المهاجرون على الأراضي الليبية الذين تحركهم طموحاتهم أن تكون ليبيا محطة انتقالية لجنة أوروبا، لم تنتظرهم أوروبا أن يحطوا على جنتها الموعودة، بل كانت لها مساهمات كبيرة في تحويل حياتهم في ليبيا لجحيم.
sss
ورغم الضجيج الإعلامي بشأن الجهود الجهود الأوربية المزعومة في التخفيف من معاناة اللاجئين هناك إلا أن الواقع الفعلي يظل دون المستوى، في الوقت الذي تتعدد الخطوات والإجراءات ولكن لا تغير ملموس، إن لم يكن هناك تراجعا مطردا.
من هذه الخطوانت والإجراءات ما شهده شهر فبراير الجاري، من بدء سريان اتفاقية بين إيطاليا وخفر السواحل الليبي، لتولي عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط، بعد تجديدها لمدة ثلاث سنوات أخرى.
الاتفاقية المثيرة للجدل التي وقعت لأول مرة عام 2017، تهدف إلى الحد من وصول المهاجرين إلى أوروبا، حيث ستقدم إيطاليا مساعدة مالية للسلطات الليبية من أجل تدريب خفر السواحل الليبي على عمليات الإنقاذ.
مشاركة في سوء المعاملة
وساعدت إيطاليا خفر السواحل الليبيين في إيقاف الزوارق التي تحمل اللاجئين الفارين إلى أوروبا، في عرض البحر، وإعادتهم إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا حيث يتعرضون لسوء المعاملة بحسب عدد من المنظمات الحقوقية.
منظمة العفو الدولية ترى أن تجديد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أكتوبر 2019، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، “أمر لا يمكن فهمه”، مضيفة أن هذا الاتفاق “البغيض” يتجاهل “المعاناة التي لحقت” بالمهاجرين في ليبيا.
مسؤولة الدفاع عن اللاجئين والمهاجرين في المنظمة، لولا شولمان، قالت لموقع “إنفو ميجرانتس”: “إيطاليا قررت تجديد الاتفاق رغم أن الوضع في ليبيا لا يزال كارثيا، بل أنه أسوأ مما كان عليه منذ 3 أعوام مضت”، مضيفة أنه “بالمقارنة مع عام 2017، لدينا الآن مزيد من المعلومات حول الانتهاكات التي يرتكبها خفر السواحل الليبي وظروف احتجاز المهاجرين في ليبيا”.
تراجع عن المسؤولية
قبل بضع سنوات، كانت الدول الأوروبية تقود جهود الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط في إطار عملية “ماري نوستروم”، فبين عامي 2013 و2014، أنقذت إيطاليا وحدها أكثر من 100 ألف شخص.
منظمة الهجرة الدولية: 5100 حالة وفاة واختفاء لمهاجرين في البحر المتوسط عام 2016
ولكن بعد فترة وجيزة من بدء عملية تسمى “تريتون” الجديدة لأمن الحدود، بتمويل وسفن أقل من تلك التي استخدمت في السابق، بدأت الوفيات في البحر المتوسط في الارتفاع.
في عام 2016، خلال ذروة ما يسمى بأزمة المهاجرين الأوروبية، بلغت حالات الوفيات والاختفاء أكثر من 5100 حالة، وفقا لأرقام منظمة الهجرة الدولية.
العام نفسه، شهد زيادة شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، التي تبنت خطابات معادية للمهاجرين، لتتخذ أوروبا قرارا مفاجئا بالاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة حدودها الجنوبية.
وكيل المعاناة
الشريك الجديد كان خفر السواحل الليبي، حيث وفر الاتحاد الأوروبي التمويل والقوارب والتدريب لأفراد القوة الليبية بهدف وقف وصول المهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية.
ورغم فعالية الشراكة الجديدة مع خفر السواحل الليبي في خفض عدد المهاجرين إلى إيطاليا، من 144 ألف في 2017 إلى 46 ألف في عام 2018، إلا أن هذا كان يعني أيضا زيادة مخاطر الوفاة وسط البحر المتوسط.
فوفقا لتقرير صدر مؤخرا عن منظمة الهجرة الدولية، لقي شخص واحد من بين 35 شخصا يحاولون عبور البحر المتوسط، حتفه في عام 2018، مقارنة بشخص واحد من بين كل 50 في عام 2017.
40 ألف عائد إلى ليبيا منذ 2017
السنوات الثلاث الماضية، شهدت قيام خفر السواحل الليبي باعتراض ما يزيد عن 40 ألف شخص، في البحر المتوسط، خلال رحلة فرارهم إلى أوروبا، وأعيدوا إلى ليبيا بحسب مديرة منظمة العفو الدولية في أوروبا، ماري ستوثرز.
العفو الدولية: المهاجرون المحتجزون في مراكز الاحتجاز الليبية، تعرضوا للتعذيب والاغتصاب
من جانبها قالت منظمة الهجرة الدولية إن الأسبوعين الأولين من العام الحالي 2020، شهدا إعادة ما لا يقل عن 953 مهاجرا، من بينهم 136 امرأة و85 طفلا، إلى الشواطئ الليبية، مشيرة إلى أن معظمهم وضعوا في مراكز الاحتجاز. وقالت ستوثرز في بيان: إن هؤلاء المهاجرين “تعرضوا لمعاناة لا يمكن تصورها”.
انتهاكات مزرية
ويخضع المهاجرون وطالبو اللجوء المحتجزون في مراكز الاحتجاز، لظروف احتجاز بغيضة، ويواجهون انتهاكات خطيرة بما في ذلك التعذيب والاغتصاب، بحسب المنظمة غير الحكومية.
وكانت هيومن رايتس ووتش، قد أشارت في تقرير نشر في يناير 2019، إلى أن الحراس في 4 مراكز احتجاز رسمية في غرب ليبيا يمارسون انتهاكات عنيفة، منها الضرب والجلد.
الجحيم
التقرير الذي يحمل عنوان “لا مفر من الجحيم: سياسات الاتحاد الأوروبي تساهم في الانتهاكات بحق المهاجرين في ليبيا” أشار إلى أن أعدادا كبيرة من الأطفال، منهم مواليد جدد، مُحتجزون في ظروف بالغة السوء في 3 من أصل المراكز الأربعة.
وبحسب بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، يوجد 19 مركز احتجاز رسميا خاضعا لسيطرة السلطات الليبية، حيث يحتجز بشكل تعسفي نحو 5 آلاف لاجئ ومهاجر.
أحد مراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا، هو مركز “تاجوراء” للاحتجاز، حيث يتم احتجاز المهاجرين واللاجئين بشكل تعسفي، وفي ظروف قاسية، لفترة غير محددة من الزمن.
في أوائل إبريل 2019، اندلع النزاع بين قوات الجيش الوطني الليبي التابع لخليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني، في يوليو، واقتربت الاشتباكات من تاجوراء، جنوب شرق طرابلس، حيث تعرض المركز، الواقع بالقرب من مستودع عسكري، للقصف لأول مرة في ليلة 7 مايو، حينها دعت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى إخلاء مركز الاحتجاز.
منظمة الهجرة الدولية: 753 لاجئ ومهاجر ضحايا الوضع في ليبيا عام 2019
إصرار على مفاقمة المعاناة
ومع ذلك، بعد شهرين، بقي 600 من الرجال والنساء والأطفال محبوسين في مركز الاحتجاز عندما تعرض لغارتين جويتين في ليلة 2 يوليو. من جانبها منظمة الهجرة الدولية قالت إن الهجوم أسفر عن مقتل 53 شخصا، لكن الناجين أفادوا أن عدد الوفيات كان ضعف هذا العدد تقريبا.
مع تصاعد النزاع في الأشهر التسعة الماضية، تُرك المزيد من المهاجرين واللاجئين ليدافعوا عن أنفسهم في شوارع ليبيا، حيث يتعرضون لخطر الاختطاف على أيدي العصابات الإجرامية، وتجار البشر والميليشيات ونقلهم إلى مراكز الاعتقال غير الرسمية، حيث يتعرضون للعنف البدني، والعمل القسري، والابتزاز، وبيعهم لشبكات الاتجار بالبشر.
وفي إشارة للوضع السيء للاجئين في ليبيا كشفت إحصاءات منظمة الهجرة الدولية لعام 2019 عن مقتل 753 لاجئا ومهاجرا، أو شخصين كل يوم، سواء على الأراضي الليبية أو في وسط البحر المتوسط.