرانية. سبق واتهمت كييف موسكو بتسهيل شحن الشعير الأوكراني المسروق إلى حليفتها في الشرق الأوسط سوريا. على متن سفينة شحن سورية تخضع لعقوبات أمريكية.
يقول التقرير: بعد يوم من توقيع روسيا وأوكرانيا على الاتفاق، شنت القوات الروسية غارة على مدينة أوديسا الساحلية الأوكرانية. يعتقد المسئولون الغربيون أيضًا أن الهدف الرئيسي التالي لروسيا في الحرب سيكون محاولة الاستيلاء على أوديسا في أقرب وقت ممكن. في وقت مبكر من العام المقبل.
ويلفت أوزجور أونلوهيسارجيكلي، مدير مكتب مؤسسة مارشال الألمانية للأبحاث في أنقرة. إلى أنه “لا يوجد شيء يحمي السفن التجارية، باستثناء النوايا الحسنة التي نتوقعها من روسيا. والتي لا يمكن الاعتماد عليها دائمًا. كما أن الأجزاء المتعلقة بإنشاء ممر خالٍ من الألغام غامض للغاية في الاتفاقية “.
مع ذلك، لا يزال مسئولو وخبراء الأمم المتحدة -الذين يتابعون الصفقة- يأملون في أنه إذا سار كل شيء كما هو مخطط له. فإنه يمكن أن يساعد ذلك في تخفيف الضغوط في السوق المتوترة بالفعل بسبب جائحة COVID-19.
يقول أونلوهيسارجيكلي: إنها اتفاقية في أضيق الحدود، لكنها -على الأرجح- قابلة للتطبيق إلى حد كبير. لأن لا أحد من الأطراف لديه مصلحة في انهيار هذا الترتيب. تحصل أوكرانيا على شرايين الحياة الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها من صفقات التصدير. وتخلي مستودعاتها من أجل الحصاد القادم.
وأضاف: في الوقت نفسه، يمكن لروسيا استخدام الصفقة لدرء الانتقادات المتزايدة بأنها مسئولة بشكل مباشر عن أزمة الغذاء العالمية. لا سيما من الدول النامية، التي تحاول كسب تأييدها لدرء الجهود الغربية لعزل موسكو على المسرح الدولي.
هل تستمر الصفقة؟
أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، في بيان، على أهمية استمرار الاتفاقية بين روسيا وأوكرانيا. قال: “لا مجال للشك في أن هذه اتفاقية للعالم. ستساعد على استقرار أسعار المواد الغذائية العالمية. والتي كانت بالفعل عند مستويات قياسية حتى قبل الحرب. وتمثل كابوسا حقيقيا للبلدان النامية.”
أيضا، يجد كبار مسئولي الأمم المتحدة أن لديهم خيارات أخرى قليلة -على الأقل على المدى القصير- غير الاعتماد على صفقة الحبوب. واجهت البلدان الأفريقية ارتفاعًا مؤلمًا بنسبة 45% في أسعار القمح بعد غزو روسيا لأوكرانيا، وفقًا لبنك التنمية الأفريقي.
وفي مصر والسودان -اللتين تعتمدان بشكل كبير على واردات الحبوب- أدى ارتفاع أسعار الغذاء إلى موجات جديدة من انعدام الأمن الغذائي. كما تستورد اليمن، التي مزقتها الصراعات، أكثر من 40% من قمحها من أوكرانيا. وكانت تصارع بالفعل مجاعة تلوح في الأفق، حتى قبل اندلاع الحرب في أوروبا الشرقية.
لذلك، كانت أخبار الصفقة وحدها كافية لتهدئة بعض الاضطرابات في أسواق السلع، حتى قبل شحن أي حبوب من أوكرانيا. وفي أعقاب أنباء الصفقة، انخفضت أسعار القمح العالمية بنسبة 5%. ووصف مدير مكتب مؤسسة مارشال الألمانية للأبحاث في أنقرة ذلك بأنه “يوفر لنا على الأقل بعضًا من مساحة التنفس في الوقت الحالي”.
لكن السؤال الكبير الذي يلوح في الأفق هو ما إذا كانت صفقة الحبوب ستظل قائمة؟
تستمر الصفقة، إذا التزمت بها روسيا، لمدة 120 يومًا. ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكان الأمم المتحدة التفاوض على تمديدها. أو ما إذا كانت الحرب يمكن أن تتطور، وتتغير خطوط المعركة بطريقة تجعل صفقة حبوب جديدة غير مقبولة.