بينما تُظهر نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في الولايات المتحدة استقطاب النظام السياسي الأمريكي في السنوات الأخيرة. فإنها بدورها تمثل دليلا على القلق العام المتزايد، بشأن تداعيات سلوك الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره على مستقبل الديمقراطية الأمريكية. ومن الجانب الثاني فرغم أن انتخابات التجديد النصفي -عموماً- لا تؤثر على السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية. حتى لو كانت مقيدة أكثر بسبب الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب.
وبينما أظهرت التجربة أن هذا لا ينذر بالضرورة بنتيجة الانتخابات الرئاسية في عام 2024. لكن، مع ذلك، يرجح كثيرون أن تبدأ الحملة الانتخابية في وقت أبكر من المعتاد، وستكون مشحونة وعاصفة.
يؤكد إلداد شافيت الباحث بالمعهد الوطني الإسرائيلي للإحصاء، ورئيس قسم الأبحاث الأسبق في مكتب رئيس الوزراء. في تحليله المنشور بمعهد دراسات الأمن القومي. أنه في حين أن نتائج الانتخابات النصفية اعتبرت إنجازًا من قبل الرئيس بايدن، إلا أنها لا تنذر بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024. كما أنهم لا تشي أنه ستكون هناك تغييرات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ويتساءل: كيف ستؤثر النتائج على إسرائيل؟ وكيف يجب أن ترتبط بالواقع السياسي الحالي في الولايات المتحدة؟
اقرأ أيضا: إلى أي مدى سيذهب نتنياهو؟
ماذا عن 2024
يشير المحلل وضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن “أظهر أنه ملتزم برفاهية إسرائيل وأمنها، وأن العلاقات بينه وبين رئيس الوزراء المقبل بنيامين نتنياهو جيدة”.
يقول: تحترم الإدارة الأمريكية العمليات الديمقراطية في إسرائيل، على الرغم من أنه من المتوقع أن تفحص الحكومة الجديدة من خلال أفعالها وليس خطابها. كذلك، الكونجرس “مجلس النواب” المعارض للإدارة هو فرصة لإسرائيل، لأنه يوفر مساحة للمناورة. من ناحية أخرى، فإن التصرفات الإسرائيلية التي تفسرها الإدارة على أنها محاولة للالتفاف عليها عن طريق الكونجرس يمكن أن تضر بإسرائيل والعلاقات الثنائية.
لذلك، يشير شافيت إلى أنه “يجب على إسرائيل أن تتوخى الحذر الشديد. وقبل كل شيء، أن تتجنب قدر الإمكان الانجرار إلى الخلافات السياسية في واشنطن، لأن مصلحتها أن يستمر دعم إسرائيل على أساس إجماع من الحزبين”.
وأضاف: يبدو أن الحزب الجمهوري سيحقق على الأرجح أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، بينما يحتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ. في حين أن هذه النتائج تعكس العمليات المقبولة في السياسة الأمريكية في انتخابات التجديد النصفي، فقد ثبت خطأ التنبؤات المبكرة لـ “الموجة الحمراء” للجمهوريين.
وبينما سارع الرئيس جو بايدن إلى وصف النتائج بأنها إنجاز، خاصة أنه قبل الانتخابات، أصدر تحذيرات من الخطر الجوهري الذي يواجه الديمقراطية الأمريكية. يؤكد شافيت أنه “حتى لو أظهرت النتائج بعض المكاسب للجمهوريين، تشير التجربة إلى أنه لا ينبغي استخلاص استنتاجات بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة.
مع ذلك، والحديث للمحلل الإسرائيلي، فإن الموقف النهائي هو توضيح قوي للوضع الحساس والمستقطب الذي يميز السياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة.
يقول: حتى الاقتصاد المتدهور والتصنيفات المنخفضة للرئيس الحالي لم يحدثا فرقًا على ما يبدو. لا سيما مع تأثر قطاعات كبيرة من الجمهور الأمريكي بحكم المحكمة العليا الدراماتيكي بشأن عمليات الإجهاض، وبسبب الإنكار المستمر لـ نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة من قبل الرئيس السابق ترامب ومؤيديه. على خلفية التحقيق الجاري حول ضلوعه في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2020.
مفاجآت قادمة
من المتوقع على مدى العامين المقبلين العديد من الأحداث المحلية العالمية والأمريكية التي تؤثر بشكل كبير على الرأي العام. حيث سيكون إعلان دونالد ترامب المتوقع عن نيته الترشح للرئاسة، بمثابة اللقطة الافتتاحية في حملة أطول من المعتاد.
أيضًا، من الممكن أن تشجع نتائج الانتخابات النصفية الحاكم الجمهوري لفلوريدا، رون ديسانتيس، الذي تغلب على منافسه الديمقراطي بأغلبية كبيرة، على تحدي ترامب والإعلان عن ترشحه للرئاسة. وبالتالي، فتح صراع داخل الجمهوريين. وقد تشجع النتائج الإيجابية نسبيًا للديمقراطيين، وإعلان ترامب المتوقع، الرئيس بايدن على الإعلان عن نواياه في الترشح لولاية ثانية.
يرى شافيت أنه “مهما كان الأمر، فإن سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب يمكن أن تفضي لوقف معظم العمليات التشريعية في الولايات المتحدة”.
وأوضح: الصعوبة التي يواجهها الرؤساء في العمل مع الكونجرس المنقسم معروفة جيدًا، وكانت واضحة خلال الجزء الأخير من ولاية ترامب. علاوة على ذلك، فإن احتمالية توصل الطرفين في الوقت الحالي إلى اتفاق بشأن تشريعات مهمة ضئيلة للغاية، بسبب العداء المتبادل الشديد بينهما.
وتابع: على أي حال، فإن الأغلبية الجمهورية الضيقة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ -الخاضع لسيطرة الديمقراطيين- ستجعل من الصعب على رئيس مجلس النواب السيطرة على حزبه، وإعطاء الإدارة مساحة أكبر للمناورة في الكونجرس.
لكن بشكل عام، لا تؤثر الانتخابات النصفية للولايات المتحدة على السياسة الخارجية للإدارة بشكل كبير. على الرغم من أنها ستكون أكثر تقييدًا مع الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب.
ويلفت شافيت إلى أنه “حتى إذا اضطرت إدارة بايدن من وقت لآخر إلى التصرف بضبط النفس من أجل الحصول على الدعم في الكونجرس، فمن المتوقع في معظم الحالات المضي قدمًا في جدول أعمالها الحالي، بما في ذلك عن طريق الأوامر التنفيذية. سيحاول الجمهوريون، في اللجان ذات الصلة في مجلس النواب، تقويض نوايا الإدارة بشكل أساسي، من خلال الترويج لبدائل للسياسات ووضع العقبات، عندما تسعى الإدارة إلى تعزيز القضايا التي تتطلب إجراءات من قبل الكونجرس”.
اقرأ أيضا: عودة نتنياهو.. ما بين المناورات المحتملة والتداعيات المنتظرة
لا تغيير
لا يتوقع الباحث وضابط الاستخبارات السابق أي تغيير في دعم الادارة الأمريكية للدولة العبرية.
يقول: لقد أظهر الرئيس بايدن بالفعل أنه ملتزم بأمن إسرائيل ورفاهيتها. علاقاته مع رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو جيدة وتحترم الإدارة العملية الديمقراطية في إسرائيل.
وأضاف: مع ذلك، من المتوقع أن تدرس الإدارة الحكومة الجديدة من خلال أفعالها وليس خطابها. وما دامت الإدارة الأمريكية تقدر أن إسرائيل تتمسك بالقيم الديمقراطية الليبرالية المشتركة، ولا تتحرك في اتجاه الإضرار بالحقوق المدنية، أو تنفيذ سياسة أحادية الجانب بشأن القضية الفلسطينية. فمن المحتمل أن تستمر الإدارة في الحفاظ على حوار أساسي مع حكومة إسرائيل الجديدة.
أيضا، يبدو أن التغييرات في الكونجرس لن تؤدي إلى تغييرات في سياسة الإدارة في الشرق الأوسط.
في السنوات الأخيرة، وخاصة على خلفية المنافسة المتزايدة مع الصين والحرب في أوكرانيا، تغيرت الإشارة الأمريكية إلى التهديد العالمي، مما يؤثر أيضًا على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للشرق الأوسط. ربما لا تزال الإدارة ملزمة بالاهتمام بالمنطقة، لكن هذا التركيز بات محدودا مقارنة بالماضي، ويهدف إلى الحد من الضرر بدلاً من تعزيز الفرص.
يقول شافيت: على وجه الخصوص، هناك اتجاه لتقليل المدخلات العسكرية. إن تركيز إسرائيل سيكون أولاً وقبل كل شيء على إيران، ويبدو أن على الإدارة الأمريكية صياغة سياسة بديلة في هذا الشأن. في هذا السياق، قد تكون هناك بعض الخلافات مع الحكومة الجديدة في إسرائيل، والتي ستحث الولايات المتحدة على تبني نهج أكثر حزماً، بما في ذلك إعداد خيار عسكري موثوق.
ومع ذلك، بينما ستواصل الإدارة نفسها تشديد موقفها ضد إيران، فإنها ستبحث أيضًا عن طرق دبلوماسية لتعزيز التسوية.
أيضا، يمكن للقضية الفلسطينية -التي تم تهميشها خلال العامين الماضيين- أن تحظى باهتمام متجدد، إذا تبنت الحكومة الإسرائيلية ما تعتبره الإدارة الأمريكية “سياسة أحادية الجانب”. وبالتأكيد، إذا برز توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وموضوع الضم مرة أخرى، كمركز للصدارة في السياسة الإسرائيلية.
توخي الحذر
يؤكد شافيت أن الكونجرس المعارض للإدارة الأمريكية يعتبر -من نواحٍ معينة- فرصة لإسرائيل “مما يمنحها مساحة أكبر للمناورة”، وفق تعبيره.
من ناحية أخرى، فإن أي أعمال إسرائيلية تفسرها الإدارة الأمريكية على أنها محاولة للالتفاف عليها من خلال الكونجرس، يمكن أن تضر بإسرائيل وعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
يقول: لدى الإدارة الديمقراطية، وبايدن نفسه، ذكريات غير سارة عن السلوك الإسرائيلي السابق. لا سيما محاولة “رئيس الوزراء” نتنياهو سابقا استغلال الخلاف بين الكونجرس وإدارة أوباما، لممارسة الضغط فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية.
وأضاف: على إسرائيل أن تتوخى الحذر. وقبل كل شيء، أن تمتنع، قدر المستطاع، عن الانجرار إلى الجدل السياسي في واشنطن. إن مصلحة إسرائيل هي ضمان استمرار تمتعها بدعم الحزبين.
وأكد أن “هناك العديد من المشرعين الديمقراطيين الذين ينتقدون إسرائيل وسياساتها. ويمكن توقع زيادة هذا النقد إذا حاولت إسرائيل استخدام الكونجرس لمهاجمة الإدارة. لذلك، من المهم لإسرائيل أن تحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الإدارة والمشرعين، من كلا الحزبين”.