رغم العلاقات الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة واليابان، رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن عرض شركة نيبون ستيل اليابانية لشراء شركة يو إس ستيل الأمريكية.

رغم أن عرقلة الصفقة تقطع شريان حياة رأسمالي حاسم لأيقونة الصلب الأمريكية التي تعاني من أزمة مالية، تعادل 2.7 مليار دولار، قد تضطرها لإيقاف تشغيل مصانع رئيسية، لكن البيت الأبيض اعتبرها تهديدًا للأمن القومي.

أثار القرار استغراب الصحافة اليابانية التي اعتبرت، أنه لن يؤدي إلى انهيار التحالف بين الولايات المتحدة واليابان، لكنه يؤلم الأخيرة، التي يتم الترويج لها بشكل روتيني، باعتبارها الحليف الرئيسي لأمريكا، و”العلاقة الثنائية الأكثر أهمية، بلا منازع لواشنطن”.

أمريكا التي تحتاج من اليابان للقيام بمزيد من العمل العسكري، أكثر مما فعلته على الإطلاق، أو أكثر مما تريد أن تفعله، بسبب الطموح الصيني ترفض بالوقت ذاته امتلاكها شركة أمريكية للصلب، في سلوك لا يلقى استحسانًا بين اليابانيين، بحسب عدة صحف يابانية.

تحفظات أمريكية قديمة على ملكية اليابان

أعاد التحفظ الأمريكي التذكير بما جرى في الثمانينيات، حينما تم اعتبار اليابان فزاعة اقتصادية ستتسبب في إفلاس الشركات الأمريكية، خاصة شركات صناعة السيارات في ديترويت، ووقتها تعاملت اليابان بقدر من المرونة، مثلما يحدث حاليا في قضية شركة الصلب الأمريكية.

قدمت “نيبون ستيل” ضمانات، وصفتها صحيفة “يابان فوروارد” بالمهينة لإثبات حسن نيتها، بعدما عرضت منح واشنطن حق النقض على أي قرارات تجارية مستقبلية، تتعلق بإنتاج الصلب، وهو عرض لا تقدمه شركة تابعة لدولة رئيسية حليفة، ويساوي بينها وبين الشركات الصينية، بحسب الصحيفة.

الغضب الياباني جاء أيضًا؛ بسبب دعم إدارة بايدن مصنع البطاريات المخطط له بميشيجان، والمرتبط بالحزب الشيوعي الصيني في موقع يقترب من قاعدة عسكرية أمريكية، ورغم رفض السكان المحليين بالمدينة، لكن فريق بايدن يريد ذلك، وعلى العكس إدارة شركة “يو إس ستيل” وموظفيها، والسكان المحليون يدعمون الصفقة، ترفضها الإدارة الأمريكية.

تصعيد ياباني ضد إدارة بايدن


يعقد الرئيس التنفيذي لشركة نيبون ستيل آمالا على إدارة دونالد ترامب القادمة لمراجعة قرار بايدن، وذلك بعد أن رفعت شركته دعوى قضائية في الولايات المتحدة، تعتبر القرار “تدخلا غير مشروع” في أعمال لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة.

لكن ترامب لا يحبذ الصفقة هو الآخر، إذ قال على منصة Truth Social: “لماذا يريدون بيع شركة يو إس ستيل الآن، عندما ستجعلها التعريفات الجمركية، شركة أكثر ربحية وقيمة؟” (يعتزم ترامب فرض تعريفة جمركية مرتفعة علي الحديد الوارد من الخارج، ما يزيد ربحية الشركات المحلية).

ماذا نتعلم من أزمة “يو إس ستيل”؟

يثير الجدل الذي يصاحب صفقة “يو إي ستيل” تساؤلات حول سياسة الحكومة المصرية في التعامل مع شركة الحديد والصلب، فرغم أن الشركة الأمريكية تعاني أزمة مالية ضخمة، إلا أن واشنطن قالت، إنها تمثل رمزًا للصناعة، لا يمكن التخلي عنه أو التفريط فيه.

تعيد المشكلة رغم ارتباطها بقطبين صناعيين التفكير في قرار الحكومة بتصفية المصنع التابع لشركة الحديد والصلب المصرية، خاصة مع وجود قطاع يؤمن حتى الآن، أن التصفية لم تكن الخيار الوحيد أمام وزارة قطاع الأعمال، وكان من الممكن الاستعانة بشريك استراتيجي لإنقاذ الشركة من الخسائر المتراكمة.

الخسائر الإجمالية لـ”الحديد والصلب“، التي تأسست عام 1954، قبل تصفيتها بلغت نحو 9 مليارات جنيه، لكن كان بإمكان وزارة قطاع الأعمال أن تعيد هيكلتها عبر دخول مستثمر استراتيجي، بدلاً من التصفية، أو اللجوء إلى الخصخصة، حتى تستمر الحكومة موجودة في سوق الحديد.

وضخت الدولة في شركة “الدلتا للصلب” آخر شركة مملوكة لقطاع الأعمال العام استثمارات جديدة لإنقاذها من التصفية، لكن 3 شركات لإنتاج الحديد قدمت عرضا؛ للاستحواذ عليها قبل نهاية 2023، ورفضت الدولة حينها العرض الذي يستهدف شركة تنتج 500 ألف طن سنويًا من الحديد.

هناك ثلاثة أنواع لصناعة الصلب في مصر تسيطر عليها القطاع الخاص، وهي المصانع المتكاملة؛ التي تنتج من الخامات الاستخراجية وحتى المنتج النهائي، والمصانع نصف المتكاملة؛ وتنتج المنتج النهائي من صهر الخردة (أو الحديد الإسفنجي)، إلى جانب مصانع درفلة الحديد، والتي تدعم انتاج الحديد والصلب في الشكل النهائي.

تؤكد أزمة شركة الصلب الأمريكية على ضرورة تقييم المخاطر الناتجة عن التخلص من الشركات الحكومية، وعدم التسرع في البيع أو التصفية لشركات قطاع الأعمال، ودعمها حتى تعود لطريق الربحية.