شهدت إفريقيا خلال عامين عدة انقلابات عسكرية تكرر بعضها في الدولة نفسها. ما يشير لتعقد الظروف السياسية في القارة السمراء. وتهميش آليات انتقال السلطة وقصور في التحول الديمقراطي بالقارة.
ومنذ عام 1950 وقعت محاولات انقلاب عدة بلغ عددها 214. قاد أغلبها نخب عسكرية تجد في الانقلاب سبيلا وحيدا للوصول إلى السلطة.
محركات الصراع
تجتمع جملة من الأسباب في تأجيج التوتر السياسي في أي دولة. في صدراتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة. بما في ذلك ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي والفقر والبطالة وعدم المساواة. وثانيا عدم الاستقرار السياسي الناجم عن سوء الإدارة وضعف المؤسسات وعجز الحكومات عن تقديم الخدمات الأساسية. وعدم فعالية المساءلة أو الضمانات السياسية. وأخيرا انهيار الدفاع والأمن واستغلال الشبكات الإرهابية عجز الحكومات والانهيار الأمني.
بوركينا فاسو
في 30 سبتمبر/أيلول الماضي أطاح انقلاب عسكري بالقائد “بول هنري داميبا” وصعد “إبراهيم تراوري” على رأس السلطة. بعد مرور 9 أشهر فقط على آخر انقلاب في الدولة وصل الزعيم المخلوع إلى السلطة في يناير في انقلاب أطاح بالرئيس “روش كريستيان كابوري”. مدفوعا بمزاعم عدم الجدية في محاربة عنف الإرهابيين.
تعاني بوركينا فاسو أزمة مركبة على المستوى الأمني. حيث يتكرر الهجوم على قوات الأمن. كما يقع أكثر من ثلث البلاد خارج سيطرة الحكومة. ويتفاقم التدهور لا سيما في إقليمي جيبو وسيبا اللذين يقعان تحت حصار الإرهابيين منذ 7 أشهر.
ويعجز كثير من السكان في الوصول إلى السلع والخدمات الحيوية. إذ تقلصت المساعدات الإنسانية عبر تعرض قافلة إمداد كانت في طريقها إلى مدينة جيبو في 26 سبتمبر/أيلول الماضي لهجوم إرهابي. ما أسفر عن مقتل 70 شخصا.
نتيجة الأزمة الاقتصادية وأزمة الغذاء والكوارث المناخية تزايد عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت الحصار ويحتاجون إلى المساعدة الطارئة. وطبقا للأمم المتحدة فإن هناك 4.9 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة في تشاد.
وحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فإن هناك 1.5 مليون شخص نزحوا داخليًا حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022.
تشاد
تتعدد مظاهر العنف السياسي في تشاد. حيث خرج المواطنون إلى الشوارع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي احتجاجا على قرار المجلس العسكري الأخير بتجديد تفويضه لما يصل إلى عامين آخرين.
وأسفرت المظاهرات عن مقتل نحو 50 متظاهرا وإصابة ما لا يقل عن 300 مواطن على يد قوات الأمن. بما يمثل ترسيخا للحكم العسكري ورفضا للانتقال إلى الحكم الديمقراطي.
ويعتبر المجلس العسكري الحالي في تشاد هو امتداد لنظام إدريس ديبي. الذي قُتل قبل عام على يد المتمردين. حيث قاد ابنه “محمد إدريس ديبي” انقلابا في إبريل/نيسان 2021 مخالفا للدستور بهدف السيطرة على الحكم.
وتعاني البلاد ظروفا قمعية. حيث تم قمع الاحتجاجات خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية. ما يعمق الفجوة بين السلطة والحركات المدنية والمعارضة. ورغم إطلاق الحوار الوطني في 20 أغسطس/آب الماضي بهدف وضع جدول زمني وقواعد للانتخابات الرئاسية التي وعد بها في أكتوبر/تشرين الأول محمد إدريس ديبي لم تتحقق مطالب المواطنين. لذلك قاطعه حزب المعارضة الرئيسي “المتحولون”. معتبرا إياه غير شامل وحشد أعضاءه وأنصاره للاحتجاج ضده.
ووصف لويس مودج -مدير مركز إفريقيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش- الحكومة الانتقالية في تشاد بـ”التقاعس” مجددا عن تحمل أي مسئولية عن الأعمال التعسفية لقواتها الأمنية ضد المتظاهرين السلميين والمعارضين السياسيين. ما يظهر تجاهلًا تامًا للحقوق والحريات الأساسية.
ووفقًا لدراسة نشرها البنك الدولي فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 1.2 % في عام 2021. نظرا لحالة الركود التي تعاني منها البلاد لأسباب تتعلق بتوقف إنتاج النفط لمدة شهرين في مصانع Esso. واضطراب النشاط الاقتصادي بسبب انعدام الأمن الاجتماعي والسياسي وقيود السيولة المرتبطة بالتأخير في إعادة هيكلة الديون. كما قدر وجود مليون مواطن يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
السودان
في السودان أيقن أغلب المواطنين أن طموحات رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان لن تتنازل عن مقعد السلطة. وهو ما يحكم على أغلب مباحثات الحوار -كجهود الآلية الثلاثية (المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية-إيجاد)- بالفشل. إذ إن انقلاب أكتوبر 2021 ليس سوى أحدث مظهر من مظاهر أزمة شرعية الدولة السودانية المستمرة.
وقد شهد السودان 16 انقلابا ومحاولة انقلاب. وتمثل جهود “البرهان” محاولة لإعادة السياسة السودانية إلى ما كانت عليه قبل الثورة دون تفويض ديمقراطي.
وتشهد البلاد احتجاجات مستمرة تنديدا بالحكم العسكري. مؤكدة أنه (لا تفاوض- لا شراكة- لا شرعية).
ويتمثل أطراف الصراع في العسكريين من جهة، والقوى المدنية التي تعاني انقسامات على رأسها قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ولجان المقاومة وكذلك الحزب الشيوعي.
كما يعاني السودان تدهورا أمنيا يرتبط بالتقاعس عن الالتزام باتفاقية جوبا للسلام. بالإضافة إلى العنف القبلي المنتشر في النيل الأزرق وكردفان. كما عكست الاحتجاجات الشعبية العزلة المتزايدة للشباب. ما أدى إلى تأجيج المظالم بشأن سوء الإدارة وتزايد انعدام الأمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
كذلك يواجه السودان أزمة اقتصادية حادة لا سيما بعد قطع المليارات من المساعدات الخارجية وموجات الجفاف المحلية. فضلا عن استمرار الصراع. ما دفع الحكومة إلى مضاعفة الأسعار والضرائب.
ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي هناك 33% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي. ومن المرجح أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص.
الموقف الأممي
فور إعلان حالة الطوارئ في السودان، ندد الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو جوتيريش”، بالانقلاب العسكري، ودعا في بيان إلى إعادة تشكيل فوري للحكومة بهدف إجراء انتخابات ديمقراطية، وضرورة احترام كامل للميثاق الدستوري لحماية الانتقال السياسي، كما أدان المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة محاولة الانقلاب باعتبار أن هذه الإجراءات تهدد اتفاق جوبا للسلام.
وبالنسبة لبوركينا فاسو، أدان جوتيريش الانقلاب، وأي محاولة للاستيلاء على الحكومة بقوة السلاح، كما دعا جميع الجهات الفاعلة إلى ممارسة ضبط النفس وتغليب الحوار، وطلب من قادة الانقلاب إلقاء أسلحتهم وضمان حماية مؤسسات بوركينا فاسو، وكذلك دعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان إلى العودة السريعة للنظام الدستوري وحثت الجيش على الإفراج الفوري عن الرئيس روش مارك كريستيان كابوري وغيره من المسئولين.
مستقبل النظم العسكرية
فيما لا تضع الانقلابات الأخيرة حدا للديمقراطية في إفريقيا فإنها تكشف مشكلة متنامية تهدد تماسك المنطقة بأكملها.
وقد نشر موقع مشروع الأمن الأمريكي (ASP) تقريرا بعنوان مستقبل “عدوى الانقلاب” في إفريقيا.
وأشار إلى أن الظروف القائمة ستدفع نحو مزيد من الانقلابات بفعل تفاقم الأزمات الأمنية والإنسانية الموازية في المناطق المجاورة. وإذا لم يعد المجتمع الدولي تقييم كيفية تعامله مع هذه الظروف ولم تتمكن الحكومات العسكرية من التوصل إلى توافق مع المواطنين فإن تكرار الانقلابات سيكون الواقع المستمر.
كما يرى جود ديفيرمونت -الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS- أن النهج المتساهل من قبل الهيئات الإقليمية والدولية مكّن قادة الانقلاب من تقديم تنازلات تضمن بقائهم في السلطة لفترة أطول. بالإضافة إلى دور الدول الأجنبية التي تصعّد حلفاءها. لا سيما اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمحمد ديبي قائدا لتشاد. وأكد أن فرنسا لن تسمح لأي شخص بالتشكيك أو تهديد استقرار تشاد وسلامته.
تشير الأحداث الجارية إلى مدى تمسك العسكريين بالسلطة. فرغم المحادثات في تشاد فإن ما حدث في الأشهر الاثني عشر الماضية يجعل من غير المحتمل أن يكون المجلس العسكري الانتقالي وديبي مستعدين لترك السلطة.
وعلى صعيد الوضع في السودان لا توجد فرصة للتوصل إلى حل بتكرار سيناريو عام 2019. حيث إن المشكلة سياسية وتحتاج إلى حل سياسي يتضمن عقدا اجتماعيا جديدا قائما على مبادئ دستورية تشمل سيادة القانون والمساواة. فضلا عن قطاع أمني حديث وموحد تحت قيادة القيادة المدنية للبلاد. وسيادة وترسيخ الديمقراطية التعددية كنظام سياسي للحكم في السودان.
ويقع السودان بين احتمالين إما تنازل حقيقي من جانب البرهان والمجلس العسكري عن السلطة لصالح القوى المدنية. وإما تدور البلاد في دائرة مفرغة بما يهدد بوقوع حرب أهلية دامية.
ويعتمد مستقبل الانقلابات في إفريقيا عموما على معالجة هذه الظروف الصعبة. كما يجب على المجتمع الدولي أن يضع الجهات الفاعلة الإقليمية على رأس جهود المعالجة. وأن يعمل مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) لإيجاد وتنفيذ أشكال تأثير أكثر فعالية من العقوبات التي فرضها على مالي وغينيا بسبب انتكاساتهما الديمقراطية.