“اعتدوا عليّا بالضرب، أجبروني على ترك بلادي، هدّدوني بأذى أهلي”.. عدد من الصحفيين اليمينين، يحكى مأساته مع مهنة البحث عن المتاعب، التي تخلو عنها، لأسباب أمنيّة.
الصحفيون في “اليمن السعيد” سابقًا – يدفعون ثمن انقسام الحكومة بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، وجماعة الحوثي، فكلا منهما يرهبهم.
ما أصعب الرحيل
عبدالرازق هاشم العزعزي، منذ عمله بالصحافة، في أثناء دراسته الجامعية، وهو يواجه انتهاكات بدايتها كانت رسوبه بإحدى المواد الدراسية، بسبب استطلاع رأي أجراه عن أوضاع الطلاب، ونشره بصحيفة “الانطلاق”.
“الاستطلاع لم يروق لأستاذ المادة، رأه تمردًا ضد الجامعة”.. يتذكر “العزعزي” الذي ناقش في مشروعه تخرجه قضايا: “التحرش اللفظي ضد الطالبات، والمساواة بين الطلاب دون تمييز، والجنس في اليمن”.
“علقة ساخنة”.. كانت من نصيب الصحافي الشاب، على يد طلاب متهمين بالتحرش، ووقفت إدارة الجامعة مكتوفة الأيدي.
“شتائم في التليفون”، و”اتهامات بالترويج للمثلية الجنسية”، و”تهديدات بالقتل”.. كلها كانت من نصيب “العزعزي”، بعد مشروع تخرجه في العام 2010، وهو يخطو طريقه الأول نحو عالم الصحافة.
الصحافي “الواعد”، أصدر في عام الثورة 2011- ضد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، جريدة “شباب الثورة”، وواجه اتهامًا جديدًا بـ”شق الصف الثوري”، إذ رصد المخالفات داخل ساحات التظاهرات والاعتصامات.
زيارته لزميل صحفي في السجن، تسببت في احتجازه 5 أيام من دون تهمة، وبعدها نشر تقريرًا موثقًا حول تجاوزات مدير أمن صنعاء، وسلّم الوثائق لـ”المرصد اليمني لحقوق الإنسان”.
“العزعزي” عمل مع منظمة “المنقذ الحددوي لليمن مع السعودية”، وضبطته قوة عسكرية، وإثر ذلك تعهد لمدير مكتب حقوق الإنسان بمديرية حرض الذي تدخل للإفراج عنه “لن أمارس الصحافة مُجدّدًا”.
لم ينفذ الوعد السابق، واعتقلته قوة تُدعى “جنود النجدة” في أثناء اقتحامهم لمقر وزارة الداخلية اليمنية، قبل تهديده بقوة السلاح، واحتجازه داخل “شنطة” سيارة، جرّاء تغطيته لوقائع الأحداث “صوت وصورة”، وتركوه بعد التخلي عن الهاتف المحمول.
بعد نحو 3 سنوات من الوقائع السابقة، غادر “العزعزي” إلى السودان ليبدأ مُجددًا.
يحكي عن ذلك “هاجرت إلى الخرطوم بعد حصولي على معلومات بأن الحوثيين، رصدوا اسمي وطلبوا اعتقالي”.
وبعد سفره، لم يهنأ بالراحة “رصدت تدهور أوضاع اليمنيين بالخرطوم”، وأدى ذلك لتعريض حياته وزوجته إلى الخطر، فسافر إلى الكويت التي يستقر بها إلى الآن.
صنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” اليمن في القائمة 167 لحرية الصحافة 2020.
بين الرحيل والعودة
“تظـن أنك قـد طــمست هويتي، محــــوت تاريخي ومعتقـــداتي، عبثًا تحاول، لا فنـــاء لثائر“.. هكذا بدأ وضاح اليمن عبد القادر، أحد العاملين سابقًا في مجال الصحافة باليمن، موضحًا إجباره على ترط الصحافة “لم أكن لأفعل ذلك، إلا بعدما طالت التهديدات زوجتي وأبنائي”.
وبنبرات غلب عليها الحسرة، قال تعرضت لاعتداءات، وإصابات جسدية، ومحاولة اغتيال من مجموعة الحوثيين في البلاد، وغادرت صنعاء بعد التهديدات التي لحقت بأسرتي.
وبعد 3 سنوات من هذه التهدديدات، عاد “عبد القادر” إلى اليمن عقب تحرير مدينة تعز الكائنة في المرتفعات الجنوبية من الحوثيين، لكنه تعرض لمحاولة اغتيال ثانية من أفراد الجماعة، فهاجر من جديد إلى مصر.
66 حالة انتهاك للصحفيين
ووفقًا لتقرير نقابة الصحفيين اليمنيين النصفي لوضع الحريات الصحافية، منذ مطلع العام الجاري 2020 وحتى نهاية شهر يونيو، رصدت 66 حالة انتهاك طالت صحافيين، ومصورين، ومؤسسات إعلامية، وممتلكات صحافية.
ووثقت النقابة 20 حالة اختطاف واحتجاز وملاحقة ومضايقة بنسبة 30.3% من إجمالي الانتهاكات، و10 حالات تهديد وتحريض ضد الصحفيين بنسبة 15.2%، و7 حالة اعتداء على صحفيين ومقار إعلامية وممتلكات خاصة بنسبة 10.6%، و9 حالات إيقاف عن العمل بنسبة 13.6%. و6 حالات منع من التغطية ومصادرة لصحف بنسبة 9.1%، و5 حالات محاكمات وإصدار أحكام بنسبة 7.6%، و7 حالات رفض تنفيذ احكام القضاء بنسبة 10.6%، وحالتي قتل بنسبة 3% من إجمالي الانتهاكات.
غريب في بلدي
فؤاد مسعد، صحفي يمني يعيش في صنعاء، يقول إن الصحفيين اليمنيين يعانون القمع والتهديدات خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ويوجد عشرات الصحفيين في سجون الحوثي منذ أكثر من 5 سنوات وبعضهم معتقلين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام.
“مسعد” يضيف: لا يستطيع أي صحفي ممارسة عمله في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا إن كان يعمل في مؤسسات ووسائل إعلام حوثية أو تابعة لهم، وإلا سيتم اتهامه بأنه عميل لأنهم دائمًا ما يؤكدون على خطورة العمل الصحفي ما اضطر أغلبنا للمغادرة والتشرد داخل اليمن أو خارجها بسبب القمع.
ويكمل: كثيرًا ما نتعرض للأمراض والمعاناة ونحن في منأى بعيد عن أهلنا وأبنائنا، وآخر ضحايانا صحفي توفي منذ عدة أيام بعيدًا عن أسرته ونقل صديقه رسالة (واتساب) بينهما، يقول إن طفله الصغير يسأل والده: بابا لماذا أنت تسكن في التليفون؟، مضيفًا: تعال أسكن معنا.
وبنبرة خافتة يقول: الآن لم يعد والده يسكن حتى في التليفون ولن يسمع صوته مرة أخرى، لم أغادر اليمن، أنا موجود في المناطق المحررة التي لا تخضع للحوثيين، لا أستطيع العودة إلى منطقتي لأنها خاضعة لسيطرتهم ونحن مطلوبون لسلطاتهم لأنهم يصفونًا عملاء وخونة.
ويختتم حديثه قائلًا: لا أستطيع زيارة أهلي، لأنهم في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا زوجته وأبنائه يعيشون معه.
ويؤكد “ر.ع”، كان يعمل صحفيًا، أنه تلقى تهديدات عدة، وتعرض للاعتداء هو وأسرته، من قبل النظام الحالي، ويشير إلى أن الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد مثير للشفقة.
ويضيف أن الأوبئة منشرة في أرجاء البلاد، ولا تستطيع أي مؤسسة أن تذكر ذلك، لذا قرر ترك الصحافة والعمل في مؤسسات مجتمعية، طالما أن صوتهم غير مسموع.
استهداف ممنهج
أشرف الريفي، رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين اليمنيين، يقول إن الانتهاكات ضد الصحفيين كانت محدودة قبل الحرب باستثناء فترة ثورة 2011 منذ العام 2015 وحتى اليوم رأينا انتهاكات غير مسبوقة، وصلت حد القتل والاختفاء القسري، وإغلاق وسائل الإعلام، ومطاردة وتشريد مئات الصحفيين، وقطع مرتباتهم، والتحريض عليهم، وتم إصدار أحكام بإعدام 5 صحفيين.
ويضيف: ولايزال هناك 18 صحفيًا معتقلاً لدى جماعة منهم 16 صحفيًا لدى جماعة الحوثي وصحفي لدى الحكومة الشرعية في مأرب وصحفي لدى تنظيم القاعدة في حضرموت، وتعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية وحرموا من حق التطبيب والزيارات.
الريفي، يؤكد على أنهم رصدوا قرابة 1500 انتهاك ضد الصحفيين منها 36 حالة قتل بحق الصحفيين والمصورين، بسبب الحرب التي خلقت حالة عداء شرسة من مختلف الأطراف ضد الصحافة.
النقابة تندد
وعن دور النقابة في التعامل مع كل الانتهاكات رئيس لجنة الحريات يقول إنهم يوثقوا ويصدروا البيانات والتقارير الدورية حول حالة الحريات الإعلامية في البلد، ويتعاونوا مع الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب لمواجهة هذه الانتهاكات، وتوصيل معاناة الصحفيين للعالم والتواصل مع المؤسسات والجهات الدولية المعنية بحرية الرأي والتعبير، للتخفيف من هذه المعاناة وخلق شبكة مساندة واسعة لحريات الرأي والتعبير وحرية الصحافة.
وأكد على إدراك النقابة أن الوضع أكبر من قدرتها لكنهم يعملون وفق الممكن المتاح بما تمليه عليهم المسئولية النقابية، تجاه زملاءهم الذين يتعرضون لأشرس هجمة حدثت في تاريخ الصحافة اليمنية.