كتبت- أميرة الطحاوي
مزهوا بالفرح عقب أخبار سقوط نظام بشار الأسد، يخبرني “فراس”، أنه سيعود في أقرب فرصة لسوريا التي غادرها إلى السودان قبل عقد من الزمان تقريبا، حتى بدأت حرب إبريل 2023 هناك، فشد رحاله إلى مصر التي دخلها بطريقة غير نظامية.
عرفته يساعد “فريد” عاملا مصريا، تلقى رصاصة في أحد شوارع حي جبرة بالخرطوم للوصول لمنزله.
حاورته وقتها، وقد تملكه يأس كبير شأن كثير من السوريين الذين طال بهم الشتات من دولة لأخرى عقب انتفاضة 2011 ببلادهم؛ إذ إنه كدرزي فر من الخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا، وتعرض ابن عام له للاعتقال لعامين تقريبا، ولم يلتق بأسرته لسنوات، ولا مجال لإعادة التوطين بدولة غربية عبر مسار اللجوء الرسمي، إلا لحالات خاصة من الفئات الأكثر استضعافا وشروطا قد لا تنطبق على الشاب الثلاثيني.
حاول الوصول لأوروبا، حيث يعيش بعض أقاربه، فيما انهمكت شقيقته المقيمة في هولندا في تدبير تأشيرة دخول بعقد عمل له، جهود لم تكلل بالنجاح، فاستقر فراس بمصر بعد تسوية وضعه القانوني كملتمس حماية دولية، وعمل على أطراف العاصمة المصرية القاهرة في مهن متفرقة، بعضها بعيدا عن تخصصه في المحاسبة، حتى تفاجأ بأخبار سقوط نظام البعث هذا الأسبوع.
إنه متفائل هذه المرة، ويتوق لمغادرة مصر إلى اللاذقية في أقرب فرصة، ولا يخشى انتهاكات أو تقييد لحقوقه الفردية والمدنية، بما فيها الحريات الدينية، في الفترة القادمة.
كما يعتقد أن تصفية الحسابات والانتقام الذي وقع خلال السنوات الماضية بين فصائل المعارضة، عندما تتقدم أحدها ضد الأخرى ميدانيا، أو بينهم وبين النظام ككل، لن يتكرر “فقد اكتفى الشعب من دائرة الانتقام المفرغة التي لن تجلب للبلاد سوى مزيد من الدمار”.
تستضيف مصر حتى آخر تحديث في الثامن من نوفمبر الجاري نحو 148,439 ألف سوريا مسجلين لدى المفوضية السامية، وهم الأكثر عددا من بين 846,431 ألف لاجئ بمصر عموما بحسب بيانات المفوضية.
ويتوزعون حسب دولهم الأصلية بين: السودان وسوريا وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، إضافة إلى أعداد من اليمن والصومال.
بينما تشير بيانات الدولة إلى أضعاف هذه الأرقام بكثير، حيث يوجد وافدون من سوريا مقيمين كطلبة ومستثمرين.
يبدو فراس في حديثه لمصر 360، حريصا على دعم أي جهد لتقديم مسؤولي النظام (وحدهم) للمساءلة والمحاكمة، وهو لا يتوقع منهم سوى الفرار، وليس القيام بعمليات مضادة مثلا؛ لاستعادة سيطرتهم “لقد تخلى الجيش وايران وروسيا عن الأسد، فكيف سيعود حتى لحفظ ماء الوجه” .
هو يخشى فقط التدخل الدولي والإقليمي في سوريا، وأن تطول الفترة الانتقالية.
لكن قرار العودة ليس سهلا بالنسبة للأسر الكبيرة، خاصة القادمين من مناطق شهدت دمارا؛ بسبب العمليات العسكرية طوال السنوات الماضية.
يذكر أن 40 % من المسجلين بالمفوضية عامة، هم أطفال دون السادسة عشر.
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في سوريا 2011، تحفظ كثير من القيادات الدرزية بمن فيهم الزعماء الدينيين والروحيين عن الإعلان عن موقفهم، مدح عدد منهم البعث، وإن حدث بعد اشتداد المعارك وتضرر الكثير من المناطق بمن فيها مناطقهم أن خاطب بعض زعماء الطائفة الدرزية في 2015 ممثلي وسائل الإعلام العربية، وأعربوا علناً عن معارضتهم لنظام الأسد.
وبموجب مذكرة تفاهم وقعتها الحكومة المصرية العام 1954 مع الأمم المتحدة، تقــدم المفوضيــة خدمــات الحمايــة، بمــا فــي ذلــك جميــع الجوانــب الخاصــة بالتســجيل والوثائــق وتحديــد وضــع اللاجئ.
ومنذ نهاية الثمانينات، كان هناك زيادة في أعداد اللاجئين القادمين من السودان ودول القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، ثم العراق ما بعد حرب العام 2003.
أما في تركيا، حيث يوجد نحو 3 ملايين ونصف لاجئ سوري، مسجل حسب إحصائيات يناير 2023، فقد بثت قناة TGRT Haber التركية الأحد، مشاهد للاجئين سوريين، يعربون عن نيتهم العودة لبلادهم شاكرين الدولة المضيفة.
وظهر مقطع بقناة أخرى لسوريين في كهرمان مرعش، يقول أحدهم: شكرا تركيا، لقد اهتمت بنا لمدة 13 عاما. سوف نذهب، وسنكون في انتظاركم في سوريا.
وأفادت تحديثات ميدانية، أن هناك طوابير على حدود البلدين صباح مساء.
لكن يبدو أن سلطات المعابر والجمارك التركية تسمح لهم بالعبور، طالما ليس لديهم أي ديون مستحقة للدولة، مثل غرامات الإقامة أو الضرائب.
كما ذكر مراقبون، أن مغادرتهم مشروطة بتأشيرها كعودة نهائية، مما يؤدي إلى إلغاء وضعهم كلاجئين، لكن لا يوجد ما يوثق هذا على هوياتهم، منذ عام 2012 زادت موجة القدوم السوري واللجوء بمصر؛ إذ ارتفع العدد المسجل نهاية العام 2012 من نحو 12.800؛ ليصل لأكثر من 130 ألفا.
وبحسب المفوضية، ومن حيث المبدأ، فإن العودة الطوعية من مصر ممكنة في أي وقت، إذا تبين أن الظروف في البلد الأصلي آمنة..
وتضيف المفوضية: أنه يجب أن تتم العودة الطوعية دائمًا بأمان وكرامة، وأن تستند إلى قرار مستنير: ستزودك المفوضية بالمعلومات حول الظروف في بلدك.
وتنصح المفوضية من يفكر في العودة إلى وطنه، بالاتصال بالمفوضية عبر خط المساعدة مسبقا.
وبوسع المفوضية المساعدة في مرحلة ما قبل المغادرة: التأكد من أن عودتك تتم في ظروف السلامة والكرامة والأمان ومساعدتك في التخطيط لرحلة العودة.
أما بخصوص تكاليف النقل، تقوم المفوضية في مصر بحجز تذاكر الطيران، كما تقدم مساعدة نقدية لتغطية النفقات الأساسية والسفر داخل بلدك الأصلي؛ وصولا لمناطق سكناهم أو أماكن آمنة.
وفي الأردن، بدأ عشرات السوريين بالمغادرة إلى سوريا، حسبما رصد مراسل حسنى قبل قليل من معبر حدود جابر.
ويستضيف الأردن أكثر من 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية في 2011، بينهم أكثر من 628 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية.
وخلال انعقاد منتدى الدوحة 2024، وقّعت قطر الخيرية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اتفاقيتين لدعم أكثر من 18,000 لاجئ في كل من الأردن وإثيوبيا.
وستساهم هذه المبادرة السخية في تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين السوريين في الأردن، بما في ذلك توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية.
من ناحيته، قال وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، في تصريحات متلفزة، إنّ الحل يكون في عودة اللاجئين السوريين الطوعية إلى بلدهم عند استقرارها.
وجدد التأكيد على وقوف بلاده مع الشعب السوري في جهوده؛ لإعادة إعمار بلده مبينًا، أنّ الأردن يريد اليوم سوريا آمنة مستقرة.