تحت مظلة شعاره الانتخابي الذي حمله للبيت الأبيض،”أمريكا أولاً”، أصدرت إدارة الرئيس ترامب “استراتيجية جديدة لـ الأمن القومي الأمريكي”، تعيد من خلالها مراجعة الأطر العامة للسياسة الأمريكية، وتتخفف من كثير، مما ورثته عن الإدارة السابقة، عائدة إلى ما وصفه مراقبون بـ”الإمبريالية السافرة”.

الوثيقة التي صدرت في نوفمبر، وعرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الجمعة، كرست عبر 33 صفحة لـ”تحول جذري في السياسة الخارجية الأمريكية“.

وتختزل الوثيقة المبادئ التي ستحكم السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة المقبلة في عشر نقاط، يمكن التوقف ــ للفهم ــ عند ثلاثة منها هي السلام عبر القوة، والتعامل “الواقعي” مع الدول، دون فرض أنظمة ديمقراطية، وبالنسبة لـ”الحلفاء”، فقد انتهى زمن “الركوب المجاني”، لصالح العدالة في العلاقات معهم.

الحلفاء والمقصود بهم في الوثيقة، دول أوروبا، نالهم الكثير من التقريع، حيث اعتبرت الوثيقة، أن “أنشطة الاتحاد الأوروبي تقوض الحرية السياسية والسيادة، وتعتمد سياسات هجرة، تغيّر القارة، وتفرض رقابة على حرية التعبير وتقمع المعارضة السياسية، وتؤدي لفقدان الهويات الوطنية”.

وتنبأت الوثيقة بأنه: “إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يعود من الممكن التعرّف على القارة في غضون عشرين عاما أو أقل”.

بالنسبة للشرق الأوسط، فقد احتل أقل قليلا من ورقتين من أوراق الاستراتيجية، تصدرتهما قناعة بتراجع المنطقة على سلم الأولويات الأمريكية، بعد أن ظلت على مدى نصف قرن على الأقل، تحتل موقع الأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية.

فلم يعد الشرق الأوسط “أهم مُصدّر للطاقة في العالم”، كما كان، كما تراجع نمط “صراع القوى العظمى” ليحل محله نوع من التنافس بين الدول الكبرى، تحتفظ فيه الولايات المتحدة بالموقع الأكثر قوة، وهو موقع تعززه “سياسات الرئيس ترامب التي أعادت تنشيط تحالفاتنا في الخليج، ومع شركائنا العرب ومع إسرائيل”. حسب نص الوثيقة.

سياسة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة، ستكون تشجيع الالتزام المتزايد لدى الحلفاء بـ”محاربة الإرهاب”.

وكذا “التخلص من التجربة الأمريكية الخاطئة المتمثلة في الضغط على هذه الدول، وخاصة الملكيات الخليجية، للتخلي عن تقاليدها وأنظمة حكمها التاريخية”.

الولايات المتحدة ستشجع وتُشيد بالإصلاح، عندما يظهر بشكل طبيعي، لكن دون محاولة فرضه من الخارج.

حيث ترى الإدارة الأمريكية، أن “مفتاح النجاح في علاقاتنا بالشرق الأوسط هو قبول المنطقة وقادتها كما هم، والعمل معهم في القضايا ذات الاهتمام المشترك”.

وتختصر الوثيقة مصالح أمريكا في المنطقة في النقاط التالية:

ـ ضمان ألا تقع موارد الطاقة في الخليج في أيدي عدو مباشر.

ـ ضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحًا.

ـ الحفاظ على الملاحة في البحر الأحمر.

ـ منع المنطقة من أن تكون مصدرًا للإرهاب الموجه ضد مصالحنا أو أراضينا.

ـ وضمان أمن إسرائيل.

وترى الاستراتيجية الأمريكية، أن “قدرة الرئيس ترامب على توحيد العالم العربي في شرم الشيخ في إطار السعي إلى السلام والتطبيع ستُمكّن الولايات المتحدة أخيرًا من إعادة توجيه سياستها الخارجية نحو أولوياتها الحقيقية”.

الصراع العربي الإسرائيلي احتل أسطرا في استراتيجة أمريكا، المهمومة بضمان أمن دولة الاحتلال، رأت فيها أنه ” لا يزال الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني معقدًا، لكن التقدم نحو تسوية أكثر ديمومة أصبح ممكنًا بفضل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الذي تفاوض عليه الرئيس ترامب. كما أن أبرز داعمي حركة حماس قد ضعفوا أو تراجعوا عن دعمهم. وتبقى سوريا مصدرًا محتملاً للمشكلات، لكن بدعم أمريكي- عربي- إسرائيلي- تركي، قد تستقر وتستعيد دورها الطبيعي كفاعل إيجابي في المنطقة”.

ومن الشرق الأوسط، تنتقل الاستراتيجية إلى إفريقيا التي منحتها ورقة واحدة هي الأخيرة في وثيقتها؛ لتشير أنها ستسعى لبناء شراكات مع دول مختارة، بدلا من التركيز على تقديم الليبرالية السياسية ومحاولة نشرها.

وترى الإدارة الأمريكية، أنه “ينبغي للولايات المتحدة أن تنتقل من علاقة قائمة على المساعدات إلى علاقة قائمة على التجارة والاستثمار، مع تفضيل الشراكات مع الدول القادرة والموثوقة التي تُظهر استعدادًا لفتح أسواقها أمام السلع والخدمات الأمريكية”.

سياسيا، ستتفاوض الولايات المتحدة على تسويات للصراعات القائمة (الكونغو الديمقراطية– رواندا، السودان)، ومنع اندلاع صراعات جديدة (مثل توترات إثيوبيا– إريتريا– الصومال).

وكذلك إعادة النظر في “نهجنا تجاه المساعدات والاستثمار، كما في قانون النمو والفرص في إفريقيا”.

وفي الوقت نفسه، ترى الاستراتيجية، أنه يجب أن تبقى الولايات المتحدة يقظة تجاه عودة نشاط الجماعات الإرهابية الإسلامية في أجزاء من إفريقيا، ولكن مع تجنب أي وجود أمريكي طويل الأمد أو التزامات ممتدة في القارة.

قراءة الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي كاملة :