تحت عنوان “سوريا في مفترق طرق”، نظمت مكتبة البلد ندوة في مقرها بالقاهرة، أمس الأحد، لمناقشة تطورات الأوضاع في سوريا، وانعكاساتها الإقليمية والدولية.

ضمت منصة الندوة الكاتب والمحلل السياسي إلهامي المليجي، والسفير يوسف مصطفى زادة مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وقنصل مصر الأسبق في سوريا، والكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو الذي تطرق إلى مجمل الوضع السوري، وتحدث عن المكون الكردي ودوره.

قدمت الندوة وأدراتها سحر عبد الرحمن نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام، التي أكدت أن الأزمة السورية تتصدر اهتمامنا جميعاً، وتفرض العديد من التساؤلات حول مستقبل هذا البلد المهم، وإلى أين يتجه، في ظل وجود الإدارة الحالية التابعة لهيئة تحرير الشام، وهي الأسئلة التي وجهتها للمتحدثين الرئيسيين.

مصر والتعامل مع الأزمة السورية

تحدث أولا السفير يوسف مصطفى زادة، الذي استعرض جانبا من تجربته الشخصية خلال فترة عمله قنصلاً لمصر في دمشق في التسعينيات، وكيف تعرض لتجربة قاسية، عندما سرق منزله في وضح النهار، وضربت سيارته؛ فكسر له ضلعان، نتيجة نشاطه الملموس، موجهاً انتقادات شديدة للقمع الذي كان يتسم به نظامي حافظ وبشار الأسد.

ثم انتقل إلى الحديث عن الدبلوماسية المصرية والتعاطي مع الأزمة السورية، ليقول إن مصر تتعامل بهدوء مع الوضع في سوريا، عكس كثير من الدول الأخرى.

وأضاف: لم تبعث القاهرة وفداً إلى دمشق، وإن كنا شاركنا في المؤتمرات التي عقدت حول سوريا، وأرسلنا طائرة مساعدات، وتم الاكتفاء رسمياً باتصال بين وزير الخارجية المصري ونظيره في الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام.

واعتبر أن هذا الموقف يعود إلى أن مصر لديها تحفظات في بعض الأمور؛ مثل ظهور الإرهابي المصري أحمد المنصور في سوريا، وكذلك بعض القيادات الإخوانية الأخرى، كما أن مصر حاربت الإرهاب على مدار السنوات الماضية، ولهذا فإن مصر تختلف عن غيرها من الدول في التعامل مع الإدارة الجديدة بدمشق.

وقال إن إدارة هيئة تحرير الشام سلمت لمصر بعض المطلوبين، وهناك اتصالات تجري، دون أن يتم الإعلان عن ذلك، كما تم منع بعض الذين يحرضون ضد الدولة المصرية من الدخول للأراضي السورية، وبالتالي، فإن هذه الإدارة قامت ببعض الأمور الجيدة، لكن القاهرة لا تزال تتعامل مع الأوضاع بترو.

التحديات الداخلية في سوريا

انتقلت الكلمة إلى الكاتب والمحلل السياسي إلهامي المليجي، الذي ناقش التحديات الداخلية التي تواجه سوريا، معتبراً أن الفترة الأخيرة في عمر الدولة السورية هي الأصعب منذ الاستقلال، وتتطلب جهوداً كبيرة لتجاوزها على صعيد توافر الإرادة الداخلية، وكذلك الحاجة إلى الدعم الدولي والإقليمي.

وأضاف المليجي، أن سوريا أمام تحديين رئيسيين على المستوى الداخلي؛ هما إعادة الإعمار، وإتمام المصالحة الوطنية، مشدداً على أن أياً منهما لا يمكن أن يتم دون الآخر، خاصة عندما يتعلق الأمر بتطوير البنية التحتية في بعض المناطق التي شهدت توترات أخذت طابعاً طائفياً.

ملف إعادة الإعمار

وعن ملف إعادة الإعمار، قال إن هناك تحديات كثيرة، منها البنية التحتية، إذ أن 70% من سوريا تم تدميره بالكامل، ناهيك عن التدمير الجزئي.

 أما اقتصادياً، فقد انكمش الاقتصاد بمعدل 50%، فيما تجاوزت نسبة البطالة 50%، كما أن 90% من السكان يعيشون على المساعدات.

وواصل المليجي حديثه عن التحديات التي تواجه ملف إعادة الإعمار في سوريا، مشيرا إلى أن هناك إشكالية تتعلق بالتمويل؛ إذ تحتاج سوريا إلى 400 مليار دولار على الأقل، في ظل ضعف الموارد الداخلية، كما أن العقوبات الدولية، وخاصة قانون قيصر، عطلت التدفقات المالية، ثم يأتي تحد آخر يتعلق بترتيب الأولويات لتحديد المناطق الأكثر احتياجاً لإعادة الإعمار.

الحاجة إلى مصالحة وطنية

وانتقل إلهامي المليجي، للحديث عن المصالحة الوطنية، مؤكدا أنها الأساس لتحقيق الاستقرار، ومن ثم فتح الطريق أمام الديمقراطية، مشيراً إلى أن هذا الملف تواجهه تحديات تتمثل في الطائفية، فسوريا بلد يتكون من مزيج من العرقيات والقوميات والطوائف، مشيراً إلى أن هناك مؤشرات حالية يمكن أن تؤدي إلى وقائع كارثية.

وأضاف أن ملف المصالحة الوطنية يصطدم بانتشار الفصائل المسلحة، وهذا تحد حقيقي؛ فتغيير الجولاني ملابسه، لا يعني انتفاء وجود هذه التنظيمات، كما أن هناك صراعات بين هذه التنظيمات المسلحة المختلفة، وداخل هيئة تحرير الشام نفسها.

واقترح المليجي مجموعة من الحلول للتعامل مع هذا الوضع، حيث دعا إلى ضرورة المضي قدماً في إطلاق حوار وطني شامل، مشيراً إلى أن سلطة الأمر الواقع في دمشق، قالت إنها ستبدأ حواراً وطنياً ولم تبدأ، كما أن هناك تغييب للكيانات السياسية الفاعلة والمعارضة الوطنية.

ودعا الأطراف الدولية والإقليمية، إلى أن يكون لها دور إيجابي، فضلاً عن الحاجة إلى عدالة انتقالية تسير وفق ضوابط القانون، مؤكداً الحاجة إلى إنشاء لجان لتقص الحقائق كتلك التي كانت في جنوب إفريقيا، ويجب أن تكون هناك ضغوط لإتمام المصالحة الوطنية.

وأشار المليجي، إلى فلسفة الأمة الديمقراطية للمفكر عبد الله أوجلان، التي يؤكد أنها تقدم أفكاراً إيجابية، يمكن أن تساعد في مواجهة وعلاج كثير من التحديات والإشكاليات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، بما تحمل من دعوات للعيش المشترك، وإقامة دولة تضمن الحقوق لكافة المكونات.

زلزال استراتيجي ووضع غامض

انتقلت الكلمة إلى الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو، الذي وصف ما حصل في سوريا بـ”الزلزال الاستراتيجي”، مؤكداً أنه يأتي امتداداً لكثير من التطورات التي تشكل إرهاصات الترتيبات الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بداية من حرب الخليج، ثم حرب غزة ولبنان، والأمر مرشح للوصول إلى مناطق أخرى مثل العراق وقبرص.

ويرى شيخو، أن أزمة سوريا تعود إلى إشكاليات في بنية النظام السياسي على مدار الـ100 سنة الماضية، وما تمخضت عنه اتفاقيات، مثل سايكس– بيكو ولوزان، على نحو لم يراعي طبيعة البنية الاجتماعية، ومن ثم فإن سوريا بحاجة إلى امتلاك القدرة على بناء نظام سياسي يستوعب كل المكونات.

واعتبر شيخو، أن الوضع في سوريا حالياً غامض، فلا يوجد إعلان دستوري، ولا يوجد قانون، وكذلك هناك إشكاليات في بناء المؤسسات، منوهاً إلى أن العقلية التي تدير البلاد حالياً من “قصر الشعب” أعطت رسائل، تثير القلق على الصعيد الداخلي، فيما يتعلق بملفات الإرهاب واستيعاب المكونات الأخرى، وكذلك ما يتعلق بالمضي قدماً في الحوار الوطني.

المكون الكردي ودوره

انتقل شيخو في المحور الأخير من كلمته للحديث عن المكون الكردي ودوره، ليقول إن الحدود السورية– التركية الحالية رسمتها اتفاقية أنقرة سنة 1921، والتي تمت بين تركيا وفرنسا، ووضعت جزءاً من الشعب الكردي ضمن الدولة السورية، كما وضعت أراض سورية تحت السيادة التركية.

ويضيف شيخو، أن المكون الكردي لعب دوراً مهماً من أجل استقلال سوريا، وهناك شخصيات شهيرة، مثل يوسف العظمة الذي كان أول وزير سوري للدفاع، واستشهد في مواجهة الجيش الفرنسي الذي قدم لاحتلال سوريا ولبنان سنة 1920، وإبراهيم هنانو الذي كان أحد أبرز قادة الثورة السورية في مواجهة الاحتلال الفرنسي.

وأشار إلى أنه كان هناك استيعاب للكرد عند بناء الدولة السورية، لكن لاحقاً تم تهميشهم، ثم ظهر دورهم مجدداً في مواجهة الإرهاب وتنظيم داعش الإرهابي، وظهور الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وما لعبته من دور في مواجهة هذا التنظيم والحفاظ على التماسك الاجتماعي في تلك المنطقة، كما أنها في حوار الآن مع الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، من أجل الوصول إلى صيغة توافقية تحافظ على البلاد وتبعدها عن الصراعات.

ويدلل شيخو على دور الكرد، بأن دولة مثل تركيا رغم حربها ضد هذا المكون لنحو 100 سنة، إلا أنها الآن تتفاوض مع المفكر عبد الله أوجلان، واختارت الآن أن تسعى للسلام.

 ونوه إلى أن بعض الأصدقاء العرب يعتقدون، أن الكرد يريدون الانفصال وضد وحدة الدول، وهذا غير صحيح، مشدداً على أن الكرد لديهم رؤية لحل قضيتهم في إطار دولة ديمقراطية ذات مؤسسات وطنية، تستوعب الجميع.