بيبو يعتزل الأهلي…. ونحن نصنع الطغاة!!

حسنا إليك النبأ المهم، الذى تعرفه مسبقا: نحن شعب، يجيد صناعة الطغاة والديكتاتوريين.

أما النبأ غير السار، فهو أن بيبو المعروف باسم محمود الخطيب، معشوق المصريين ورمز الحرفنة في لعبة كرة القدم، قد قرر اعتزاله رئاسة النادي الأهلي.

ثمة مقارنة لا تصلح ها هنا، لكن يتعين الانتباه إليها.

بَيْد أننا في حاجة إلى رؤية متمعنة في المشهد التالي: جمهور الأهلي ومشجعوه يحاصروا مقره في الجبلاية؛ لمطالبة بيبو بالاستمرار كرئيس.

الرجل الذي طلب بكامل إرداته، وبملء فمه الاعتزال لظروفه الصحية، بات في مشهد عبثي قريب الرمزية بمشهد التنحي الشهير.

نعم، إنه تنحي، لكن من نوع آخر، ولا علاقة له إلا في مخيلتك، بلحظة خروج المصريين رفضا لتنحي رئيسهم المحبوب وقائدهم المهزوم عسكريا ونفسيا، تحت وطأة أقسى هزيمة في تاريخ البلاد.

قل في جمال عبد الناصر ما شئت، فهو أيضا لعب كرة القدم سياسيا..

تلك أسطورة ما جرى ويجري في بلادنا التي تعيش نخبتها أزمتها الكبرى والأعظم..

هذه المرة لن تردد الجماهير الغاضبة والمذهولة من وقع ما حدث، وهول الفاجعة، علانية ما فعلت عام 1967 هتافها الشهير ” البذيء” .

لكنها بشكل أو بآخر، ستفعل أو هكذا يُنتظر..

سيعود بيبو إلى رئاسة الأهلي، أو لا يعود، فتلك ليست المعضلة…

لكننا، وعودا على بدء، نحتكر وعن جدارة فن صناعة الطغاة..

نرفض رحيل رجل، قدم كل ما لديه، ولا نرغب في تجربة آخر، كأن من نعرفه، أحسن مما لا نعرفه..

نحن أيها السادة، شعب يطالب بالتغيير والحرية، لكنه لا يمارسهما.

نطالب بتداول السلطة، لكننا وفي أول منعطف نمسك بتلابيب القائد كالأطفال، نتوسل ونبكي ونرجو ألا يفعل، ما ينتويه وما هو ضروري وبديهي في حياة الأندية والشعوب…

في بيانها، سجلت إدارة النادي نصا: “رفضها ابتعاد الكابتن سواء في الوقت الحالي أو اللاحق؛ لأن الأهلي في حاجة شديدة إلى قيادته لمقاليد الأمور، نحو المزيد من الإنجازات”!!

ألم أقل لك بداية، نحن نصنع الطغاة، ولربما أيضا نعطي لمن أعطوا رغما عنهم، مثالا على قدرتنا على تحويلهم دون إرادتهم إلى ديكتاتوريين.

القصة في الأهلي معبرة للغاية وأليمة جدا مع ذلك..

تلك النخبة، التي تدير، لا تستطيع أن تتخيل نفسها بعيدة لحظة واحدة عن قائدها..

لم تبلغ سن الفطام بعد، ولا زالت لم تقطع حبلها السُري معه من لحظة الميلاد إلى الآن..

سلام على الخطيب متى لعب ومتى اعتزل.

ولا سلام على نخبة، تمنحنا نموذجا، لا نريده، ولسنا في حاجة ماسة وبائسة وضرورية إليه.

لا تقف الأندية ولا الدول ولا الشعوب على شخص القائد..

ففي لحظة الضرورة، يظهر مرشحها وقائدها..

على أن ما يحدث يقول باختصار، إننا لا نفقه فن الإدارة، ولا زال العقل مغيبا لصالح العواطف..

لا زلنا أطفالا، نبكي لحظة رحيل القائد، كأن لا غيره سيكون..

وكأننا أمة ابتليت بالعجز وفقر الفكر…

الخوف من الفراغ، وهم اخترعناه، لنبقي القائد حتى وهو يطلب الإعفاء بنفسه..

نستبقي الحالي المألوف؛ خوفا من البديل المجهول، الذي يترصدنا، والمعلوم بالضرورة الذي نرجوه…

تلك لحظة فارقة للغاية، عندما تتحول رئاسة نادي إلى أزمة وطنية..

نحن نقول للقائد، وللرئيس في النادي والدولة، اثبت مكانك ولا تتهرب، حتى لو كان الثمن عمرك وصحتك!!.

نحن نستبقيك أيها البيبو، فلا ترحل ولا تدفعنا لترديد هتاف التنحي!!.

تقول إدارة الأهلي باختصار وعن عمد، وسبق إصرار وترصد، أنها فاشلة وبلا مستقبل، إن غاب الخطيب، وناجحة فقط متى حضر، وتمسك بمقعده..

لا بديل، ولا نقبل بالبديل، حتى ولو هبط علينا من السماء..

نعيد إنتاج القائد في أزمته..

يذخر التاريخ في كرة القدم، كما السياسة بنماذج هائلة لأندية عالمية، ودول عظمى نجحت في تداول القيادة بسلاسة عبر تغيير الرؤساء بانتظام، دون التأثير على إنجازاتها، معتمدة فقط على هياكل إدارية قوية، ورؤية تطارد النجاح رغم تغيير القادة، إلا في مصر.

من المدهش، أن الأهلي عرف منذ تأسيسه 1907، 15 رئيسًا فقط، معتمدا على فترات طويلة، أبرزها صالح سليم بسنوات رئاسته الـ18، بينما قدم “ريال مدريد” نموذجا مختلفا، بـ18 رئيسًا عبر فترات أقصر لا تتجاوز 6 سنوات، وحقق تحت انتخابات ديمقراطية 34 لقبًا برئاسة فلورنتينو بيريز، حتى في ظل ديكتاتورية الجنرال فرانسيسكو فرانكو، جلاد إسبانيا الأشهر.

لم ينجح الخطيب في صنع قيادة من بعده، بل حملها على أكتافه المثقلة بالأوجاع.

لدى الأهلي أزمة إدارة، ولدى بلادي أيضا..

لكن تلك قصة أخرى، كما يقولون!! بيد أني وللعلم عزفت عن مشاهدة مباريات الأهلي، منذ اعتزل الخطيب الحريف الذي لن يتكرر!!