كتبت – إيمان رشدي
تتساءل تغـريـد جـبـر، المديرة الإقليمية لمكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، ما الذي يبرر الحكم بالإعدام أو تنفيذ تلك العقوبة تحت أي ظرف من الظروف أو بأي وسيلة من الوسائل؟
ربما دفعها للتساؤل زيارتها لإحدى غرف الإعدام، ما جعلها تقول: “شعور غريب مخيف انتابني، وأنا أدخل إلى غرفة تنفيذ أحكام الإعدام، والتي يتألف الجزء الرئيسي منها من منصة بها فتحة، ومعلق بها حبل هذا الحبل الذي يتم اختياره بعناية؛ للتأكد من أنه سينهي مهمته”.
لتردد بعد تلك الزيارة “بناءً على قناعات راسخة في وجداني، كنت وما زلت من المدافعين عن حق الإنسان في الحياة”.
تلك القناعات دفعتها لتطالب بتقنين هذه العقوبة، ووقف تنفيذها على المحكومين بها؛ لإعطائهم فرصة لعيش حياتهم دون الخوف من سلبها ولإعطائهم فرصة للتصالح مع ضحاياهم، ومع مجتمعهم ولإيجاد بدائل فعالة وعادلة لعقوبة الإعدام.
في جانب آخر من هذا العالم، لم يكن إسلام وشقيقه هشام، وكلاهما لا يتجاوز الثامنة والعشرين عاما/ ومعهما اثنان آخران، يعلمان أو يتوقعان، أن تقودهما تجارة المخدرات والبلطجة إلى حبل المنشقة، حينما وجهت لهم تهم استخدام الأسلحة النارية لترويع المواطنين في الشوارع العامة، ومنعهم من التواجد بميناء فرع رشيد بمحيط حي القشلة، وهو المكان الذي كانوا يمارسون فيه نشاطهم الإجرامي، كما وجهت لهم تهم قتل عمد بإطلاق النار عشوائيا، ما أودى بحياة الطالب أيمن في الخامس والعشرين من سبتمبر 2023.
ليصدر ضد الأربعة حكم الإعدام من محكمة جنايات فوة “الدائرة الثانية” في جلسة 22 يونيو 2024، وهو الحكم الذي صادف رضا لدى أسرة أيمن، التي صرخ أفرادها في القاعة”: نام وارتاح يا أيمن حقك رجع”.
تنشر “مصر 360” هذا التقرير كجزء من تقرير مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” السنوي لعام 2024 لحالة حقوق الإنسان في مصر، وكيفية تعامل أجهزة الدولة مع هذه الحقوق.
“عمليات قتل تعسفية تنتهك الحق في الحياة نتيجة لمحاكمات غير عادلة وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان“
بهذه الكلمات، دعا خبراء أمميون مستقلون الحكومة المصرية إلى وقف أحكام الإعدام بحق سبعة أفراد في إطار القضية المعروفة باسم كتائب حلوان.
أعرب الخبراء عن قلقهم البالغ إزاء تأكيد أحكام الإعدام في 24 يناير 2024.
سبق أن دعا الخبراء الأمميون مصر إلى تعليق عمليات الإعدام في أعقاب مزاعم متكررة عن محاكمات غير عادلة في قضايا الإرهاب، وقالوا في بيانهم: “نشعر بقلق عميق من أن هذه الحالات ليست معزولة، بل تبدو وكأنها جزء من سوء استخدام منهجي لقوانين مكافحة الإرهاب، بما في ذلك فرض عقوبة الإعدام، مما يقوض حقوق الإنسان وسيادة القانون”.
عقوبة الإعدام تمثل الصورة الأكثر انتهاكاً للحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب، أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، وكلا الحقين كفلهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 1948
وهو ما دفع خلال السنوات الماضية المجتمع الدولي إلى اعتماد العديد من الصكوك التي تحظر استخدام عقوبة الإعدام، من بينها البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، والبروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف.
فيما صدرت وثيقة تستعرض تجربة 26 دولة وثلاث من الولايات الأمريكية خلال انتقالها إلى إلغاء عقوبة الإعدام بعد استخلاص إرشادات حول طريقة إلغاء عقوبة الإعدام.
كما توجد تجارب لدول عربية، علقت العمل بعقوبة الإعدام– هي تونس والمغرب والجزائر.
مؤشرات الجريمة والعقوبة في جانب والمؤشرات الاجتماعية في الطرف الآخر
في ظل غياب رصد رسمي بالأعداد الدقيقة للأحكام الجنائية الصادرة بالإعدام من مختلف المحاكم على مستوى الجمهورية، اعتمدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في رصدها للفترة من الأول من يناير، وحتى آخر يونيو الماضي على الرصد الإعلامي اليومي لأخبار الجرائم التي يواجه المتهمون فيها أحكاما بالإعدام، إضافة للحصول على نسخ من أحكام الاعدامات تلك من قبل الأهالي والمحامين.
وخلٌص الرصد، إلى أن هناك 282 حكمًا في قضايا الاعدامات، تتضمن 48 إحالة إلى مفتي الديار المصرية بدرجتيها الأولى والثانية، و209 أحكام إعدام بدرجتيها الأولى والثانية، و21 حكما مؤيدا من محكمة النقض، وأخيرًا رُصد 4 تنفيذات لأحكام بالإعدام بحق 4 مواطنين.
واعتمدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية خلال النصف الثاني من عام 2024– من يوليو إلى ديسمبر- أحكامًا بالإعدام على 157 متهما، فضلًا عن إحالة أوراق 171 متهمًا للمفتي، و5 حالات تم تنفيذ حكم الإعدام بصددها.
ارتفاع هذه الأعداد سبق وأشارت إليه منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي الصادر عام 2024، حيث جاءت مصر في المركز الثاني بين جميع دول العالم في عدد أحكام الإعدام بإجمالي 590 حكما بالإعدام على الأقل في عام 2023 لتسبقها فقط الصين.
فيما جاءت مخرجات وتوصيات التقرير النهائي لجلسة الاستعراض الدوري الشامل المنعقدة في الثامن والعشرين من يناير الماضي، والذي تم اعتماده في السابع من الشهر الجاري بجنيف متضمنا أكثر من 370 توصية مقدمة للحكومة المصرية من قبل 137 دولة بينها 29 توصية متعلقة بعقوبة الإعدام.
هذا العدد الضخم من التوصيات عكس حجم القلق الدولي المتزايد من التوسع في عدد أحكام الإعدام الصادرة سنويا من مختلف المحاكم المصرية.
تعلقت التوصيات بتخفيض عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، وإعلان التعليق المؤقت؛ لتنفيذ تلك الأحكام؛ تمهيدًا لدراسة إلغاء العقوبة.
كذلك الانضمام للبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بشأن عقوبة الإعدام.
وقد شاركت في إصدار التوصيات عدة دول إفريقية، بينها موزمبيق وسيراليون، ليدحض “المبررات الثقافية المزعومة” التي تستخدمها الحكومة المصرية، حسب تعبير التقرير. والتي عادة ما تقصد بهذه العبارة الإشارة للمعايير الأوروبية.
عقوبة الإعدام.. 7 قوانين تقننها
سبعة قوانين تضم ما يفوق الخمسين مادة، تقنن عقوبة الإعدام، في حوالي 62 جريمة، وهو ما يمكن اعتباره “نصوصا قانونية مفرطة تفتقر لضمانات كاملة أو إجراءات تقييدية”.
ويصاحب هذا الإفراط التشريعي تخوفات من استغلال عقوبة الإعدام في أغراض غير لائقة، مثل “بث الخوف وقمع الممارسة المشروعة للحريات”.
هذا ما جاء في نص كلمة المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في حلقة النقاش رفيعة المستوى المنعقدة كلّ سنتَيْن بشأن مسألة عقوبة الإعدام، “فبراير 2023”.
تورك حذر أيضا، من أنه “في عدد من السياقات، تنطوي عقوبة الإعدام في تطبيقها العملي على التمييز، فيُحكَم بالإعدام على الأشخاص المهمّشين اجتماعيًا، بما في ذلك الأقليات العرقية والإثنية واللغوية والدينية، ومجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانية وأحرار الهوية والميول الجنسية وحاملي صفات الجنسين”.
وفي حالات أخرى، تم استخدامها لتوليد تأثير مخيف على المعارضين السياسيين أو المتظاهرين، وهو ما عبرت عنة المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، إذ قالت: نشعر بقلق بالغ إزاء عمليات الإعدام الأخيرة التي نُفذت في مصر، ودعت إلى ضرورة إلغاء تلك العقوبة.
جاء ذلك بعد تلقي تقارير عن إعدام سبعة أشخاص بعدة تتهم تتعلق بالإرهاب.
وهو ما يشكل الجانب الأخطر في استمرار المحاكم في استخدام عقوبة الإعدام في الحكم فى قضايا على خلفية وقائع عنف سياسي بالمخالفة للضمانات التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية.
حيث تستمر المحاكم في إصدار ذات العقوبة في أحكامها على عدد كبير من الجرائم، وليست فقط الجرائم الخطيرة.
وسبق أن نشر “مصر 360” تقريرا، يتضمن حصرا كاملا بالمواد والقوانين التي تصل العقوبة فيها إلى الإعدام.
اقرأ: “عقوبة الإعدام” في مصر.. 59 مادة تقود إلى “حبل المشنقة“
ففي قانون العقوبات المصري رقم ٩٥ لسنه ٢٠٠٣ المعدل بالقانون رقم ١٨٥ لسنه ٢٠٢٣ هناك ٣٧ مادة، و12 مادة أخرى بقانون مكافحة الارهاب رقم ٩٤ لسنة ٢٠١٥ وأربع مواد في قانون مكافحة المخدرات رقم ٨٢ لسنه ١٩٦٠.
بينما جاء ت عقوبة الإعدام في مادة وحيدة بكل من قانون الأسلحة والذخائر رقم ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤، وقانون تنظيم زرع الأعضاء البشرية رقم ٥ لسنه ٢٠١٠، ومادتين بكل من قانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية رقم ٧ لسنه ٢٠١٠ وقانون الطيران المدني رقم ٢٨ لسنه ١٩٨١.
وهو ما يشكل غيابا واضحا للاستراتيجية الوطنية التي تتبناها الدولة بصدد حقوق الانسان، والتي تتضمن بنودها تعزيز الحق في الحياة من خلال مراجعة الجرائم الأشد خطورة، والتي يتم معاقبة مرتكبيها بالإعدام، بما يتفق مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقـوق الإنسان التي صدقـت عليها مصر، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، والالتزام بما ينصه الدستور.