كتبت- دعاء عبد المنعم

180 صراعا مسلحا، شهدها العالم في العام 2024، راح ضحيتها أكثر من 100 ألف قتيل من المدنيين، و122 مليون نازح، فيما تعرض الأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف لـ 41.370 انتهاكا ، تضمنت القتل والتشويه والتعذيب، والاختطاف، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع إيصال المساعدات الإنسانية ، ليدخل العام 2024 التاريخ، باعتباره العام الأسوأ فيما يتعلق بحقوق الأطفال.

 بحسب  تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، صدر مؤخرا، شهد عام 2024 العدد الأكبر من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال ضحايا النزاعات المسلحة منذ ما يقرب من 30 عامًا، بزيادة 25% مقارنة بعام 2023.

أظهر التقرير، أن أكثر من 22 ألف طفل أجبروا على تعلم كيفية البقاء على قيد الحياة في ظل إطلاق النار والقصف، بدلاً من تعلم القراءة، بالإضافة إلى زيادة نسبة الهجمات على المدارس بنسبة 44 %، وزيادة الاغتصاب بنسبة 34% خلال العام الماضي.

وبالطبع، جاء أطفال قطاع غزة في مقدمة من تعرضوا لتلك الفظاعات والانتهاكات، حسب التقرير الذي أوضح استمرار التدهور في حماية الأطفال للعام الثالث على التوالي، حيث كانت أكثر الدول والمناطق التي شهدت أفدح الانتهاكات ضد الأطفال في عام 2024، هي: فلسطين، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال ونيجيريا وهايتي.

التقرير الأممي رصد حدوث انتهاكات خلال العام الماضي، ضد أكثر من 8500 طفل فلسطيني، وسجل التقرير قتل 752 طفلًا وتشويه 987 آخرين في السودان، بينما تعرض 1205 أطفال بسوريا، و504 طفلًا يمنيًا، و628 طفلًا لبنانيًا إلى انتهاكات متعددة.

أعداد غير مسبوقة ونزاعات مدمرة

جاء التقرير كجرس إنذار ليحذر من ارتفاع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، داعيا المجتمع الدولي إلى ضرورة التحرك لحماية الأطفال، وحث أطراف النزاعات المسلحة إلى إنهاء الحرب على الأطفال، ومنع القتل والعنف ضدهم.

كما طالب بمنع تجنيد الأطفال، وإطلاق سراح جميع الأطفال المحتجزين والامتثال لجميع الاتفاقيات والقوانين الدولية المتعلقة بحماية الأطفال والحفاظ على حقوقهم.

تقول مظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إن آثار النزاعات والصراعات على الأطفال وصلت إلى مستويات مدمرة قياسية في عام 2024،

 وأشارت إلى أن عام 2024 هو أحد أسوأ الأعوام في تاريخ اليونيسف للأطفال في النزاعات، حيث يعيش أكثر من 473 مليون طفل حاليًا في مناطق النزاعات المسلحة، بزيادة تبلغ نسبتها  مقدار الضعفين عنها في عقد التسعينيات من القرن الماضي، ويقدر أكثر من 50 مليون طفل في هذه المناطق غير ملتحقين بالمدارس، وخاصة في فلسطين والسودان والكونغو الديمقراطية.

بينما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، إن هناك أكثر من 18 ألف طفل جرى قتلهم في قطاع غزة والضفة الغربية منذ العدوان الإسرائيلي على فلسطين عام 2023 وعشرات الآلاف من الأطفال المفقودين.

وفي السودان يشكل الأطفال نصف الأشخاص المحتاجين للمساعدة الإنسانية، والبالغ عددهم 30 مليون، ويشكلوا نصف النازحين والبالغ عددهم 12 مليون، وهم في حاجة ماسة إلي خدمات الحماية، ولكن بسب النقص الحاد في التمويل، لا يحصلون سوى على أقل من 18% من الدعم في هذا العام.

ولا يتجاوز تمويل أنشطة حماية الطفل في هذا البلد العربي الإفريقي 3% من المخصصات المطلوبة، مع وجود فجوة تُقدر بـ88 مليون دولار عن المبلغ المطلوب، كما تم تسجيل أكثر من 60% من إصابات مرض الحصبة للأطفال دون الخامسة.

مسئولية قانونية وأخلاقية

رغم توافر القواعد الدولية المتعلقة بحماية الأطفال، لم تمتثل أطراف النزاعات المسلحة لهذه القواعد أثناء الصراع، بل ارتفعت وحشية الانتهاكات ضد الأطفال هذا العام، وأصبحت اليوم الأوضاع مزرية بحق الآلاف من الأطفال.

وقد ألزمت بعض القواعد القانونية المجتمع الدولي والدول الأطراف بحماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة والحروب، وعدم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة، وحمايتهم أثناء المشاركة، وأخذ التدابير الممكنة لضمان حماية ورعاية الأطفال أثناء النزاع، وجاء تأكيد على ذلك في المادة 38 من اتفاقية الأمم المتحدة بحقوق الطفل، وفي المادة الرابعة من البرتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة، وكذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي أكد أن تجنيد الأطفال بدون الخامسة عشرة يعتبر انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف، واتفاقيات جنيف الأربعة، والقانون الدولي الإنساني، وأن حماية الأطفال في الحروب هي مسئولية قانونية وأخلاقية.

واتهمت لجنة أممية في سبتمبر الماضي، إسرائيل بارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقية حقوق الطفل، ووصفت اللجنة الانتهاكات، بأنها من أسوأ ما تم تسجيله في التاريخ الحديث، والتي خلفت آثارا كارثية على الأطفال، رغم أن إسرائيل من الدول المصدقة على الاتفاقية، وكان الرد الإسرائيلي أن الاتفاقية لا تنطبق على غزة والضفة الغربية.

المناخ… خطر آخر

في سياق مواز حذرت منظمات دولية، من أن أزمات المناخ والتغير البيئي الذي يشهده العالم اليوم لا يقل خطورة عن النزاعات المسلحة، حيث يعيش نصف أطفال العالم في بلدان تواجه مخاطر مناخية عالية ومنها انتشار التلوث، وموجات الحرارة الشديدة والفيضانات والجفاف الشديد وحرائق الغابات، وتسبب الأزمات المناخية مخاطر وكوارث تؤثر على الأمن الغذائي والمحاصيل الزراعية، والتي تؤثر على صحة الأطفال في مرحلة تكوين نموهم وأجهزتهم المناعية، بالإضافة إلى إغلاق المدارس وحرمان الأطفال من التعليم، لذا دعت هذه المنظمات المجتمع الدولي إلى إعطاء الأولوية لصحة الأطفال في سياسات المناخ.

وفي ظل انخفاض الحاد في التمويل تعجز المنظمات الإنسانية عن تلبية احتياجات الأطفال الإنسانية، وخاصة مع ارتفاع تهديدات النزاعات المسلحة في العالم ومخاطر التغير المناخي، وتخلق هذه التحديات أزمات جديدة قد تعرض حياة الملايين من الأطفال إلى الخطر، إذا لم يتم التحرك السريع لإنقاذ الأطفال، وإيجاد الحلول المناسبة.