أصدر مرصد الصراع/ Conflict Observatory، وهو برنامج تدعمه وزارة الخارجية الأمريكية، يجمع ويوثق -بشكل مستقل- الأدلة لدعم التحقيقات في الانتهاكات التي وقعت خلال الحرب الروسية ضدّ أوكرانيا، تقريرا يوضح بالتفصيل شبكة واسعة من المواقع التي تديرها روسيا والعمليات المستخدمة لنقل الآلاف من أطفال أوكرانيا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الروسية.
وقالت الخارجية الأمريكية تعقيبا على التقرير، في بيان، إن “نقل الأشخاص المحميين وترحيلهم يٌعد انتهاكا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين، ويرتقي لمصافّ جريمة حرب. وحقيقة أن عمليات النقل والترحيل هذه تستهدف الأطفال أمر غير مقبول بأي معيار من المعايير”.
ودعت الخارجية الأمريكية، روسيا إلى “أن توقف على الفور عمليات النقل والترحيل القسرية، وأن تعيد الأطفال إلى عائلاتهم أو الأوصياء القانونيين عليهم”.
أطفال أوكرانيا
وأضاف البيان أن الأدلة المتزايدة بشأن تصرفات روسيا، تكشف عن أهداف الكرملين في إنكار هوية أوكرانيا وقمع تاريخها وثقافتها. ستظل الآثار المدمرة لحرب بوتين على أطفال أوكرانيا محسوسة لأجيال. وستقف الولايات المتحدة إلى جانب أوكرانيا، وستواصل المساءلة عن الانتهاكات الروسية المروعة مهما كلف الأمر.
التقرير، الذي أعده مختبر الأبحاث الإنسانية HRLالتابع لكلية بيل، يحدد 43 منشأة قامت الحكومة الروسية بنقل أطفال أوكرانيا إليها على بعد آلاف الأميال من منازلهم، ويقدم دليلا على الجهود المنهجية التي تبذلها الحكومة الروسية لقطع الاتصال بين الأطفال المختطفين وأقاربهم في أوكرانيا، ومنع عودتهم إلى بلادهم، وإعادة تثقيفهم ليصبحوا موالين لروسيا.
أيضا، يبين التقرير أخذ الأطفال من أوكرانيا وعرضهم للتبني من قبل العائلات في روسيا. وقد حدّد البحث، الذي أجرته جامعة ييل، ضمن التقرير، عشرات من مسئولي الاتحاد الروسي، وغيرهم من الأفراد، المتورطين في نقل أطفال أوكرانيا وترحيلهم.
اقرأ أيضا: نقطة التحول في الحرب الأوكرانية بعد عام من الغزو
يوثق التقرير، الذي تم إنتاجه كجزء من مرصد النزاعات، الطبيعة الواسعة الانتشار لهذه المرافق والأغراض المقصودة من وراءها. يستكشف كذلك الشبكة الواسعة من المسئولين -بشكل منهجي- التي تضطلع بتسهيل نقل 6000 طفل على الأقل من أوكرانيا إلى شبكة من مرافق إعادة التعليم والتبني في شبه جزيرة القرم -التي تسيطر عليها روسيا- والأراضي الروسية.
لقراءة التقرير كاملا اضغط هنا
يؤكد التقرير أن المنشآت المشاركة في احتجاز الأطفال منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، الغالبية منها عبارة عن معسكرات ترفيهية، حيث يتم اصطحاب الأطفال لقضاء إجازات ظاهرية، في حين أن البعض الآخر عبارة عن مرافق مستخدمة لإيواء الأطفال.
وتشير النتائج إلى أن “غالبية المعسكرات شاركت في جهود إعادة التثقيف الموالية لروسيا. وقدمت بعض المعسكرات تدريبات عسكرية للأطفال، أو علقت عودة الأطفال إلى أسرهم في أوكرانيا”.
ترحيل منهجي
وفق القائمين على الدراسة، تضمنت منهجية الاستقصاء التي اتبعتها، تجميع مصادر متعددة والتحقق منها، من أجل فهم نظام الترحيل والمخيمات وإعادة التعليم، والتبني ومواضع الحضانة.
هكذا، تم التعرف على المنشآت التي يُزعم أنها تستضيف أطفالًا من أوكرانيا من خلال منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات والمنشورات الحكومية والتقارير الإخبارية.
ثم تم تحديد الموقع الجغرافي لمواقع المعسكرات والمرافق ذات الصلة، من خلال الرجوع إلى الصور ومقاطع الفيديو وأوصاف الأطفال من أوكرانيا في الموقع، مقابل الصور المرجعية على موقع المخيم أو الصور التي أنشأها المستخدم على مواقع الخرائط -مثل خرائط Yandex– كما تم جمع معلومات حول الأنشطة في هذه المواقع، وتجارب الأطفال وأولياء الأمور، وتحليلها والتحقق منها من قبل العديد من الباحثين.
أيضا، تم استخدام صور القمر الصناعي عالية الدقة (VHR) لتحليل الصور التي تم جمعها على وجه التحديد للتحقق منها وتأكيدها من خلال تحديد المكونات المرئية ذات الصلة، مثل الأنشطة في موقع ما خلال فترة ذات صلة. وبهذا، تم تحديد العديد من الشخصيات الفيدرالية والإقليمية والمحلية، المنخرطة بشكل مباشر في تشغيل برنامج معسكرات الأطفال هذا وتبريره سياسيًا.
حدد فريق ييل لحقوق الإنسان 43 منشأة، بما في ذلك 41 معسكرًا، احتجزت أطفالًا أوكرانيين خلال العام الأول بعد الغزو. ويوضح التقرير أن هذه المواقع لا تمثل جميع المخيمات والمرافق التي احتجزت أطفالًا أوكرانيين، لكنها “التي تتوفر عنها معلومات كافية مفتوحة المصدر”.
وأوضح التقرير: تمتد المعسكرات والمرافق في البلاد، من شبه جزيرة القرم، إلى إقليم ماجادان في الشرق الأقصى لروسيا. يأخذ المسئولون الروس الأطفال -بمن فيهم أولئك الذين لديهم عائلات وأولئك الذين يُزعم أنهم أيتام- إلى هذه المرافق لأسباب مختلفة.
وقد حدد فريق ييل ما وصفه بأنه “أربعة اتجاهات رئيسية مقلقة مرتبطة بالمخيمات”. وهي: إعادة تعليم الأطفال الأوكرانيين الموالاة لروسيا، والانتهاكات المحتملة للحصول على موافقة ذويهم، ونقص التواصل بينهم وبين عائلاتهم، وتعليق عودة الأطفال من المخيمات.
نظام المعسكرات
يرجح الباحثون أن “أعلى مستويات من الحكومة الفيدرالية الروسية هي من تفوض وتنسق نظام المعسكرات الموصوف في هذا التقرير”. مع قيام المسئولين الإقليميين والوكلاء بتسهيل هذه الشبكة. وأشاروا إلى أنه “تم استخدام صور الأقمار الصناعية عالية الدقة (VHR) لتأكيد موقع المعسكرات”.
وتشارك أربعة مواقع مذكورة ضمن التقرير في القيام بعمليات من شأنها أن تُسبب تخوفات، منها إعادة تعليم الأطفال، وتعليق عمليات عودتهم، والفشل في إعادة الأطفال إلى أوكرانيا، والتدريب العسكري لهم، ووضع الأطفال من أوكرانيا في أسر حاضنة في روسيا.
وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج تم جمعها في نهاية التقرير. أولها، جمع مركز ييل لحقوق الإنسان Yale HRL معلومات حول 6 آلاف طفل -على الأقل- تتراوح أعمارهم بين 4 أشهر و17 عامًا، تم احتجازهم في المعسكرات والمرافق الأخرى منذ الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.
وقد بدأ الأطفال في الوفود إلى هذه المرافق في الشهر نفسه. بينما حدثت أحدث عمليات النقل في يناير/ كانون الثاني 2023، مؤكدة أن العدد الإجمالي للأطفال غير معروف ومن المرجح أن يكون أعلى بكثير من التقديرات الموجودة في الدراسة.
بالنسبة للمعسكرات، فإن 41 منها عبارة عن معسكرات صيفية موجودة مسبقًا في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا، 12 معسكرا حول البحر الأسود، و7 في القرم، و10 حول مدن موسكو وكازان وإيكاترينبرج. كما يقع 11 من المعسكرات على بعد أكثر من 500 ميل من حدود أوكرانيا مع روسيا، بما في ذلك معسكرين في سيبيريا وواحد في الشرق الأقصى لروسيا.
مع الإشارة إلى أنه من المحتمل أن يكون العدد الدقيق للمنشآت أعلى بكثير من الـ 43 المحددة في هذا التقرير.
وقد حدد مركز ييل لحقوق الإنسان مرفقين مرتبطين بترحيل الأيتام. هما مستشفى للأمراض النفسية، ومركز للأسرة. ويقع أبعد معسكر يحدده هذا التقرير في إقليم ماجادان في أقصى شرق روسيا بالقرب من المحيط الهادئ، على بعد حوالي 3900 ميل من حدود أوكرانيا مع الاتحاد الروسي.
اقرأ أيضا: هل حان الوقت للاستعداد لانهيار روسيا؟
إعادة تثقيف
يقول التقرير: يبدو أن الغرض الأساسي من المعسكرات هو إعادة التثقيف السياسي. ما لا يقل عن 32 من هذه المعسكرات بما يوازي 78% من العدد الموجود في التقرير- تشارك في جهود إعادة التثقيف المنهجية، التي تُعرِّض الأطفال من أوكرانيا إلى المناهج الأكاديمية والثقافية والوطنية التي تركز على روسيا، و / أو التعليم العسكري.
وأوضح التقرير أنه يتم الإعلان عن المعسكرات المتعددة التي أقرها الاتحاد الروسي على أنها “برامج دمج”، بهدف واضح، يتمثل في دمج أطفال أوكرانيا في رؤية الحكومة الروسية للثقافة والتاريخ والمجتمع الوطنيين.
كما حددت Yale HRL اثنين، على الأقل، من المعسكرات التي استضافت أطفالًا يُزعم أنهم أيتام، تم وضعهم لاحقًا مع أسر حاضنة في روسيا. وورد أن عشرين طفلاً من هذه المعسكرات وُضعوا مع عائلات في إقليم موسكو وتم تسجيلهم في المدارس المحلية هناك.
كما أن الحصول على الموافقة يتم تحت الإكراه ويتم انتهاكها بشكل روتيني، حيث أن الموافقة التي يتم الحصول عليها من الوالدين لطفلهما لحضور المخيم تشمل التوقيع على التوكيل الرسمي في بعض الحالات، بما في ذلك إلى وكيل غير مسمى.
وزعم آباء أن العناصر المحددة للموافقة التي قدموها قد انتهكت، مثل مدة الإقامة، وإجراءات لم شمل أطفالهم.
يضيف التقرير: لا يزال هناك آباء آخرون يرفضون السماح لأطفالهم بالذهاب إلى المخيمات، ولكن تم تجاهلهم من قبل منظمي المخيم الذين سجلوا الأطفال في المخيمات بغض النظر عن موافقة ذويهم. في كثير من الحالات، يمكن اعتبار قدرة الوالدين على تقديم موافقة حقيقية أمرًا مشكوكًا فيه، لأن ظروف الحرب، والتهديد الضمني من قوات الاحتلال، تمثل ظروف إكراه.
تعليق عودة الأطفال
أكد التقرير أنه يتم تنسيق هذه العملية مركزيًا من قبل الحكومة الفيدرالية الروسية وتشمل كل مستويات الحكومة. حيث حددت مجموعة جامعة ييل عشرات الشخصيات الفيدرالية والإقليمية والمحلية المنخرطة بشكل مباشر في تشغيل هذا البرنامج وتبريره سياسيًا.
تشمل أنشطة المسئولين المزعوم تورطهم في العملية، التنسيق اللوجستي -أي نقل الأطفال- وجمع الأموال، وجمع الإمدادات، وإدارة المخيمات المباشرة، وتعزيز البرنامج داخل روسيا والمناطق المحتلة في أوكرانيا.
وأوضح أيضا، أنه “ما لا يقل عن 12 من هؤلاء المتورطين المزعومين ليسوا مدرجين في قوائم العقوبات الأمريكية و/ أو الدولية في وقت إعداد هذا التقرير”.
في أربعة مخيمات على الأقل، حوالي 10% من المخيمات التي حددتها Yale HRL، تم تعليق عودة الأطفال إلى أوكرانيا. في معسكرين آرتيك وميدفيجوناك، تم تعليق عودة الأطفال إلى أجل غير مسمى.
ووفقًا للآباء، فإن ميدفيجوناك هو واحد من أكبر المعسكرات التي تم تحديدها، حيث كان يستضيف -في وقت ما- ما لا يقل عن 300 طفل من أوكرانيا. أخبر المسئولون هناك، والدي الأطفال أنهم سيعودون في نهاية الصيف، لكنهم ألغوا الموعد لاحقًا ومنعوهم من العودة. وأكد الآباء عدم تمكنهم من الحصول على معلومات حول حالة أطفالهم، أو مكان وجودهم، بعد تعليق عودتهم.
أيضا، هناك مئات الأطفال من أوكرانيا، احتجزوا أو ما زالوا محتجزين في معسكرات في لوشيست وأورليونوك بعد تاريخ عودتهم المحدد. ولم تتمكن مجموعة البحث من تحديد عدد الأطفال الذين تم لم شملهم مع والديهم. لذلك، من غير المعروف عدد أطفال أوكرانيا الذين تحتجزهم روسيا حاليًا، وعدد الأطفال الذين تم إطلاق سراحهم لأسرهم.