جاءت مصافحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحارة للرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال حفل افتتاح بطولة كأس العالم في قطر، بمثابة صفحة جديدة بين البلدين، مهّد فيها لقاء الرئيسين لخطوات تعيد العلاقات إلى طبيعتها. بل، وقد تفتح الطريق كذلك لتحسين العلاقات بين تركيا وجارتها سوريا.

لكن، في الوقت نفسه، انتقدت أحزاب المعارضة، ومنتقدو الرئيس في تركيا، تحول موقف أردوغان بشأن الرئيس المصري. فبينما وافق معظمهم على هذه المصالحة، معتبرين إياها “خطوة عقلانية”، لكنهم قالوا “إنها جاءت متأخرة”. حيث فقدت تركيا في غضون ذلك نفوذها الإقليمي، وتضرر اقتصادها. كما أدى الوقت الضائع إلى تعميق الدول العربية الرئيسية لعلاقاتها مع خصمي تركيا -اليونان وقبرص- من أجل موازنة طموحات أردوغان الإقليمية.

انتقدت أحزاب المعارضة ومنتقدو الرئيس في تركيا تحول موقف أردوغان بشأن الرئيس المصري

وينقل تقرير نشره موقع المونيتور/ Al Monitor، عن الكاتب العمود المخضرم التركي فهمي كورو، الذي كان قريبًا من الرئيس أردوغان، اعتقاده بأنه “بينما كان من المناسب أن تنتقد أنقرة الإجراءات التي اتخذتها القاهرة في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس الراحل محمد مرسي”، حسب رأيه، لكن الانتقاد “قد تجاوز الحد”.

يقول التقرير: جادل كورو بأن التقليل من شأن مصر كان مكلفًا لتركيا. وأنه نتج عن هذا “الخطأ الأكثر أهمية في السياسة الخارجية في العقد الماضي في المنطقة. حيث ظهرت تحالفات لم تكن تتوقعها تركيا”.

وكتب كورو على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي: “لقد أصبح أصدقاؤنا التقليديون أعداء، بينما أصبح أعداؤنا التقليديون أصدقاء”.

 اقرأ أيضا: قبل مفاوضات التطبيع الكامل.. قراءة في كروت لعب مصر وتركيا

مكاسب التقارب

أثناء عودته إلى أنقرة من قطر، كان أردوغان سعيدًا بهذا التحول في الأحداث. قال للصحفيين: “أعطينا الضوء الأخضر لبدء عملية المصالحة هذه. اتخذنا خطوة -في الدوحة- لكي تبدأ (في إشارة إلى مصافحة السيسي والجلسة التي تمت بينهما) وآمل أن يمكننا نقلها الآن إلى نقطة جيدة “.

وينقل التقرير عن عثمان سرت، الذي شغل منصب السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، قوله “إنه من غير الطبيعي أن تنفصل دولتان إقليميتان رئيسيتان، مثل تركيا ومصر”. وشدد سرت على دعمه للقاء أردوغان والسيسي.

مع ذلك، يشير السكرتير الصحفي السابق لوزير الخارجية التركي إلى أن هذا “يقدم مثالًا رائعًا على تناقضات أردوغان”.

وكتب سرت في عموده في صحيفة كرار اليومية: “القول المستمر لأشياء لن تفعلها أو لا تستطيع فعلها ثم الاستمرار في فعل العكس ليس سياسة. على العكس من ذلك، هذا نقص في السياسة. ليس كل أنصار أردوغان على مستوى القاعدة سعداء بالمصالحة في الدوحة”.

وأضاف: خلال الربيع العربي في عامي 2010 و2011، اعتقد أردوغان أن الجماهير العربية الساخطة ستجلب جماعة الإخوان المسلمين وفروعها إلى السلطة في جميع أنحاء المنطقة، وترتقي به إلى مستوى زعيم إسلامي إقليمي رئيسي. ومع ذلك، فقد أخطأ في تقدير الدرجة التي نظرت بها الأنظمة العربية القائمة إلى مقاربته بالنفور.

وتابع: شعر معظم الزعماء العرب بالتهديد من نوع إسلام أردوغان السياسي. فشل الربيع العربي في تحقيق ما أراده أردوغان. إنه الآن بحاجة إلى دعم هذه الأنظمة، لإخراج تركيا من المستنقع الاقتصادي الذي أوقعتها فيه سياساته غير التقليدية.

ويلفت التقرير كذلك إلى أن لقاء الرئيسين “خطوة اكتسبت أهمية إضافية، مع قرب الانتخابات الرئاسية. تليها مصالحة مع الإمارات، بعد عقد من التبادلات الحادة، وترميم الخلافات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولتسهيل التقارب السعودي، توقف أردوغان عن الدفاع عن قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي اغتيل في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018”.

الطريق إلى سوريا

في حديثه إلى الشباب من أنصار حزبه “العدالة والتنمية” في مدينة قونية، أمس الأول الاثنين، قال أردوغان إن المعلومات التي وردت إليه “تشير إلى أن السيسي كان سعيدًا للغاية بلقائهم الذي رتب من قبل أمير قطر”.

وأضاف: “يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها مع سوريا في المرحلة المقبلة، مثلما جرى مع مصر”. مشيرًا إلى أنه “لا توجد خصومة دائمًا في السياسة”.

لكن، يشير تقرير المونيتور إلى أن “الأوساط الإسلامية في تركيا ساخطة، إدراكًا منها أن الخاسرين الرئيسيين سيكونون الإخوان المسلمين وتفرعاتهم”. كما ذكر علي كاراسان أوغلو، المحرر المثير للجدل في صحيفة “يني أكيت” اليومية الموالية للحكومة، عن خيبة أمل التيارات الإسلامية منذ شاهدت المصافحة.

ويؤكد التقرير أن “مثل هذه الآراء القوية دفعت أتباع أردوغان إلى محاولة تجنب رد الفعل العكسي من قاعدة دعمه التقليدية في الفترة التي تسبق الانتخابات. حيث يجادلون بأن لقاء السيسي والأسد سيخدم مصالح تركيا، ويساعد أنقرة على استقرار الاقتصاد. بالإضافة إلى حل مشكلة اللاجئين السوريين”.

رغم أنه لا تزال هناك خلافات أشارت تصريحات أنقرة والقاهرة -بعد تشابك الأيدي في الدوحة- إلى أن الجانبين على أعتاب عهد جديد

اقرأ أيضا: بعد “مصافحة المونديال”.. هل تتجاوز الخلافات المصرية- التركية العقبة الليبية؟

تغيير مسار أنقرة

على الرغم من الروابط التاريخية، تراجعت العلاقات بين تركيا ومصر بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي، في عام 2013، بعد احتجاجات شعبية دعمها الرئيس السيسي، الذي كان على رأس المؤسسة العسكرية في ذلك الوقت. حيث تعهد أردوغان بعدم مسامحة السيسي على الإطاحة بمرسي، وعزل حكومته التي يقودها الإخوان المسلمون.

وفي خطاب في مارس/ آذار 2019 قال أردوغان: ” هناك من يريد مصالحتي مع السيسي. أرفض لقاء شخص معاد للديمقراطية، حكم على مرسي وأصدقائه بالسجن”.

مع ذلك، مع تحول ميزان القوى في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ضد تركيا لصالح اليونان، وزيادة تكلفة العزلة الإقليمية، اضطر أردوغان إلى تغيير مساره.

ورغم أنه لا تزال هناك خلافات بين أنقرة والقاهرة مثل الأسئلة المتعلقة بليبيا، وحقوق التنقيب عن الهيدروكربونات في شرق البحر الأبيض المتوسط، يجب التغلب عليها. أشارت تصريحات أنقرة والقاهرة -بعد تشابك الأيدي في الدوحة- إلى أن الجانبين على أعتاب عهد جديد في العلاقات. والتي قد تمتد إلى دول عربية أخرى اتخذت صف القاهرة.

يضيف تقرير المونيتور: إدراكًا منها لأهمية تركيا الجيوستراتيجية، والفرص الاستثمارية التي توفرها، استجابت السعودية والإمارات أيضًا بشكل إيجابي لتواصل أردوغان. حيث تم تبادل الاتصالات رفيعة المستوى، والزيارات الرسمية بين تركيا والإمارات، وتركيا والسعودية، وتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون.

في غضون ذلك، تضخ قطر والإمارات أيضًا مليارات الدولارات في تركيا. حيث ذكرت رويترز هذا الأسبوع أن الرياض ستضع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي. “هذه أخبار جيدة لأنقرة التي تعاني من ضائقة مالية، وستساعد أردوغان على إقناع مؤيديه بأن العلاقات الجيدة مع الأنظمة العربية -المنفصل عنها سابقًا- هي الطريق الصحيح”.