كتبت- إيمان رشدي

ثلاث ساعات ونصف الساعة، مدة الجلسة التي تم تخصيصها لمناقشة ملف مصر الحقوقي، ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، UPR، أمس الأول الثلاثاء 28 يناير 2025 بقصر الأمم المتحدة بجنيف بمشاركة 137 دولة، قدمت 366 توصية، سيصدر بها وبمجريات الجلسة تقرير رسمي غدا الجمعة 31 يناير 2025.

امتد النطاق الجغرافي لدول التوصيات من النرويج شمالا، وحتى النيجر في قلب إفريقيا، وتنوعت محاور ارتكاز تلك التوصيات، بقدر تنوع الرؤى التي انطلقت منها.

ففي حين استدعت إيطاليا في توصياتها حادث مقتل الطالب جوليو روجيني بعد عشر سنوات من وقوعه، لتوصي بتعزيز  الجهود الرامية إلى منع ومكافحة جميع أشكال التعذيب وسوء المعاملة، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، بما في ذلك مرتكبي “القتل الوحشي لريجيني”.

في حين جاءت توصية المملكة المتحدة، بأن يضمن قانون الإجراءات الجنائية الجديد معايير المحاكمة العادلة، وينهي ممارسة التدوير.

وبين هذا وذاك، احتل ملف “الإعدام ” موقعا رئيساً، في توصيات أغلب الدول التي تحدث ممثلوها أمس.

وخلال الجلسة ذاتها، أشادت 15 دولة بالاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان بينها، فرنسا، الأردن، السعودية، الإمارات، الجزائر، البرازيل، الصين، روسيا، الهند، موزمبيق، أوكرانيا، كوريا الشمالية، الكونغو الديمقراطية، والسنغال.

بدأت الجلسة بإلقاء رئيس الوفد المصري وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي بيان مصر، بينما توزعت كلمات أفراد الوفد المصري، على الجلسة بين كلمات مندوبي الدول المشاركة.

تنوعت التوصيات على الملفات الحقوقية المختلفة، وتناولت حرية الرأي والتعبير وأوضاع أماكن الاحتجاز، وكذا مناهضة التعذيب وإلغاء عقوبة الإعدام أو قصرها على الجرائم شديدة الخطورة. 

إضافة لتوصيات أخرى تتعلق بحقوق النساء، بما يضمن مكافحة العنف ضد المرأة، والحقوق والحريات المتعلقة بالنوع، وحقوق الأقليات، واللاجئين والمهاجرين، وقمع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المصريين بالخارج.

توصيات متعلقة بالمجال التشريعي والالتزامات الدولية

جانب من جلسة الاستعراض الدوري الشامل
جانب من جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي

فيما يتعلق بالإطار التشريعي، طلبت توصيات قبرص، الدنمارك، كرواتيا، ساحل العاج، النظر في التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والحاجة الملحة لضرورة اعتماد تعريف للتعذيب، يتوافق مع المادة الأولى من الاتفاقية، والتصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 لمكافحة العنف والتحرش في أماكن العمل.

وأيضاً اتخاذ خطوات جادة، فيما يتعلق بالتصديق على اتفاقية حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، وإعادة النظر مرة أخرى في التحفظ على نص المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة- السيداو-

بالإضافة للتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

وفيما يتعلق بالإطار التشريعي الداخلي، أوصت ليتوانيا بتحديث الإطار التشريعي المتعلق بعمل المنظمات غير الحكومية، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية، بالتعاون الوثيق مع المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين.

وهو ما يستوجب مراجعة القانون رقم 149؛ بهدف إزالة المتطلبات غير المبررة في تسجيل منظمات المجتمع المدني وتشغيلها.

وأعلنت بلجيكا توصياتها بضمان توافق جميع القوانين المؤثرة على المدافعين عن حقوق الإنسان مع المعايير الدولية، عبر تعديل قوانين، مثل مكافحة الجرائم الإلكترونية والإعلام ومواءمة تعريف الإرهاب في القانون رقم 94 لسنة 2015 مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

توصيات متعلقة بالحقوق والحريات الأساسية

مصر تشارك في جلسة الاستعراض الدوري الشامل بجنيف
مصر في جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي بجنيف

أوصت دولة كينيا بضرورة النظر في توسيع آليات تقديم الشكاوى الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، وإلغاء أو تعديل القوانين التي لا تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مثل قانون العمل المدني، وقانون الجرائم الإلكترونية.

فيما أوصت نيوزلندا والتشيك والرأس الأخضر والبرازيل بإصلاح القوانين التي تُستخدم لتقييد الحريات، خاصة ضد الناشطين والنساء ومجتمع LGBTIQ+.

وتأمين بيئة آمنة لعمل المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني وحماية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

كما أشارت هولندا في توصيتها لضمان حرية الرأي والتعبير على الإنترنت وضمان الوصول للمعلومات وضمان عمل المدافعين، دون خوف وتمكين جميع المصريين من الوصول إلى معلومات مستقلة مجانية مع ضرورة سن قانون، يضمن منع استخدام برامج التجسس.

عقوبة الإعدام… وقف التنفيذ تمهيدا للإلغاء

أشارت مداخلات بعض الدول إلى عقوبة الإعدام، مطالبة بضرورة احترام الحق في الحياة وعدم تطبيقها.

وطالبت البرازيل بالتصديق على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام.

بينما تضمنت توصيات أخرى تعليقها، تمهيدًا لإلغائها، خاصة بالنسبة للأطفال أو تحديدها للأخطر من الجرائم، وجاءت من سويسرا.

وطالبت ألمانيا والنرويج وسيراليون بوقف مؤقت لعقوبة الإعدام، أما لوكسمبرج، فأوصت بتخفيفها من أجل إلغائها، بينما أوصت إيطاليا بوقفها نهائيا ومراجعة الأحكام الصادرة، مع مطالبات بضمان توافر محاكمات عادلة.

التوصيات المتعلقة بأماكن الاحتجاز… التوافق مع قواعد نيلسون مانديلا

شملت التوصيات فيما يتعلق بالعدالة وحقوق السجناء تحسين ظروف السجون واتخاذ التدابير والإجراءات؛ لتحسين الظروف داخل أماكن الاحتجاز وإجراء تحقيقات وملاحقة المسؤولين في السجون وأماكن الاحتجاز في حال المعاملة السيئة أو استخدام القوة، وضمان المحاكمات العادلة وإطلاق سراح المحتجزين قسريا، ومنع كافة ممارسات الاختفاء القسري وضمان حق جميع المحتجزين في التواصل مع محاميهم وعائلاتهم، وتلقي الرعاية الصحية وفقًا لقواعد مانديلا وبانكوك.

وأوصت لوكسمبورج والمملكة المتحدة بالإفراج عن سجناء الرأي، خاصة للناشط علاء عبد الفتاح.

مع ضرورة التزام قانون الإجراءات الجنائية الجديد بمعايير المحاكمة العادلة، وإنهاء ممارسة “التدوير” في الحبس الاحتياطي.

 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة العنف ضد المرأة

تلقت مصر توصيات بتحسين أنظمة التعليم والصحة والحق في تأمين صحي شامل، وخاصة في المناطق النائية، وللأطفال من الأقليات وذوي الإعاقة والتركيز على تحسين الأوضاع الاقتصادية، بما يضمن حقوق الفئات الأفقر، وهو ما يستوجب النظر في سن تشريع لحماية حقوق العمال المنزليين ومنع استغلالهم.

وبينما أثنى عدد من الدول على الخطوات المتخذة بصدد العنف ضد المرأة، وضمان تمكين المرأة في الحياة السياسية والنيابية، بما يوفر بيئة عمل آمنة؛ فأوصت عدد كبير من الدول بمواصلة هذه الجهود، وتعزيز جهود مكافحة العنف على أساس النوع والجنس.

إضافة لاتخاذ جميع التدابير التشريعية والتشغيلية اللازمة لضمان المساواة في الأجر بين الرجال والنساء في ظروف عمل مماثلة.

 وسرعة إصدار قانون يجرم الاغتصاب الزوجي، ويحد من ارتكاب جرائم الشرف.

جانب من جلسه الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي بجنيف 2025
جانب من جلسه الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي بجنيف 2025

وشملت التوصيات مكافحة عمالة الأطفال، بما يضيق من استغلالهم، ويضمن وصول جميع الأطفال للتعليم الأساسي والثانوي وتقليل معدلات التسرب المدرسي، والانضمام إلى إعلان المدارس الآمنة وحقهم في البيئة الرقمية.

إضافة لتسريع وتيرة إنشاء محاكم للطفل وتعديل المادة 122 من قانون الطفل، وضمان عدم الحكم بالإعدام على أي شخص كان دون 18 عامًا عند ارتكاب الجريمة.

ملف اللاجئين.. توصيات ومخاوف

جاءت توصيات الدول خلال الجلسة، فيما يتعلق بقضية اللاجئين بضرورة ضمان امتثال قانون اللجوء الصادر في 20 نوفمبر 2024 لاتفاقية جنيف المتعلقة بوضع اللاجئين

واحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية لجميع الأشخاص الذين طلبوا، أو احتاجوا إلى الحماية الدولية، وخاصة أولئك الذين تم إيقافهم على الحدود؛ بسبب الدخول غير النظامي، بإضافة لتحسين ظروف مراكز الاستقبال وضمان الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، خاصة الأطفال.

مع الاستمرار في تنفيذ التدابير لمكافحة الإتجار بالبشر، لا سيما في إطار الاستراتيجية الوطنية الثالثة (2022-2026)، كما أشارت روسيا. كذلك أشارت التوصيات إلى أهمية تنفيذ قانون اللجوء بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين، بما يضمن أيضا توفير الحماية القانونية للعمال المهاجرين، وخاصة أولئك الذين يجري استغلالهم في القطاعات غير الرسمية ورصد مكافحة كافة أشكال استغلال العمالة.

الوفد الحكومي المصري.. تعليقات وتطمينات

في المقابل توالت ردود وتعقيبات الوفد المصري.

استعرض السفير بدر عبد العاطي وزير الخارجية أولا، وفي مقدمة الجلسة– بيانا– تضمن خمسة محاور، تشمل مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة؛ لتحسين أوضاع حقوق الإنسان منذ أخر توصيات، تلقتها بعام 2019

أبرزها اعتماد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان 2021 -2026، وإصدار مجموعة من القرارات- إلغاء حاله الطوارئ في عام 2021، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، بالإضافة لمراجعة قوائم الإرهاب، ورفع أسماء عدد من المدرجين عليها، والغلق الكامل لقضية التمويل الأجنبي المعروفة برقم 173.

كما أشار إلى تحمل مصر مسؤولية كبيرة تجاه اللاجئين والمهاجرين، حيث بلغت أعدادهم داخل الدولة 10,7 ملايين أجنبي من أصل 62 جنسية، وعبر

  • إن قدرتنا على الاستيعاب والصمود باتت على المحك، لا سيما في ظل ضعف الدعم الدولي، بما لا يتناسب مع حجم الضغوط.

“حقوق الإنسان متكاملة ومترابطة ويجب أن تكون غير مسيسة”

المفهوم شدد عليه المستشار محمود فوزي وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي الذي قال، إن الحكومة المصرية عملت على تقديم مجموعة من مشاريع القوانين التي تعتبر خطوات جيدة في مجال العدالة الجنائية كقانون الإجراءات الجنائية الذي يقلص من مدد الحبس الاحتياطي، ويضيف بدائل له، بل ويقدم تعويضات عنه.

كما تتسم الخريطة الصحفية بالتعددية، فتشمل 580 صحيفة، وأكثر من 74 قناة، وأكثر من 200 موقع، و14 شبكة إذاعية ناهيك عن التعددية الحزبية التي يكفلها القانون، فالانتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت تنافسا بين 92 حزبا سياسيا.

“لا يوجد شخص واحد محبوس احتياطي بالمخالفة لأحكام القانون بل ويتم التوسع في استخدام بدائل الحبس الاحتياطي”

ممثلي النيابة العامة في وزارة العدل المصرية خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي 2025
ممثلو النيابة العامة في وزارة العدل المصرية خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي 2025

هكذا جاء تعقيب ممثل النيابة العامة المصرية على توصيات عدد من الدول، كما أوضح أن النيابة العامة عملت على مراجعة كافة ملفات المحبوسين احتياطيا، فيما أشار ممثل وزارة العدل المصرية، أن عقوبة الإعدام عقوبة تدخل تحت عملية السيادة والهوية الوطنية، وتحدث كرد على جرائم محددة، ولها إجراءات صارمة تراعي ضمانات المحاكمة العادلة.