في سعيها لتعظيم نفوذها وتعزيز الوجود في أرجاء القارة الأفريقية، في مواجهة محاولات الغرب لاستعادة نفوذه المفقود. وكلاهما يحاول الدخول عبر نافذة الشراكة. استغلت الصين المناطق الاقتصادية الخاصة، والتي تُعّد الأداة المفضلة للبلدان الأفريقية التي تتطلع إلى جذب رؤوس الأموال المتنقلة وزيادة اندماجها في الأسواق العالمية.

من بين العديد من المبادرات المخطط لها أو الجاري تنفيذها في القارة، هناك سلسلة من مناطق التعاون الاقتصادي في ست دول أفريقية. تم إنشاؤها جميعها بدعم مالي وتقني من الصين. حيث يجادل صانعو السياسة الصينيون بأن التعاون الإقليمي لديه القدرة على تعزيز التصنيع والتنمية في الاقتصادات المضيفة. من خلال السماح للشركات المحلية بالاقتران استراتيجيًا مع شبكات الإنتاج التي تقودها الصين في الصناعات المماثلة.

الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصيني شي جي بينج

تعد المناطق الاقتصادية إحدى الأدوات الأساسية التي ساعدت في دفع خلق فرص العمل والنمو في الصين بعد الإصلاح. بدأت في أواخر السبعينيات، عندما بدأ صانعو السياسة الصينيون في قيادة البلاد بعيدًا عن الاقتصاد المخطط، وفتحها أمام التجارة والاستثمار الخارجيين. من خلال تسهيل نقل موارد التنمية والاستثمارات الإنتاجية إلى المناطق ذات الموقع الاستراتيجي داخل الصين.

ويرى دعاة التعاون الصيني- الأفريقي أن هذه المناطق الخارجية -بقيادة الشركات الصينية- توفر للدول المضيفة الفرصة لتكرار تجربة التنمية الصينية. كما يمكن أن يساعد نقل الشركات الصينية في هذه المناطق على بناء الصناعات في نفس سلاسل القيمة. وتعزيز الاقتصادات المحلية، وتهيئة الظروف للتصنيع الأولي.

اقرأ أيضا: دور الاقتصاد والتجارة في نشوب الحروب ومنعها.. نموذج الصين وروسيا

في دراسة أعدتها صفاء جودة، وهي طالبة دكتوراه في قسم دراسات التنمية بجامعة لندن. أشارت إلى أنه من المفترض أن تشجع المناطق الاقتصادية -كمنصات لبدء العلاقات الإقليمية عبر الحدود- تطوير الروابط بين الشركات، وتسهيل انتشار النشاط الاقتصادي. وبالتالي، تحسين مستويات المعيشة في المناطق المضيفة.

ولفتت الدراسة المنشورة في مشروع الشرق الأوسط للبحوث والمعلومات/ Middle East Research and Information Project. والذي يقدم تغطية نقدية للشرق الأوسط منذ عام 1971. إلى توسيع هذه الرؤية في الخطط الناشئة للربط والتعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. حيث من المقرر أن تقوم العديد من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا بإنشاء مناطق تعاون صناعي إضافية.

برنامج المنطقة الاقتصادية الصينية

تم إطلاق برنامج المنطقة الاقتصادية الخارجية للصين في عام 2006 كجزء من حملتها “Going Global”. بناءً على 20 عامًا من المشاركة الدولية المتزايدة، هدفت هذه المبادرة إلى زيادة استثمارات التصنيع الصينية في الخارج، وإيجاد أسواق جديدة للسلع والخدمات الصينية.

خلال المنتدى الثالث حول التعاون الصيني- الأفريقي، أعلن أن الإطلاق التدريجي لبرنامج المنطقة العالمية بدأ بتطوير ست مناطق في أفريقيا، لتكون بمثابة حجر الزاوية. اثنان في نيجيريا، وواحدة في كل من مصر، زامبيا، موريشيوس، وإثيوبيا.

جاء إطلاق البرنامج في وقت بدأت فيه الصناعة الصينية في التحول نحو التصنيع المبتكر كثيف المعرفة. وانطلاقًا من استراتيجية الاستثمار المباشر في الخارج الموجهة فقط نحو استخراج الموارد الطبيعية، تبنى صناع السياسة الصينيون نهجًا جديدًا لنقل الصناعات التحويلية، لتعزيز إعادة الهيكلة المحلية، والوصول إلى أسواق إضافية في الخارج.

قدمت المناطق الخارجية وسيلة لتسهيل النقل الصناعي الصيني. مع إدخال التعاون الصناعي كعنصر جديد في علاقات الصين في إفريقيا وخارجها. حيث “يعكس المنطق الكامن وراء تخطيط وتصميم المناطق الاقتصادية أيضًا التحولات المفاهيمية والمادية في الاقتصاد العالمي المعاصر”.

تقول الدراسة: يتوافق النموذج المكاني الذي يقوم عليه نموذج المناطق الاقتصادية، مع الاتجاهات العالمية لاستخدام بيئات تجارية مفتوحة. لتسهيل تدفق السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود. يتناسب أسلوب تسليمها مع إجماع عالمي ناشئ، يركز على التعاون الدولي، لضمان توفير مرافق مخصصة للإنتاج، والتجارة عبر الحدود. والتي تمول -بشكل مشترك- فجوة البنية التحتية الموجودة في الاقتصاد العالمي”.

أيضا “يكشف تقييم السمات المشتركة للمناطق الاقتصادية في أفريقيا، أن نهج التنمية الذي تولده يتقارب مع ممارسات التنمية السائدة. التي تركز على تحرير القطاعات الرئيسية في الاقتصادات المضيفة، وعلى تكامل السوق العالمية والتجارة الحرة”. مشيرة إلى أن هذا النهج “يتناقض مع الحلول التي تركز على الدولة، والتي تميز مسار النمو الصيني”.

الوكالة الإقليمية

تلفت الدراسة إلى أن الدور المركزي للمقاطعات والمناطق الصينية هو المفتاح لفهم كيفية تخطيط الصين بالنسبة للمناطق الاقتصادية، ولتقييم النتائج المحتملة للبلدان المضيفة.

تقول: تبنى تخطيط المنطقة الاقتصادية الصينية نموذجًا فريدًا، تقوم فيه الحكومة بتفويض تطوير وتشغيل المبادرات الخارجية، إلى الشركات الصينية على مستوى البلديات أو المقاطعات. إن تفويض المسئولية إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية متجذر في أجندة التخطيط الصينية المحلية، التي تركز على التنمية الإقليمية، وتعكس اتجاهًا ناشئًا للتعاون الإقليمي بين الصين وشركائها في التنمية.

وأضافت: اعتمد بناء وتطوير كل منطقة من المناطق الاقتصادية الست على الأموال الأولية التي قدمتها شركة صينية مختلفة. هؤلاء المطورون هم إما شركات تابعة مباشرة للحكومات الصينية المحلية، أو شركات إقليمية كبيرة، سواء كانت مملوكة للدولة أو خاصة.

أيضا، تم توفير مصادر تمويل إضافية من قبل هيئات الحكومة الصينية لضمان التنفيذ الناجح للمناطق الاقتصادية. قدمت وزارة التجارة الصينية مساعدة نقدية لدعم تكاليف ما قبل البناء والتنفيذ. وقدمت البنوك الحكومية وصناديق رأس المال الاستثماري تمويلًا منخفض التكلفة ومشاركة في رأس المال.

ومع ذلك، منذ بدايتها، كان الهدف هو أن تعمل المناطق في نهاية المطاف بشكل مستقل عن دعم الحكومة المركزية. في أعقاب نظام مؤسسي محلي للمنطقة الاقتصادية الخاصة الصينية، حيث تأخذ الجهات الفاعلة الإقليمية غير الحكومية زمام المبادرة في توسيع استثمارات الأصول الثابتة لتسهيل النشاط الاقتصادي.

وفي الحالات التي يكون فيها المطور تابعًا لحكومة بلدية صينية، يكون الأخير هو المساهم الرئيسي في المنطقة. وهناك ترتيبات مختلفة لتسليم البنية التحتية بالشراكة مع الحكومات المحلية. ولكن، في معظم الحالات، يتحمل المطورون الصينيون الإقليميون مسئولية تسليم البنية التحتية في الموقع، وبسبب الإنفاق الثقيل، يمتلكون أغلبية الأسهم في المناطق الاقتصادية.

أمّا في الحالات التي يكون فيها مطور المنطقة مؤسسة خاصة. ستعمل الشركات الإقليمية المملوكة للدولة كشركاء تقنيين في المشروع، كطريقة للحفاظ على الروابط مع السلطات الإقليمية.

في الحالات التي يكون فيها المطور تابعًا لحكومة بلدية صينية يكون الأخير هو المساهم الرئيسي في المنطقة

 اقرأ أيضا: عقود وفاجنر واستثمار.. كيف تحاول ثلاث قوى عالمية السيطرة على أفريقيا؟

العولمة الصينية

أشارت الباحثة إلى أن آلية تمويل برنامج المنطقة الاقتصادية، ونموذج المشاركة، يتم دعمهما من خلال استراتيجية مصممة لتعميق التكامل الاقتصادي العالمي لمناطق الصين.

بمعنى آخر، تعيد الصين تعريف العولمة بخصائصها الخاصة. والتي يمكن فهمها بشكل أفضل من خلال فحص عمليات التنمية المحلية في الصين، وتنوع الجهات الفاعلة المشاركة في تنفيذها.

في أواخر السبعينيات، ظهرت استراتيجية العولمة القائمة على التكامل الإقليمي الدولي من سياق التخطيط الإقليمي المحلي وسياسات التنمية في الصين. خلال السنوات الأولى لإصلاحات السوق، وضعت الحكومة المركزية المناطق كمحركات لنمو الاقتصاد الوطني. تركزت التدخلات الإنمائية الإقليمية في المناطق الساحلية الشرقية خلال هذه المرحلة. ولكن فيما بعد، تم إطلاق استراتيجية أكثر شمولاً للتنمية الإقليمية المنسقة، لسد الفجوة بين المناطق الأكثر والأقل نمواً.

وفي مطلع القرن الحالي، بدأت البيانات الحكومية حول التنسيق الإقليمي والتنمية في التركيز على تطوير الروابط الإقليمية الدولية مع بقية آسيا وما وراءها، في مرحلة جديدة في تطور السياسة الإقليمية للصين. حيث يسمح التكامل الإقليمي الدولي للحكومات المحلية في البلاد بمتابعة مصالحها التجارية الخاصة. لكن ضمن استراتيجية وطنية أوسع، لإعادة التوازن إلى الاقتصاد الصيني عن طريق تصدير فائض رأس المال إلى الخارج.

والأهم من ذلك، أن الاستراتيجية التي تركز على تعزيز مجموعة متنوعة من المسارات، من شأنها أن تمكن المناطق الصينية من متابعة وتعظيم مزاياها التنافسية المحددة، والاستفادة من القطاعات المختلفة في الاقتصاد الصيني. وبالتالي، فإن الشركات الفائزة في عطاءات تطوير المناطق الاقتصادية ستقيم إمكانات السوق والقاعدة الصناعية المحلية والمزايا الجغرافية للبلدان المضيفة. حيث ستوجد مناطقها المقترحة، وتضمن أيضًا توافقها مع هيكل الإنتاج في منطقتها الأصلية وأولويات المستثمرين الصناعيين المحليين.

النموذج المصري من المستفيد؟

ضمن نماذج المناطق الاقتصادية التي تناولتها الدراسة، تعتبر منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بالسويس (SETC-Zone). والتي تأسست في عام 2008، وهي إحدى أبرز مجالات التعاون الصيني في المنطقة في الدول الأفريقية. ومثال مهم على تأثير المناطق الصناعية الصينية على مسارات التنمية في المواقع المضيفة.

ورغم أنها تشبه في نواح كثيرة نماذج المناطق التقليدية المدعومة من قبل المانحين الغربيين. فإن منطقة SETC تقدم حوافز مالية وتنظيمية للمستثمرين الصينيين لتحفيز إنتاجهم في الخارج. كما أنها “تعرض أيضًا ميزات فريدة، تلقي الضوء على نهج الصين الخاص في التنمية القائمة على المناطق الخارجية. وعلى رأسها الدور المركزي للحكومات الإقليمية الصينية في تطوير وتشغيل هذه المشاريع”.

ورغم ان منطقة SETC نجحت  في خلق بيئة تجارية مفتوحة في مصر لتشغيل الشركات الصينية. لكن “خارطة الطريق والأحكام التي تحكم عملياتها لا تستوعب أنواع السياسات الاستباقية المطلوبة لتطوير الروابط المحلية. وتعزيز القدرات وتوليد تنمية واسعة النطاق”. تقول الباحثة هذا وتضيف “بعد 15 عامًا من التشغيل، تشير الديناميكيات بين الشركات التي ظهرت، إلى أن نموذج منطقة SETC يحافظ على أنماط الإنتاج العالمية والسوق الحرة، بدلاً من تعزيز التنمية الصناعية المحلية.

وأضافت: “سمحت هذه الديناميكيات للشركات بالتوسع عالميًا بحثًا عن الأسواق والموارد. مع تقييد الاقتصادات المضيفة في موقع محدود في التقسيم الدولي للعمل”.

تقدم منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصينية في مصر منظورًا فريدًا حول نتائج التنمية لمبادرات المنطقة الصينية والآثار المترتبة على مبادرات التعاون الصناعي الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على نطاق أوسع. فمع مستوى كثافة رأس المال البالغ 700 دولار للمتر المربع، يُنظر إلى SETC على أنها قصة نجاح لبرنامج المنطقة الاقتصادية لأفريقيا.

المنطقة الاقتصادية الصينية بالسويس

اقرأ أيضا: بعد تمديد “مبادلة العملات” بين مصر والصين 3 أعوام.. من ربح أكثر؟

بيئة آمنة خارج الصين

من المنظور الصيني، كان إنشاء المنطقة يهدف إلى توفير بيئة آمنة وإدارة موحدة للشركات الصينية في الخارج. في مساحة مصممة حول احتياجاتهم. وبذلك، تأمل بكين في تسهيل استراتيجيتها لما أطلق عليه بعض العلماء “الانطلاق إلى العالمية في مجموعات” في إشارة إلى تدويل الشركات الصينية وتشكيل اقتصادات التكتل في المواقع المضيفة.

وتتوافق هذه الخطة مع الهدف الأوسع الذي حفز إطلاق برنامج منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري. وبرر الاستثمار الرأسمالي الضخم من قبل الدولة الصينية. لكن الموقع الاستراتيجي لمنطقة السويس في قلب طرق التجارة العالمية قدم حافزًا قويًا بشكل خاص لنقل شركات التصنيع الصينية إلى المنطقة، ومنح SETC مكانة فريدة من بين مبادرات المنطقة الاقتصادية الأخرى. وفق الدراسة.

تقول: بالنسبة للشركات الصينية التي تنخرط في التجارة في الشرق الأوسط. وأيضًا في التجارة عبر المحيط الأطلسي مع أسواق غرب أفريقيا وأمريكا الشمالية، فإن تحديد موقع الإنتاج بالقرب من قناة السويس يقلل بشكل كبير من المسافة إلى الأسواق الاستهلاكية. وبالتالي، توفير الوقت والتكاليف التشغيلية المرتبطة بالنقل لمسافات طويلة.

ولكن، تشير الباحثة إلى أنه “ربما تكون إحدى أهم المزايا الاستراتيجية لمنطقة SETC هي بند في إطارها التنظيمي. يمنح المصدرين الأجانب إمكانية الوصول إلى شهادات المنشأ المصرية. تسمح هذه المستندات للشركات بالمطالبة بأن منتجاتها مصرية، مما يسمح للشركات بالاستفادة من اتفاقيات التجارة التفضيلية المصرية وصفقات التجارة الدولية”.

وأضافت: يضمن الحصول على الشهادات المصرية للشركات الصينية الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا. وغيرها من أسواق الشرق الأوسط، بدون رسوم جمركية وغيرها من الحواجز غير الجمركية. فضلاً عن السماح للشركات الصينية بتجاوز الحواجز والحصص المفروضة على الصادرات من الصين.