لم يكن الجدل الذي أثير حول سلامة مياه شركة نستله ومطابقتها للمواصفات بمصر مؤخرا، الجدل الأول، ولن يكون الأخير، الذي يمس سمعتها وسلامة منتجاتها، فالشركة التي تتربع على عرش صناعة الأغذية والمشروبات عالميا لها سجل طويل في هذا المضمار، وواجهتها العديد من الفضائح والأزمات عالمًيا والتي خرجت منها مثل الشعرة من العجين، خاصة بالدول النامية.

الشركة التي تبيع سنويا ما قيمته 100 مليار دولار من القهوة والألبان وغذاء الحيوانات الأليفة، والعديد من المنتجات الأخرى، تحولت على مدار ٥٠ عاما، إلى تكتل عملاق له أذرع في العديد من المجالات، وتبيع في 185 دولة، وطالتها اتهامات تبدأ من مواصفات منتجاتها من المياه واللبن، وحتى “سُخرة عمالة الأطفال“.

منتجات تضر بالأطفال 

يُعد حليب الأطفال من أكبر منتجات نستله وأكثرها إثارة للجدل، بعدما استطاعت على مدار عقود خلق ثقافة بأن حليب الأطفال أفضل للرضع من حليب الأم في الدول النامية.

خلال سبعينيات القرن الماضي، أرسلت بائعات يرتدين زي ممرضات لإقناع الأمهات، بأن حليب الأطفال المباع أفضل لأطفالهن من حليب أمهاتهن المجاني، ودفعت أموالًا للأطباء والمستشفيات لتعزيز ادعاءاتها الزائفة، وجنت مليارات الدولارات من وراء ذلك.

أمام ذلك، أوصت جمعية الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (الهيئة الإدارية لمنظمة الصحة العالمية) في عام ١٩٨١، باعتماد مدونة سلوك دولية لتنظيم ترويج وبيع بدائل حليب الأم.

قبل شهور، تبين أن شركة نستله، تضيف السكر والعسل إلى حليب الأطفال ومنتجات الحبوب التي تباع في العديد من البلدان الأكثر فقراً، على عكس الإرشادات الدولية التي تهدف إلى منع السمنة والأمراض المزمنة.

وأرسل نشطاء من منظمة Public Eye، وهي منظمة تحقيقية سويسرية، عينات من منتجات أغذية الأطفال التي تنتجها الشركة المتعددة الجنسيات، والتي تباع في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى مختبر بلجيكي للاختبار.

نيدو وسيريلاك ونستله

كشفت النتائج وفحص عبوات المنتجات، عن وجود سكر مضاف على شكل سكروز أو عسل في عينات من نيدو، وهي علامة تجارية لحليب الأطفال الصناعي مخصصة للأطفال الرضع من عمر سنة فما فوق، وسيريلاك، وهو نوع من الحبوب للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين.

في أسواق نستله الأوروبية الرئيسية، بما في ذلك المملكة المتحدة، لا يُضاف سكر إلى تركيبات الأطفال الصغار. وبينما تحتوي بعض الحبوب المخصصة للأطفال الأكبر سنًا على سكر مضاف، لا يوجد أي سكر مضاف في المنتجات المخصصة للأطفال الرضع الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنة.

معالجات غير قانونية للمياه

تستطيع “نستله” تغطية أزماتها جيدا، ففي العام الماضي، أقرت الشركة السويسرية علنًا باستخدامها معالجات غير قانونية على المياه المعدنية، ووافقت على دفع غرامة، قدرها مليوني يورو لتجنب أي إجراءات ضدها.

يأتي ذلك، بينما كشفت لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي، بأن الحكومة الفرنسية تسترّت على قرارات، تتعلق بالمعالجة غير القانونية للمياه المعدنية التي أجرتها شركة نستله العملاقة في صناعة الأغذية، بما في ذلك علامة بيرييه التجارية الشهيرة عالميًا.

وركز تقرير اللجنة على سنوات من استخدام نستله لمعالجات؛ لتجنب التلوث البكتيري أو الكيميائي للمياه، المصنفة على أنها “مياه معدنية طبيعية” أو “مياه ينابيع” لعلامات تجارية، تشمل أيضًا كونتريكس وفيتيل وهيبار، وهذه المعالجات محظورة بموجب اللوائح الفرنسية والأوروبية.

وبعد أشهر، وافقت السلطات على خطة نستله لاستبدال المعالجات المحظورة بالترشيح الدقيق، لكن ألكسندر أويزيل، مقرر اللجنة، قال إن إجمالي قيمة الاحتيال قد قُدِّرت بأكثر من 3 مليارات يورو من قِبل الوكالة الفرنسية المسؤولة عن مكافحة الاحتيال.

وأضاف أن المياه المعدنية الطبيعية تُباع بأسعار تتراوح بين 100 و400 ضعف سعر مياه الصنبور، منددًا بـ”تضليل المستهلكين”.

استنزاف الموارد الطبيعية

على مدار سنوات، استنزفت الشركة الموارد الطبيعية البلدان التي تعمل بها، إذ كشف تقرير، تلقته هيئة المحكمة العليا بباكستان بشأن أعمال المياه المعبأة في شركة نستله باكستان المحدودة، أن الشركة لم تدفع أي مبلغ تقريبًا لأي جهة حكومية مقابل 4.43 مليارات لتر من المياه المستخرجة بين عامي 2013 و2017…

وأظهرت الأرقام أن 1.9 مليار لتر من إجمالي 4.4 مليارات لتر من المياه، قد أُهدر، مما يشير إلى خسارة بنسبة 43%، وفي المقابل قالت إدارة نستله باكستان، بأن 15% من المياه أُهدرت أثناء عملية معالجة المياه، إلا أنها لم تستطع تبرير هدر النسبة المتبقية.

تعد باكستان من أكثر دول العالم معاناةً من شحّ المياه، وأن موارد المياه في تناقص مستمرّ؛ بسبب سوء التخطيط وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة، لكن تُهيمن ثلاث شركات عالمية على قطاع المياه المعبأة في باكستان، وهي شركة نستله باكستان المحدودة، وشركة بيبسي المحدودة، وشركة كوكاكولا للمشروبات باكستان المحدودة، وتستحوذ نستله على الحصة الأكبر بينها.

وقال التقرير، إن الزجاجات البلاستيكية التي تستخدمها شركات المياه المعدنية لا تستوفي معايير السلامة الصحية، كما تبين أن الشركة مُنحت أرضًا للإيجار دون أي مقابل، وتبين أن عينة مياه نستله لم تكن مطابقة للمعايير أيضا.

في كاليفورنيا، تضخ نستله من غابة سان برناردينو الوطنية حوالي ملايين الجالونات سنويًا لعلامتها التجارية “أروهيد”، وتحصل على تلك الكميات بحوالي ٥٢٤ دولارًا سنويًا، فقط.

وتخوض ولاية كاليفورنيا، التي تعاني من الجفاف، صراعا مع الشركة التي تقول إن حقوقها في مياه آبار كاليفورنيا تعود إلى عام 1865، لكن تحقيقًا أُجري عام 2017، وجد أن نستله كانت تأخذ أكثر بكثير من حصتها، إذ سحبت حوالي 58 مليون جالون، متجاوزةً بكثير الرقم الذي كان بإمكانها ادعاؤه، وهو 2.3 مليون جالون سنويًا.

استهلكت شركة نستله في المتوسط، 25 ضعفًا من المياه التي يحق لها استخدامها، وفقًا لمشروع “قصة الأشياء”، وهي مجموعة بيئية، تُناضل منذ سنوات لوقف ضخ شركة المياه المعبأة في كاليفورنيا.

عمالة الأطفال.. إنفاق أقل

من ضمن الاتهامات أيضا التي طالت الشركة السويسرية، عمل آلاف الأطفال بشكل غير قانوني في مزارع الكاكاو ضمن سلاسل التوريد الخاصة، خاصة في ساحل العاج.

في عام ٢٠٠١، وقّعت نسله بروتوكول “هاركين- إنجل”، وهو اتفاق طوعي بين أعضاء صناعة الكاكاو والسياسيين للعمل على إنهاء أسوأ أشكال عمالة الأطفال، ووعدت بالتخلص التدريجي من عمالة الأطفال بحلول عام ٢٠٠٥ أولًا، ثم عادت ومدت المدة إلى عام ٢٠٢٠.

وفي عام ٢٠٠٥، رفع تيري كولينجسورث، المحامي البارز في مجال حقوق الإنسان، دعوى قضائية ضد الشركة، زاعمًا بأنها قدمت مساعدة كبيرة لأصحاب المزارع الذين استخدموا عمالة الأطفال القسرية، إذ هُجّر أطفال من منازلهم في دول غرب إفريقيا المجاورة، وأُجبروا على العمل في مزارع بساحل العاج، وتعرّضوا للجلد والضرب وإجبارهم على العمل لمدة ١٤ ساعة يوميًا، قبل أن يأووا إلى غرف مظلمة ورطبة بلا نوافذ للراحة.

القضية عالقة في محاكم الاستئناف منذ سنوات، وقد أعلنت الشركات مؤخرًا عن نيتها رفع استئناف الأطفال العاملين الناجح في محكمة الاستئناف بالدائرة التاسعة إلى المحكمة العليا الأمريكية.

الأرباح هي الأهم

في 15 سبتمبر الماضي، كان الاجتماع الأول للرئيس التنفيذي الجديد لنستله فيليب نافراتي الذي ركز فقط على انخفاض نمو المبيعات العام الماضي إلى أدنى مستوى له منذ عقود، وسجّلت وحدات مثل المياه المعبأة والفيتامينات أداءً ضعيفًا.

وتضخمت ديون نستله بشكل كبير مدفوعةً بعمليات الاستحواذ وإعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح، فالشركة تعمل في مجالات أخرى بخلاف الغذاء مثل، “هوت بوكتس” وهي وجبات خفيفة مجمدة عبارة عن فطائر محشوة بالجبن واللحوم أو الخضروات، يتم تسخينها في الميكروويف، كما تملك 23% في لوريال، أكبر شركة مستحضرات تجميل في العالم. لتجعل منتجاتها نستله في كل بيت من الثلاجة للمطبخ وحتى أدراج تسريحة الشعر.

تركيز الإدارة الجديدة كان على أداء أسهمها وتراجعها دون المستوى، فأسهمها تُقيم الآن بمضاعف أرباح مماثل لشركة يونيليفر، بعد أن كانت تُتداول سابقًا بعلاوة على أقرانها حتى أواخر عام 2022.