بينما تُنهي مدينة شرم الشيخ استعداداتها الأخيرة لاستضافة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين للأمم المتحدة COP27 في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، يأتي المؤتمر في وقت حرج، على خلفية جائحة عالمية، وارتفاع أسعار الطاقة، والحرب في أوكرانيا، واضطرابات عنيفة في الإمدادات الغذائية.
بصفتها الدولة المضيفة لـ COP27، تجد مصر نفسها على المسرح العالمي كصوت ممثل لجنوب الكرة الأرضية، وخاصة إفريقيا. حيث تتطلع القاهرة إلى القمة باعتبارها فرصة لصقل مكانتها الدولية، والتأكيد على هويتها، ووضع البلاد في موقع الصدارة جسرا بين الجنوب والشمال العالمي.
يلفت تحليل حديث لمعهد كارنيجي للسلام الدولي، إلى أن القاهرة، باعتبارها تتولى زمام المبادرة في قضية عالمية مهمة هي تغير المناخ، فإنها “تقف في قلب الدبلوماسية الدولية. ليس فقط كممثل لإفريقيا والشرق الأوسط، ولكن كممثل للجنوب العالمي”.
ولفت إلى أن “المرة الأخيرة التي كانت فيها القاهرة في قلب قضية عالمية رئيسية في عام 1994، عندما استضافت مصر مؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية، لمناقشة الهجرة وتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وتعليم المرأة. وشهدت وقتها حضور قادة عالميين بارزين حينها، مثل رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو ونائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور.
اقرأ أيضا: جون كيري: قمة شرم الشيخ “مؤتمرا للتنفيذ” ونعمل مع مصر لإنجاحها.. ومساعدات للدول النامية للتعامل مع قضية المناخ
الاستفادة من الأضواء
يقول التحليل: COP27 يعد مصر بمستويات عالية من الظهور السياسي والإعلامي. والأهم من ذلك، أن القاهرة في عام 2022 تختلف عن القاهرة في عام 1994، عندما كانت المدينة تتصارع مع تمرد الجماعات الإسلامية الذي أضر بالدولة المصرية ومواردها. مؤكدا أن القاهرة “تنظر في عام 2022 إلى COP27 كفرصة لصقل أوراق اعتمادها الإقليمية”.
وأضاف: حتى مع اكتساب السعودية والإمارات المزيد من الظهور في المنطقة، مع المزيد من الحرية المالية. تتمتع مصر بميزة هويتها المزدوجة كدولة إفريقية عربية، بموقفها الإقليمي في كل من إفريقيا والشرق الأوسط. وبصفتها مضيفة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، تضع القاهرة أيضًا على الخريطة كفاحها لتأمين الموارد المائية.
لذلك “يجب أن يُنظر إلى استضافة مصر لمؤتمر COP27 على أنه استمرار للتطور الأخير. تعود القاهرة مرة أخرى إلى إفريقيا كلاعب يملك أوراقا متنوعة، حيث تقدم نفسها كبوابة لإفريقيا، ولاعب استراتيجي له بصمة متنامية في القارة”.
بالفعل، بدأ هذا المحور مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي في عام 2019، والذي استخدمته القاهرة لتعزيز مكانتها خارج حوض النيل وشمال إفريقيا. وكرئيس للاتحاد الإفريقي، مثلت مصر وجهات نظر القارة على المسرح العالمي في المنتديات العالمية، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومؤتمر ميونيخ للأمن، وقمة مجموعة السبع في فرنسا، وقمة مجموعة العشرين في أوساكا، ومؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية، وقمة إفريقيا- روسيا، والقمة البريطانية- الإفريقية.
بعد انتقال رئاسة الاتحاد الإفريقي من مصر إلى جنوب إفريقيا في فبراير/ شباط 2020. واصلت القاهرة زيادة اندماجها في المشهد الاستراتيجي الإفريقي، من الشراكة مع غانا لإطلاق شركة الطيران الوطنية الغانية، إلى التعاون مع نيجيريا في مواجهة جماعة بوكو حرام الإرهابية. ومن بناء سد جوليوس نيريري في تنزانيا، إلى متابعة المواءمة الاستراتيجية مع السودان. حيث سعت مصر إلى استراتيجية إفريقية متعددة المستويات، تركز على تعميق الدبلوماسية والاقتصادية، والتعاون الطبي والأمني والدفاعي.
دعم الدور الإفريقي
إضافة إلى جهودها الدبلوماسية، أطلقت مصر سلسلة من الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع كل من بوروندي وكينيا وأوغندا. وكذلك، أقامت علاقات دبلوماسية واقتصادية مع جيبوتي، ورواندا، والسنغال، وجنوب السودان، وتنزانيا، وزامبيا. كما أطلقت مصر أيضًا منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين، وهو عبارة عن منصة تركز على إفريقيا، حيث تطرح القاهرة نفسها كمنظم “لرؤساء الدول والحكومات الأفارقة، وقادة الحكومات الوطنية، والمنظمات الإقليمية والدولية والمؤسسات المالية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني”.
ويلفت التحليل إلى أن “القاهرة استخدمت منتدى أسوان، والجلسات التشاورية المنتظمة مع نظرائها الأفارقة، كمنصة سياسية للمساعدة في توحيد موقف إفريقيا بشأن “الوصول إلى الطاقة والانتقال العادل للطاقة” قبل استضافة مصر لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين”.
أيضا، تعمل مصر على توسيع هذا المسار من المرحلة القارية إلى المرحلة العالمية “حيث تتطلع القاهرة إلى رئاستها لقمة المناخ كفرصة لإظهار ريادة مصر العالمية في مجال تغير المناخ. وهي قضية محددة أصبحت أكثر أهمية للدبلوماسية العالمية”.
بالإضافة إلى ذلك، تأمل مصر في استخدام الأضواء لزيادة الوعي بالضربة المزدوجة لأزمة المناخ التي تواجهها هي نفسها “فالبلد نفسها دولة فقيرة مائيا، وتواجه أيضًا الواقع المظلم المتمثل في انخفاض إمدادات المياه من نهر النيل بسبب سد النهضة الإثيوبي، والذي من المتوقع أن يؤثر على حصة مصر من المياه. حيث تعتمد القاهرة على النهر في أكثر من 90% من مواردها المائية. وفي خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، وصف وزير الخارجية المصري سامح شكري السد بأنه “تهديد وجودي لأمن الدولة المصرية”.
علاوة على ذلك، فإن الساحل الشمالي لمصر مهدد بارتفاع منسوب مياه البحر. وعلى سبيل المثال، في القمة السابقة COP26 التي عقدت في مدينة جلاسكو الأسكتلندية، تحدث رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون عن التهديد المناخي للإسكندرية، التي قد تختفي تحت ارتفاع مستويات سطح البحر، إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار 4 درجات مئوية.
شريك للاتحاد الأوروبي
أيضًا، يشير التحليل إلى أن مصر “تأمل في استخدام القمة لإبراز مكانة القاهرة القوية كمهندس لمنتدى غاز شرق المتوسط”. حيث أدى اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي -أكبر حقل في منطقة شرق البحر المتوسط- إلى تحويل مصر إلى مصدر صافي للغاز.
ولتأمين مصالحها الغازية في البحر الأبيض المتوسط، أنشأت القاهرة منتدى غاز شرق المتوسط في عام 2019 إلى جانب قبرص، وفرنسا، واليونان، وإسرائيل، وإيطاليا، والأردن، والسلطة الفلسطينية، كدول أعضاء. والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمراقبين دائمين.
يقول التحليل: مع مركزيتها الجغرافية، ومرافق تسييل الساحل الحالية والبنية التحتية لخطوط الأنابيب. أصبحت القاهرة مركزًا إقليميًا لتصدير الغاز لإسرائيل وقبرص، مما يؤكد على موقع مصر الاستراتيجي في الجغرافيا السياسية للبحر الأبيض المتوسط. ومع أزمة الطاقة الحالية في أوروبا في أعقاب حرب أوكرانيا، من المتوقع أن يسافر العديد من القادة الأوروبيين إلى شرم الشيخ، بسبب مركزية القاهرة لأمن الطاقة في أوروبا، والتزام مصر بتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا ليحل محل الغاز الروسي.
وأكد أن “موقع مصر في قلب الجغرافيا السياسية للغاز في البحر الأبيض المتوسط يعني علاقات قوية بين القاهرة وبروكسل (أي الاتحاد الأوروبي)”.
بناء الجسور
من المرجح أيضًا أن تختار القاهرة استخدام القمة لمواصلة دعوتها القوية للمساواة المناخية بين شمال وجنوب الكرة الأرضية. حيث “من وجهة نظر مصر، لا ينبغي مقارنة إفريقيا بالملوثات الصناعية الكبرى في أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا، الذين ساهموا تاريخيًا وبشكل غير متناسب في أزمة المناخ”.
لذلك، من المرجح أن تشير القاهرة إلى أنه في عام 2021 -على سبيل المثال- أعطت أوروبا الأولوية لإنهاء التمويل العام الخارجي للوقود الأحفوري، بما في ذلك الاستثمار في الغاز الطبيعي. وهي أولوية تغيرت تمامًا في عام 2022 بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وأزمة الطاقة الحالية التي تواجهها أوروبا.
في عام 2022، صنف الاتحاد الأوروبي الطاقة النووية والغاز الطبيعي كطاقة خضراء. وألغت دول مجموعة السبع تعهدها السابق بإنهاء تمويل مشاريع الغاز بسبب أزمة الطاقة المرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا.
لذلك، فإن التناقض بين إنهاء تمويل مشاريع الغاز الطبيعي في الخارج، مع زيادة استهلاك الوقود الأحفوري محليًا من أجل أمن الطاقة -بما في ذلك الفحم- يضعف مكانة الاتحاد الأوروبي كقوة رائدة في مفاوضات المناخ.
يقول التحليل: أتاح هذا التناقض فرصة لمصر لعرض قضيتها للغاز الطبيعي كطاقة خضراء في COP27. وهي حالة تمثل ركيزة للعمل المناخي في نهاية المطاف، والاستفادة من حرب أوكرانيا للضغط على أوروبا، ليس فقط لمواصلة قبولها لتمويل الغاز الطبيعي. بل من أجل مشاريع في الخارج أكثر ديمومة، وتتماشى مع الأهداف الإنمائية للجنوب العالمي. والضغط على المنظمات متعددة الأطراف لاتباع نفس المسار أيضًا.
اقرأ أيضا: هل تكسب مصر رهان الهيدروجين الأخضر في مؤتمر المناخ القادم؟
توازنات الطاقة
في ختام التحليل، يشير إلى أن إيجاد توازن بين أمن الطاقة وتغير المناخ، يعتبر أولوية رئيسية لمصر في COP27. حيث “تعتقد القاهرة أن هناك حاجة إلى أهداف والتزامات واقعية من قبل كل من الجنوب والشمال”.
يقول: نظرًا لموقع مصر كجسر بين إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا. فإن القاهرة تقدم نفسها كبطل لقيادة الجهود التي يمكن لجميع الأطراف الالتزام بها.
وتابع: سلط الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل عام 2022 الضوء على نقاط ضعف إمدادات الطاقة في أوروبا، والحاجة إلى إيجاد موردين بديلين. حيث استوردت القارة بشكل جماعي ما يقرب من 40% من غازها من روسيا، وتواجه الآن حقيقة قيام موسكو بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا خلال فصل الشتاء، وارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير منذ الغزو.
وعلى سبيل المثال، لاستبدال الغاز الروسي، تعيد ألمانيا إعادة تشغيل المفاعلات النووية، وزيادة استخدامها للفحم، كرد فعل لتسليح روسيا لإمداداتها من الطاقة إلى أوروبا -أي استخدامها كسلاح وأداةللضغط-“على الرغم من معارضة برلين السابقة، في أعقاب انهيار مفاعل فوكوشيما الياباني في عام 2011، والذي غذى صعود حركة مناهضة للأسلحة النووية.