رغم الخسائر اليومية التي تتكبدها الدولة العبرية نتيجة الهجمات المنفردة من الشباب الفلسطيني. يزعم المحللون الإسرائيليون أن الجيل الجديد من شباب المقاومة الفلسطينية، مثل أعضاء جماعة “عرين الأسود”، لا يؤمنون بأن نشاطهم سيؤدي إلى إنهاء الاحتلال، لكنهم، فقط، يسعون مع ذلك إلى ضمان مكانة بارزة للقضية الفلسطينية على أجندة إسرائيل.
لذلك، في تحليل حديث، زعم يوهانان تسوريف الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي يركز على العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية. أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، نجحت في تفكيك جماعة عرين الأسود المسلحة في نابلس، وإضعاف ما وصفه بـ “لواء جنين المخضرم” بشكل كبير.
يقول: طرحت المجموعتان روحًا متشددة، ويهتم الكثير من الشباب في الضفة الغربية والقدس الشرقية -في ظل فقدان الأمل بالمستقبل- بتقليد أفعالهم. وكذلك، احتجاجًا على السلطة الفلسطينية، التي صاروا يرونها “سلطة بلدية للاحتلال”.
وأضاف: ظهرت زيادة حدة هذه الروح من خلال نتائج الانتخابات في إسرائيل، والتي أثارت مخاوف بشأن الإجراءات القاسية، التي ستستخدم في الفترة المقبلة ضد الفلسطينيين من قبل حكومة نتنياهو الجديدة، وبشأن نهاية الطريق لفكرة عملية أو اتفاق سياسي.
اقرأ أيضا: “عرين الأسود”.. قصة تنظيم أحيا روح المقاومة في نابلس
مقاومة جديدة
في ظل عدم وجود جهود نحو الوحدة الفلسطينية الداخلية، وفي ظل ضعف السلطة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية، يرجح المحلل الإسرائيلي، أنه -بشكل متزايد- سوف تظهر عناصر مقاومة مسلحة بنفس طريقة الأسود مرة أخرى، كمجموعات أو أفراد، من أجل الحفاظ على جو من التصعيد، وانعدام الأمن من الجانب العبري.
يقول: وعليه، فإن المبادئ التي وجهت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على مدى 55 عامًا في الضفة الغربية وغزة، والتي ضمنت الهدوء في معظمها، يجب أن تعيد النظر فيها من قبل الحكومة القادمة.
يزعم تسوريف أن “عرين الأسود” انتهت في نابلس بعد أسابيع قليلة من بدء عملياتها. كما تم إضعاف لواء جنين، ولم يصمد أمام الضغط الذي مارسته أجهزة الأمن التابعة للجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية عليهم، والتي تمكنت من احتوائهم دون إراقة دماء كثيرة.
يقول: في نابلس قُتل بعض أعضاء المجموعة -الأسود- واستسلم آخرون لقوات السلطة الفلسطينية. في جنين، كانت المجموعة -لواء جنين- منهكة بطريقة مماثلة. وبهذه الطريقة، تلاشى الأول، على الرغم من العروض التوضيحية والبيانات التي لا ينبغي أن يتم تأبينها بعد. وانخفض حجم نشاط الأخير، الذي عمل لفترة أطول كخلية مقاومة.
رغم هذا، تترك هاتان المجموعتان ورائهما نموذجًا يسعى العديد من الشباب، الذين يعملون حاليًا بشكل مستقل في أجزاء مختلفة من الضفة الغربية، إلى تقليده.
يحلل تسوريف الدافع وراء نشاطهم، يقول: هو الإحباط من الواقع الداخلي الفلسطيني المرير، والافتقار المستمر للقيادة والتوجيه والرؤية. مما خلق فراغًا في نظرهم، يسمح لإسرائيل بمعاملة الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية على أنها أراضيها.
وأضاف: تواصل السلطة الفلسطينية -على الرغم من ضعفها الكبير- الاعتماد على القواعد المنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو كمبدأ منظم، بما في ذلك التطلع إلى مفاوضات سياسية وتنسيق أمني، والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل. من ناحية أخرى، سعت حماس إلى الحفاظ على قواعد اللعبة الجديدة مع إسرائيل المعمول بها في قطاع غزة، والتي جلبت الهدوء لسكان المنطقة، وسمحت بإعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية في القطاع.
ضعف القيادة الفلسطينية
يرى المحلل الإسرائيلي أن حركة حماس، طالما أنها لا تعتقد أن السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار، ليس لديها مصلحة في انتهاك القواعد التي ارتاحت إليها كل الأطراف، والانجرار إلى مواجهة أخرى مع إسرائيل، من النوع الذي سيؤدي مرة أخرى إلى الدمار في غزة.
يقول: هكذا تسعى السلطة وحماس إلى الحفاظ على إنجازاتهما، التي يعتمد عليها كل منهما في الصراع ضد الآخر، طالما أن خيار الوحدة بينهما لا يلوح في الأفق.
نتيجة لذلك، والكلام لا يزال لتسوريف، سيكون عمر أي مجموعة مثل “عرين الأسود قصيرًا”. حيث ستصبح على الفور هدفاً للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية وخصماً للأجهزة الأمنية الفلسطينية. كما أنه لن يكون لديها بنية تحتية -تنظيمية أو شخصية- لتحويل الرسائل التي تسعى إلى نقلها بأفعالها، إلى نظرة عالمية تقدم للجمهور اتجاهًا مختلفًا عن تلك التي اقترحتها بالفعل القيادتان المخضرمتان في حماس وفتح.
علاوة على ذلك، فإن القاسم المشترك لهؤلاء الشباب لا يعتمد على فكرة أو توجه سياسي مشترك، وأي مسار بديل يقترحونه قد يؤدي إلى تفكيك المجموعة.
بدأ ضعف القيادة وفقدان الرؤية الفلسطينية يتضح بعد سنوات قليلة من الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية. وازداد بشكل ملحوظ منذ عام 2015، عندما كانت الحكومات الإسرائيلية ذات أجندة يمينية واضحة، واستبعدت خيار التفاوض وحل الوساطة عن الطاولة، مما أثار تساؤلاً في الساحة الفلسطينية حول جدوى المسار السياسي.
أيضا، الفساد الذي تم الكشف عنه بشكل متزايد في السلطة الفلسطينية مع تشبثها بالسلطة، زاد من تأجيج النيران.
يقول تسوريف: هذا هو الأساس لمجموعات المقاومة التي تضم الشباب من سن المراهقة إلى أوائل الأربعينيات. والذين ليس لديهم قواعد سياسية مشتركة محددة. بل إن الموافقة الشعبية على نشاطهم، والتجمعات العديدة التي قاموا بها، والتغطية الصحفية المكثفة التي حصلوا عليها، ورد إسرائيل المكثف. كلها أمور عززت سمعتهم في عيون الكثير من الشباب، وجعلتهم نموذجًا يحتذى به.
اقرأ أيضا: “عرين الأسود”.. يُهدد آمال إسرائيل باحتواء الفلسطينيين ويضعف “السلطة”
الاستعداد للتضحية
يوضح تسوريف أن سلوك المؤيدين والمقلدين أظهر استعدادا مختلفا للتضحية عن كان واضحًا في السابق بين شباب المقاومة الفلسطينية. ضاربا مثال بكل من الشهيدين عدي التميمي ومحمد الجعبري.
يقول: لم يُعثر على التميمي لمدة عشرة أيام، واكتشف عند محاولته تنفيذ هجوم على مدخل معاليه أدوميم في 19 أكتوبر/ تشرين الأول. بعد أن ترك رسالة أعلن فيها رغبته في أن يكون مثالاً يحتذى به للشباب الآخرين، لأنه كان يعلم أن عمله لن يؤدي إلى تحرير فلسطين.
وأشار الجعبري، الذي كان محسوبًا -على الأرجح- على حماس، في رسالة إلى أنه لا يتصرف باسم أي منظمة، وأنه يتمنى أن يموت شهيدًا.
في المقابل، احتفلت بالجعبري رسالة نشرها نشطاء “عرين الأسود”، وأعلنته أحد “أسود الخليل”.
يلفت المحلل الذي يركز على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى أن “تكرار العلميات من هذا النوع، إلى جانب الانتقادات الشديدة الموجهة للسلطة الفلسطينية، ومن بينها محاولات أبو مازن الأخيرة لإضعاف النظام القضائي الفلسطيني – مثل إنشاء مجلس أعلى لجميع المحاكم الخاضعة لسلطته وقراره دون تفسير معقول لتفكيك نقابة الأطباء المنتخبة- يظهر فجوة متزايدة بينه وبين الجمهور”.
أضاف: يبدو أنه -أبو مازن- يتعمق أكثر، فيما تزداد الهياج ضده وتوقعات بإبعاده. هذه فترة انتقالية تتميز بالشلل السياسي، وغياب القدرة على إعادة تأهيل المجتمع، وتوقع مثير للشفقة لقوة خارجية تنقذ الساحة الفلسطينية من تدميرها الذاتي.
في الوقت نفسه، تعمل إسرائيل -خاصة بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني- على تعزيز التفاهم بين الفلسطينيين. عبر توضيح أنها “لن تعترف بهم كأمة لها الحق في تقرير المصير، وأنها لا مصلحة لها في دفع حل الدولتين إلى الأمام أو التعامل بشكل فعال”.
ومع عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، تساهم إسرائيل بشكل كبير في التدهور السريع للساحة الفلسطينية.
غطرسة إسرائيلية
يؤكد تسوريف أن الحكومة الجديدة التي ستتشكل قريبًا في إسرائيل “والتي تضم أولئك الذين يرون الفلسطينيين رعايا أقل مكانة، ويجب عليهم إظهار ولائهم للحكم الإسرائيلي وقبولهم به. والتي تنظر إلى استمرار المشروع الاستيطاني على أنه استعراض للحكم الإسرائيلي، وتأكيد وجودهم ككيان سياسي. سيحتاجون بلا شك إلى إعادة النظر في الاعتبارات التي وجهت المؤسسة الأمنية على مدى السنوات الـ 55 الماضية في أعمالها في المناطق وفي علاقاتها مع الفلسطينيين.
ويتساءل: كيف يمكن منع أعمال الشغب العنيفة في أماكن مختلفة في نفس المكان، في واقع يعيش فيه شعبان معاديان جنبًا إلى جنب، بينما الغضب الفلسطيني والمشاعر الوطنية تشتعل؟
يقول: إذا كانت إسرائيل لا تنوي الاستجابة لتوقعات الفلسطينيين في الساحتين الوطنية والسياسية، أو تجديد الحوار مع الفلسطينيين، فعليها أن تقترح بديلاً مشرفًا يعالج التعب اليائس للفلسطينيين الناجم عن الواقع الذي يعيشون فيه، ويشجع الاستثمار في البنية التحتية الفلسطينية، وتشجيع الاندماج في الاقتصاد وفي مراكز التوظيف الإسرائيلية بدرجة ملموسة من المساواة.
وعلى الساحة الإسرائيلية الداخلية، سيتم الحكم على الحكومة الجديدة من خلال درجة الهدوء في ساحة الصراع، والأفق الذي تخلقه لإسرائيل داخل المجتمع الدولي.
وختم تحليله بالقول: سيتم الحكم على الحكومة -جزئيًا على الأقل- من خلال علاقتها بالسكان الفلسطينيين.