في الوقت الذي تصر فيه الحكومة الإسرائيلية على مواصلة انتهاكاتها بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومواصلة سياسة الاستيطان، غير عابئة بالإدانات الدولية والعربية، وفيما يرفض الرئيس الأمريكي جو بايدن، لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منذ وصوله للبيت الأبيض، ضربت المملكة المغربية عرض الحائط بآلام الشعب الفلسطيني، متجهة نحو ترقية علاقاتها بدولة الاحتلال، إذا وجه ملك المغرب محمد السادس الدعوة لنتنياهو لزيارة بلاده، وذلك في أعقاب اعتراف تل أبيب بمغربية الصحراء الغربية.
حالة التقارب الإسرائيلية المغربية الآخذة في التنامي مؤخرا، تدق ناقوس الخطر في ظل تنامي التواجد الإسرائيلي في مناطق الثقل العربية، خاصة وسط حرص تل أبيب على البحث عن موطئ قدم في الشمال الإفريقي، وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات المغربية الإسرائيلية، قد تقود المنطقة إلى توترات جديدة، في ظل اعتبار إسرائيل المغرب كمعبر لها للدخول إلى شمال إفريقيا.
وفي السابع عشر من يوليو الجاري، أعلن الديوان الملكي المغربي، أن الملك محمد السادس تلقى رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعلن فيها اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.
وأكد نتنياهو، أن موقف بلاده “سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة”، وأضاف أنه سيتم “إبلاغ الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضواً فيها، وجميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية” بهذا القرار.
وبحسب البيان، فإن إسرائيل “تدرس إيجابياً فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة”، تكريساً للقرار.
دعوة ملكية لنتنياهو
في التاسع عشر من يوليو الجاري، وجه العاهل المغربي، دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة المملكة، مشيدا باعتراف تل أبيب بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.
وبحسب وكالة المغرب العربي للأنباء، فإن الملك محمد السادس أثنى في رسالته على نتنياهو، وعلى القرار الإسرائيلي، واصفا إياه بالصائب والمتبصر قائلا، إنه قوبل بترحيب واسع من الشعب المغربي وقواه الحية.
وأكدت الرسالة الملكية، أن قضية الصحراء المغربية تعتبر “القضية الوطنية للمملكة، وتتصدر أولويات سياستها الخارجية”.
تجاذب على ضوء الأزمة.
في عام 2020 قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، آنذاك الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في إطار “اتفاقيات إبراهام” التي بموجبها جرى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، فيما استمر تحسن العلاقات بين الرباط وتل أبيب، إذ قام المغرب بشراء معدات عسكرية من الولايات المتحدة وإسرائيل.
أما الجزائر في الجوار التي تتقاسم حدودا مع الصحراء الغربية، فقد ذهبت في الاتجاه المعاكس، حيث مضت قدما في تعزيز علاقاتها العسكرية، مع روسيا. فيما أقدمت في عام 2021 على قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.
الاعتراف مقابل مزيد من التطبيع
الشهر الماضي أرجأ المغرب الدعوة لعقد قمة منتدى النقب 2 الذي يضم إسرائيل والمغرب ومصر والبحرين والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية، عازيا ذلك إلى السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
وفي المقابل، كشفت تقارير دولية، أن المغرب قد يقيم علاقات كاملة مع إسرائيل، من خلال ترقية البعثات الدبلوماسية الحالية متوسطة المستوى إلى سفارات، مقابل اعتراف إسرائيلي بتبعية الصحراء للمغرب.
فيما ربطت إسرائيل قرارها بالاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، باستضافة الرباط لمنتدى النقب الذي تأجل أكثر من مرة.
وردا على سؤال في إفادة لوسائل إعلام أجنبية، مطلع يوليو الجاري، عما سعت إليه إسرائيل مقابل الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وما إذا كانت تخطط لفتح قنصلية في الإقليم، ربط وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين القرار بانعقاد منتدى النقب في المغرب.
وقال وزير خارجية إسرائيل “نعمل حاليا على هذه القضية وخطتنا هي اتخاذ قرارنا النهائي في منتدى النقب”، مضيفا، أنه من المتوقع أن تستضيف المغرب المنتدى في سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
اختراق عسكري واستخباري إسرائيلي
مخاوف المراقبين بشأن اندفاع الرباط تجاه تل أبيب، مقابل انتزاع الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، يحمل بعدا مهما في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، في الوقت الذي تتسع فيه رقعة التعاون العسكري بين الجانبين، بالشكل الذي يسمح لتل أبيب بتواجد مقلق في شمال إفريقيا.
ففي يوليو 2020، وصل رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، للمملكة المغربية على رأس وفد عسكري رفيع المستوى في زيارة هي الأولى من نوعها لقيادة عسكرية إسرائيلية بهذا المستوى، والتقى وقتها الوزير المنتدب في الحكومة المغربية، والمكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، فيما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية، أن هذه الزيارة تأتي “لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين” والاهتمام “بإقامة مشاريع مشتركة في مجال الصناعات الدفاعية بالمغرب”.
وأضافت، أن لوديي وكوخافي، أكدا على “طموحهما ورغبتهما المشتركة في تعزيز هذه العلاقات”.
وكما كانت زيارة كوخافي هي الأولى من نوعها، فقد سبقها بشهر واحد تطور نوعي أيضا، إذ شارك مراقبون عسكريون إسرائيليون أواخر يونيو 2022، في مناورات “الأسد الإفريقي 2022″، أكبر تدريبات عسكرية في القارة الإفريقية التي نظمتها المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي نهاية مارس 2022، قام وفد من كبار الضباط الإسرائيليين بزيارة إلى المغرب، بعيدًا عن الأضواء. كانت الأولى من نوعها أيضاً، وأسفرت عن توقيع اتفاقية تعاون؛ لإنشاء لجنة عسكرية مشتركة.
وفي نوفمبر 2021، وقّع وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها، بيني جانتس، مذكرة تفاهم في الرباط لتنظيم العلاقات الأمنية مع المغرب.
ونصّت الاتفاقية بشكل خاص على التعاون بين أجهزة الاستخبارات، وتطوير الروابط الصناعية، وشراء الأسلحة والتدريب المشترك.
حصار إسرائيلي للجزائر
تتبنى الجزائر مواقف واضحة داعمة للقضية الفلسطينية، التي تعتبرها “القضية المقدسة” بالنسبة لها، بحسب وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال كلمته ضمن أعمال الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر2020، والتي شدد خلالها على أن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة غير قابل للتصرف أو المساومة.
ولم تخف تل أبيب انزعاجها المتكرر من مواقف الجزائر، التي لعبت دورا قويا مع مصر وتونس في أغسطس 2021، لمواجهة المحاولات الرامية لانضمام إسرائيل للاتحاد الإفريقي تحت صفة مراقب.
وسبق للجزائر، أن لعبت دورا لرأب الصدع بين المكونات الفلسطينية في محاولة لتقريب وجهات النظر بين حركتي حماس وفتح، بعد الدعوة التي وجهتها لقادة الفصائل للاجتماع على أراضيها، والتي انتهت بإعلان الجزائر “2022”بعدما تمكنت من عقد لقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بعد فترة طويلة من القطيعة .
وجاء الموقف الإسرائيلي الأخير، بإعلان اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، والذي ينذر بتجديد التوتر في المنطقة بعد أيام قليلة، من إعلان الجزائر عن تقديم منحة بقيمة 30 مليون دولار، للسلطة الفلسطينية للمساعدة في إعادة إعمار مدينة جنين التي شهدت عدوانا إسرائيليا، هو الأوسع منذ سنوات عدة في الضفة الغربية المحتلة.
وجاء في بيان للرئاسة الجزائرية، أنّ قرار الرئيس تبون يأتي “على إثر الاعتداء الهمجي الإجرامي الذي شنّته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيّمها في الضفة الغربية”.
لم تكتف الجزائر بذلك، فوفقا لتقارير جزائرية، فإن الجزائر تقدمت مؤخرا لمصر بطلب، بالسماح لها بتحمل كافة احتياجات قطاع غزة من الطاقة كمنحة، عبر الأراضي المصرية.
فربما سعت إسرائيل لكسر الموقف الجزائري، وحثها على الدخول معها في مساومات عبر الضغط بالملفات التي تمس مصالح للجزائر.