منذ أجبرت جائحة كوفيد 19 سكان العالم على البقاء بعيدا عن بعضهم البعض، لم يلتق قادة دول الجمعية العامة للأمم المتحدة. في تلك السنوات التي شهدت تعمق خطوط الصدع في الجسد الدولي. حيث نما انعدام الثقة بين الولايات المتحدة والصين نتيجة الخلافات حول أصول الوباء، والقمع الصيني للديمقراطية في هونج كونج، والتوترات حول تايوان وبحر الصين الجنوبي. وقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باقتحام جارته أوكرانيا.

لذا، يشعر الناس قبيل انطلاق الدورة السابعة والسبعون رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، غدا الثلاثاء. أن العالم منقسم إلى معسكرين. أحدهما مع حلف شمال الأطلسي والغرب من جهة وروسيا والصين وداعميهم. في غضون ذلك، تزن القوى الوسطى بدائلها، ويلعب البعض على كلا الجانبين.

هذه السنوات نفسها شهدت تمزق شبكة كانت هشة بالفعل من الدعم الإنساني العالمي. وكشفت الجائحة النقاب عن أوجه القصور والتفاوتات الشديدة في استعداد العالم لأزمات الصحة العامة التي لا يمكن التنبؤ بها.  وبالطبع، هناك عواقب تغير المناخ، مدن غمرتها الفيضانات، موجات حرارة قاتلة، حرائق الغابات، وعواصف ضخمة آخذة في التصاعد.

بالطبع، تسببت العوامل السابقة في خلق أزمة غذاء عالمية لا مثيل لها، أدت إلى سقوط 345 مليون شخص في حالة انعدام أمن غذائي حادة. و50 مليونًا آخرين على حافة المجاعة، وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي. أيضا، هناك 40 دولة معرضة الآن لخطر التخلف عن سداد ديونها السيادية.

اقرأ أيضا: تحديات متجددة تواجه الأمم المتحدة.. هل تنجح الدورة المقبلة في مجابهتها؟

وفق تحليل كتبته سوزان نوسيل النائبة السابقة لمساعد وزير الخارجية الأمريكية للمنظمات الدولية، وليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكيتين في منظمة تشاتام هاوس. بات من الواضح الآن أن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي تم وضعها في عام 2015، وكان من المفترض أن تتحقق بحلول عام 2030، لن تتحقق .  ويخلص التحليل لاستنتاج مفاده  ” تضاؤل الوعد بالاعتماد المتبادل العالمي، إلى نهج صارم وانتقائي وحذر للمشاركة الدولية”، رغم ما قدمه التحليل  من حيثيات مطولة   بشأن إمكانيات وآفاق أن تنجح  دورة الأمم المتحدة الجديدة في ضبط الوضع العالمي على الأقل من وجهة النظر الأمريكية والأجندة الليبرالية الحقوقية، ورهان الولايات المتحدة في جذب القوى الدولية الوسيطة كجنوب إفريقا والهند لموقف واختيارات واشنطن.   

الانقسام على السلطة والأيديولوجيا

في مارس/آذار، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا أكد السيادة الأوكرانية، ودعا روسيا إلى سحب قواتها من الأراضي المحتلة. أيدت 141 دولة القرار، بينما عارضته خمس دول فقط، مع امتناع 35 دولة عن التصويت.

وفي إبريل/ نيسان، تبنت الجمعية العامة قرارًا بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. بأغلبية 93 صوتًا، و24 ضده، وامتناع 58 عن التصويت.

ترى الكاتبتان أنه “في عالم منقسم على السلطة والأيديولوجيا، وعالم تم فيه تسييس حقوق الإنسان والاعتراض عليها. كانت هذه القرارات بمثابة إشارة إلى اتفاق واسع. ومع ذلك، فإن قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على حشد أغلبية عالمية قوية، قد أخفت تناقض العديد من القوى الوسطى الرائدة. بما في ذلك جنوب إفريقيا والهند، اللتان امتنعتا عن التصويت على كلا القرارين. وإندونيسيا والبرازيل، اللتين اختارتا أيضًا الوساطة بشأن تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان.

ومن المقرر عقد جلسة لمجلس الأمن بشأن أوكرانيا في 22 سبتمبر / أيلول. رغم أن “الهيئة الخاضعة لحق النقض وصلت إلى طريق مسدود بشأن أي إجراء يتعلق بالحرب”.  حتى الآن، ساعد قرار بكين بالبقاء مع روسيا، وإحجام دول أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا عن اتخاذ جانب نشط في الحرب، الرئيس بوتين على الحفاظ على الدعم الشعبي داخل روسيا لحملته العسكرية المكلفة.

وترى الكتبتان أن “بروز الحرب في خطابات رؤساء الدول، وردود الفعل على تصريحات الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلينسكي  التي تظهر على الشاشة. والاستقبال الذي يلقاه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، كلها مؤشرات على ما إذا كان العالم ينقلب على نطاق أوسع ضد حرب بوتين”.

تغيير وجه العالم

خلال مؤتمر صحفي احتل العناوين الرئيسية، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بكين أعربت عن مخاوفها بشأن حرب أوكرانيا. وانتقد الغرب لـ “سعيه لفرض قواعده الخاصة على الآخرين”. وحث على العودة إلى عالم تسود فيه الأمم المتحدة ومعاهداتها المتعددة الأطراف.  بينما يشير التحليل إلى أن توقيت الجمعية العامة لهذا العام يأتي بعد أسبوع واحد فقط من أخبار المكاسب الأوكرانية في ساحة المعركة.

يقول تحليل الكاتبتين الأمريكيتين: هذا الحدث بمثابة اختبار حي للرأي العام العالمي حول حرب بوتين، ولعبة القوة التي تمثلها. قدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التماسًا خاصًا لتقديم ملاحظات مسجلة مسبقًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بحجة أنه لا يمكنه مغادرة دولته التي مزقتها الحرب. وقد حظيت العريضة، وهي استثناء نادر للقواعد التي تتطلب ظهور رؤساء الدول بأنفسهم أو تعيين بديل لهم، بتأييد 101 دولة وامتناع 19 دولة عن التصويت -بما في ذلك الصين- وعارضتها سبع دول فقط.

وأضاف: تقدم الجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة للولايات المتحدة وشركائها لإظهار الزخم. من حيث إقناع القوى الوسطى في العالم بالوقوف وراء أجندة ليبرالية قائمة على الحقوق. حاول بوتين استعراض ما كان يُنظر إليه على أنه “تحالف استبدادي صاعد” في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان التي عقدت قبل ايام، إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينج وقادة آخرين. لكن هذا التحالف يظهر انقساماته. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان الغرب وحلفاؤه يستطيعون القيام بعمل أفضل في إظهار جبهة واسعة وموحدة.

حتى الأسبوع الماضي، بدا أن تحالف شي مع بوتين لا يتزعزع. قام الرئيس الصيني بأول رحلة له إلى الخارج -منذ أن بدأ الوباء قبل أكثر من عامين- لحضور القمة في أوزبكستان. “وأشار اجتماعه مع بوتين إلى أن المد قد يتغير، وأن الدعم الصيني قد لا يكون مطلقًا”.

وبينما اعترف بوتين بأن شي “لديه أسئلة ومخاوف” بشأن الحرب. استخدم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القمة نفسها ليعلن، لأول مرة، أن “عصر اليوم ليس عصر حرب”. وحث بوتين على التحرك نحو طريق السلام.

هذا الحدث بمثابة اختبار حي للرأي العام العالمي حول حرب بوتين ولعبة القوة التي تمثلها 

اقرأ أيضا: الإيكونوميست تسأل: كيف يمكن لأوكرانيا الانتصار في الحرب؟

هل المنظمة على مستوى المهمة؟

ستركز اجتماعات هذا الأسبوع على عدد من أهداف التنمية المستدامة، مثل التعليم وتغير المناخ. حيث جعلت الجائحة، وأزمات اللاجئين، وكوارث المناخ، والانقسامات الديمقراطية، والآن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. السنوات العديدة الماضية فترة تركز على الداخل في عواصم العالم، حيث ارتبطت الموارد والقادة بالسكان والمشاكل.

تم تحويل المساعدات التنموية إلى الحرب في أوكرانيا. ما ترك الأزمات الإنسانية في أفغانستان والقرن الأفريقي واليمن وأماكن أخرى تتفاقم، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانهيار الخدمات. كما دفعت النزاعات، وتغير المناخ، وآثار الوباء، بانعدام الأمن الغذائي إلى قمة جدول الأعمال العالمي.

وبحسب مؤسسة بيل وميليندا جيتس، فإن معدل التقدم في القضاء على الجوع في العالم، وضمان الوصول إلى المياه النظيفة. يحتاج إلى تسريع العمل بمقدار خمسة أضعاف، من أجل تحقيق هذين الهدفين في الوقت المحدد.

يقول التحليل: توفر جلسة الجمعية العامة المقبلة فرصة لإعادة ضبط الوضع العالمي. ولكن يجب -أيضًا- إعادة تنشيط العمل الجماعي حول الاستجابة لأزمات الغذاء والوقود والديون، وأوجه الضعف المحلية التي تلت ذلك. ولكي يحدث هذا، لن يكون الإقناع وحده كافياً.

يضيف: ستحتاج الولايات المتحدة -بشكل خاص- إلى إظهار الالتزام والقيادة. والعمل مع البلدان النامية، لتقديم حلول لأزمة الغذاء والطاقة العالمية. ولهذه الغاية، تعقد الولايات المتحدة قمة حول الأمن الغذائي مع الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي. إن اختبار هذه الجهود يكمن في صرامة الالتزامات المعلنة، وحجم المبالغ المتعهد بها بالدولار. كما أنها ستمثل مقياسًا رئيسيًا لقدرة الأمين العام للأمم المتحدة -أنطونيو جوتيريش- على تحفيز العمل. في أعقاب سلسلة من المناشدات التي وجهها حول حالة التدهور السريع للرفاهية الإنسانية العالمية.

مرحلة انتقالية

تشير إحاطة خاصة، قدمها خبراء مجموعة الأزمات/ Crises Group. تتناول عشرة تحديات أمام المنظمة الدولية خلال الدورة الجديدة. إلى أنه على الرغم من أن نظام الأمم المتحدة “ربما أظهر مرونة غير متوقعة في عام 2022، إلا أنه أظهر أيضًا نقاط ضعف شديدة ومتفاقمة”.

وأضافوا: من المرجح أن يؤثر التباطؤ الاقتصادي العالمي، والتخفيضات المحتملة في مخصصات المساعدات الغربية في ضوء حرب أوكرانيا. على ميزانيات الأمم المتحدة في السنوات المقبلة، وربما يدفع أيضًا الدول الفقيرة إلى ركود عميق. وبدلاً من التطلع إلى إصلاحات جذرية غير قابلة للتحقيق، يجب على الأمم المتحدة -والدول الأعضاء فيها- التركيز على كل من تطبيق نقاط قوة المنظمة على الأزمات المعقدة. ودراسة قدراتها الخاصة للنظر في كيفية تحسينها. في ضوء التهديدات الناشئة.

ويرى تحليل نوسيل وفينجاموري أن قدرة المنظمة الأممية على إبراز قوتها في عالم ما بعد الجائحة. ستعتمد -في الغالب- على المضمون الذي تقدمه الدول الأعضاء.

في 8 سبتمبر/ أيلول، ألقت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة. خطابًا، حددت فيه ستة التزامات أمريكية جديدة، تهدف إلى تقوية المنظمة العالمية. حيث “ستشير الجمعية العامة إلى ما إذا كانت هذه التعهدات، التي تضمنت التزامًا أكثر صرامة بميثاق الأمم المتحدة، وتعهدًا بتقليل استخدام حق النقض إلى الحد الأدنى، والالتزام بالإصلاحات الإجرائية في مجلس الأمن. سوف تجد صدى لدى الأعضاء”.

ويضيف التحليل: إذا كانت الولايات المتحدة قد قامت بواجبها الدبلوماسي. ويمكنها أن تثبت أنها تقود تحالفًا واسعًا، وراء تدابير ملموسة، لدفع الأمم المتحدة إلى الأمام، فقد ينبئ ذلك بتغيير لاحق.

استخلاص

وينتهي التحليل إلى أنه “مع فطم أوروبا نفسها بسرعة عن الطاقة الروسية، ومحاولة الغرب عزل نفسه عن التقنيات الصينية المتطفلة. تضاءل الوعد المشرق بالاعتماد المتبادل العالمي، إلى نهج صارم وانتقائي وحذر للمشاركة الدولية”.