بشكل مفاجئ لم يسبقه أي تمهيد، أعلن المتحدث باسم تنظيم الدولة الإرهابي “داعش”، أبو عمر المهاجر، في كلمة صوتية الأربعاء الماضي، مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي، وتعيين شخصية تُدعى أبو الحسين الحسيني القرشي خلفًا له، دون أن يوضح تاريخ وفاة الهاشمي أو ملابساتها.
لم يمر سوى ساعات، حتى ثار الجدل حول هوية الطرف المسئول عن قتل زعيم داعش، الذي تتقفى أثره أجهزة المخابرات الدولية الكبرى. ففيما أعلن الجيش الأمريكي أن الخليفة الثالث لداعش قُتل في عملية للجيش السوري الحر في محافظة درعا منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما أكدت القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، ذكرت قوات النظام السوري أنها من تولت قيادة العملية التي أسفرت عن مقتله. بيد أن هذه العملية لم تتم في حقيقة الأمر بقوة سورية فقط. بل كان لروسيا دور رئيسي حاسم لم يعلن عنه ضمن السباق على إظهار المسئولية عن دم زعيم التنظيم.
اقرأ أيضًا: “خليفة” داعش المجهول.. كل الدلائل تقود إلى “بشار”
مركز قيادة بالجنوب
هناك في مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي (جنوبي سوريا)، خطط الزعيم الثالث لداعش لإقامة مركز لقيادة التنظيم المفكك بفعل الضربات المتتالية لعناصره، وأماكن تجمعاتهم، وكذلك ملاحقة أجهزة المخابرات الدولية لقادته.
وفقًا لمصادر محلية سورية، حط أبو الحسن الهاشمي القرشي رحاله في مدينة جاسم قبل عام من مقتله. حيث اشترى مزرعة، وأقام عليها منزلا مكونا من طابقين.
رجحت المصادر أن يكون اختيار زعيم تنظيم داعش لمدينة جاسم بريف درعا سببه ضعف تواجد قوات النظام، وكذلك القوات التابعة للمعارضة، حيث تصلح نواة لتأسيس مركز قيادة للتنظيم، وجلب عدد من قادة الصف الأول الحاليين، دون أن يتم الإعلان عن السيطرة على المدينة بشكل رسمي، أو إعلانها إمارة تابعة للتنظيم. ذلك لعدم لفت الأنظار إليها.
وقد أسس الهاشمي هناك مجموعة من الدواوين الصغيرة، التي كانت تخرج منها التعليمات إلى خلايا التنظيم في سوريا والعراق بوسائل متعددة.
ويحسب المصادر، فالمدينة كان يتواجد بها نحو 10 من قادة التنظيم الكبار، بخلاف نحو 250 من عناصر التنظيم الذين كانوا يوفرون لهم الحماية، ويقومون على شؤونهم.
وعرف زعيم التنظيم بين سكان المدينة بأكثر من اسم، منها أبو عبد الرحمن العراقي، وأبو عبد الرحمن الصلخدي نسبة إلى أسرة زوجته السورية التي تزوج منها عند وصوله إلى المدينة، بينما كان يعرف بين عناصر التنظيم باسم سيف بغداد.
النظام السوري
مساء يوم الجمعة الماضي، كشف مصدر أمني سوري في درعا لوكالة الانباء الرسمية السورية “سانا”، إن الهاشمي القرشي “هو ذاته المدعو عبد الرحمن العراقي، والمعروف باسم سيف بغداد. وقد قُتل خلال العملية الأمنية التي نفذها الجيش العربي السوري بمساندة المجموعات المحلية والأهلية ضد تنظيم داعش في جاسم في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي”.
وأشار إلى أنه “قُتل مع كامل أفراد مجموعته”. موضحًا أن الهاشمي القرشي أشرف على توسع نفوذ التنظيم “باتجاه الأراضي الأردنية والعراقية والسورية. وهو المسئول الأول عن مخطط عمليات الاغتيال في محافظة درعا، عبر ما يشبه محكمة قصاص تم إنشاؤها في جاسم”.
وتسيطر القوات الحكومية السورية منذ 2018 على محافظة درعا. حيث يوجد مقاتلون معارضون أجروا اتفاقات تسوية مع دمشق واحتفظوا بأسلحتهم.
اقرأ أيضًا: “داعش” واستراتيجية الثأر في الشرق الأوسط
روسيا وعملية جاسم
في 17 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تصفية عناصر تنظيم “داعش” في قرية جاسم بمحافظة درعا، بعدما نفذوا تفجير حافلة للجيش السوري في 13 من الشهر نفسه في إحدى ضواحي دمشق.
وقال اللواء أوليج إيجوروف، نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في دمشق، حينها، إن “القوات الروسية والسورية نفذتا عملية خاصة للقضاء على مسلحي داعش المتورطين في تفجير حافلة بمحافظة دمشق”.
وجاء في البيان: “نفذت المجموعة الروسية، بالتعاون مع وحدات أمن الدولة والقوات المسلحة في سوريا، في قرية جاسم بمحافظة درعا بجنوب الجمهورية العربية السورية، عملية خاصة للقضاء على مسلحي داعش الضالعين في تنفيذ هجومًا إرهابيا في 13 أكتوبر إذ قاموا بتفجير حافلة بجنود من الفرقة الرابعة للدبابات التابعة للجيش السوري في قرية صابورة بمحافظة دمشق، ما أسفر عن مقتل 19 شخصًا وإصابة 22 آخرين”.
وأوضح أنه في سياق العملية الخاصة، تمت تصفية 20 مسلحًا، بينهم منظمو الهجوم أبو عبد الرحمن العراقي “وهو أحد اسماء زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي، والذي قيل أنه يعرف به بين سكان قرية جاسم”، والذي وصفه البيان وقتها بأنه زعيم الخلايا النائمة العاملة في المحافظات الجنوبية من سوريا، ومحمد سمير قداحة الذي وصف بأنه القائد السابق لداعش في محافظة درعا، وفيصل يحيي الحاكي قائد داعش في قرية جاسم، وأيوب فضل الجبراوي القائد السابق لداعش في محافظة الرقة.
سياسة الاستنزاف
يعتمد النهج الجديد في إدارة التنظيم الذي تم إقراره عقب مقتل خليفته الأول أبو بكر البغدادي على اللامركزية عبر مفارز أمنية صغيرة تتبع عمل التنظيم الشبكي. وهي تعمل عبر المناطق النائية وتتخذ منها نقاط للتخطيط والانطلاق، مع التركيز على آلية الاستنزاف والإرهاق للقوات الأمنية
ويعول التنظيم كثيرًا في الوقت الراهن، بعد خسارة الكثير من منابع تمويله، في أعقاب سقوط دولته، على أفرعه النشطة حول منابع الثروات في إفريقيا، على أمل إعادة بناء دولة جديدة.
وقد تناوب على قيادة التنظيم منذ الإعلان عن تأسيسه عام 2014 أربعة شخصيات؛ أولهم أبو بكر البغدادي، الذي استمر لأكثر من 5 سنوات، وهي أطول مدة لزعيم منذ تأسيس التنظيم، الذي شهد خلال تلك السنوات امتدادًا كبيرًا لمناطق سيطرته، فبلغت مساحتها 88 ألف كيلومتر مربع. بينما خلفه أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وقُتل الاثنان في الشمال السوري. ثم تولى بعدهما أبو الحسن الهاشمي القرشي، وقُتل في الجنوب السوري الذي تنشط فيه عناصر المعارضة، قبل أن يعلن التنظيم عن اختيار “الخليفة الرابع” أبو الحسين الحسيني القرشي لخلافته.
اقرأ أيضًا: التخلص من العقال “والي الشام”.. رسائل أمريكية لداعش والخليج قبل زيارة بايدن
هوية الشبح الجديد
الإعلان عن الخليفة الجديد للتنظيم جاء بمثابة تدشين لشبح جديد، بعد الأسلوب الذي اتبعه في تنصيب خليفته الثالث أبو الحسن الهاشمي. وهي الطريقة التي فشلت أمامها أكبر أجهزة المخابرات الدولية في الوصول إليه. بل وجعلته يعيش في منطقة لم تكن من مناطق نفوذ التنظيم في السابق لمدة عام كامل، يدير منها شؤون التنظيم الأعنف من على بعد 500 متر من حاجز أمني يتبع النظام.
ويظل التساؤل الأبرز بعد أن هدأت عاصفة الإعلان عن مقتل الخليفة الثالث للتنظيم، هو من يكون الخليفة الرابع الذي تم الإعلان عن كنيته فقط دون أية تفاصيل أخرى، مع وصفه بأنه من قدامى المجاهدين؟
فرغم نزيف القيادات الذي يعانيه التنظيم منذ سقوط دولته لا تزال هناك مجموعة قيادية من المحسوبين على الجيل المؤسس، متوارية عن الأنظار سواء في الأراضي العراقية أو السورية، وقد يكون من بينهم ذلك المكنى بـ”أبو الحسين الحسيني الهاشمي”.
ويأتي على رأس هؤلاء جمعة عواد البدري شقيق أبو بكر البغدادي، ويتولى منصب رئيس مجلس الشورى داخل التنظيم منذ مدة. وزياد جوهر عبد الله المكنى بأبو الحارث العراقي، وهو عضو في لجنة التفويض، ومسئول عن الإدارة العامة بما فيها عملية الاتصال بين الولايات المختلفة التابعة للتنظيم، ويمتلك خبرة أمنية واسعة. ولذلك فإن قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي يوليان أهمية خاصة لعملية اعتقاله أو اغتياله.
وثالث الأسماء بتلك القائمة، هو أبو سليمان المراوي والي الأنبار، والمسئول عن التنسيق بين الباديتين السورية والعراقية. أما رابعهم فهو أبو عبد الله القاضي الغلام عضو مجلس شورى التنظيم، والذي لعب دورًا مهمًا في تطويق الخلافات الفكرية داخل داعش التي تتصاعد من وقت لآخر خاصة بعد مقتل البغدادي.
ومن بين الأسماء التي قد تكون مرشحة أيضًا حسن علي حسن والي كركوك المكنى بـ”أبي إثراء”، وعبد الله المكي الرفاعي والي ديالى.