كتب- محمد سيد أحمد وإيمان رشدي

عقب ترأسها اجتماعاً للمجلس القومي للأجور في 9 فبراير الجاري، أعلنت دكتورة رانيا المشاط وزير التخطيط والتنمية زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص إلى 7 آلاف جنيه “139 دولاراً”، وكذا رفع الحد الأدنى لقيمة العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص إلى 250 جنيهاً شهرياً، ولأول مرة وضع المجلس حداً أدنى للأجر للعمل المؤقت، بحيث لا يقل أجر العامل عن 28 جنيهاً في الساعة.

وقالت المشاط وقتها، إن “رفع الحد الأدنى للأجور يستجيب للمستجدات الراهنة، ويتسق مع المعايير الدولية”.

غالبا لم يتابع مصطفى سعيد العامل بأحد مصانع السادس من أكتوبر مؤتمر الوزيرة، رغم كونه معروف بين زملائه، بأنه يقضي استراحته خلال أيام العمل في تصفح المواقع الإلكترونية؛ بحثًا عن الحدّ الأدنى للأجور وآلية الصرف.

كان مصطفى دخل في نقاشات مطولة مع إدارة المصنع الذي يعمل به، في محاولة لم تكلل بالنجاح لإقناعهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الدولة.

أما مجدي حسين، الذي يعمل مشرفا للجودة بمصنع للمنظفات، ورغم أنه يتقاضى عشرة آلاف جنيه، بما يفوق الحد الأدنى للأجور بنسبة تقارب الـ30%، إلا أنه يعاني من عدم وفاء الراتب بمتطلبات أسرته المكونة من أربعة أفراد، وبالتالي لم يعول كثيرا على تصريحات الوزيرة.

حسبة بسيطة

معاناة مجدي ومصطفى يمكن اختزالها رقميا في “حسبة بسيطة”، لو تناولت أسر مكونة من 4 أفراد علبة فول صغيرة، و4 أقراص طعمية، وخمسة أرغفة خبز، وطبق بطاطس صغير، فستحتاج إلى 1260 جنيها شهريًا، لوجبة الإفطار فقط، ولو أكلت نفس الأكلة في العشاء ستحتاج لـ 2520 جنيها شهريا لوجبتي الإفطار والعشاء فقط، بما يعادل 42% من الحد الأدنى بالقطاع الخاص قبل زيادته، وحوالي 36% من الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الحكومي قبل زيادته.

رفع الحد الأدني للعاملين بالقطاع الخاص
رفع الحد الأدني للعاملين بالقطاع الخاص

 وفي حال قررت الأسرة المذكورة تناول 8 سندوتشات فول وطعمية في الإفطار يوميًا (السندوتش بـ 8 جنيهات، على أن تكون حصة الفرد الواحد 2 سندوتش) ستكون الحسبة 1920 جنيها للإفطار فقط، بما يعادل 3800 جنيه للإفطار والعشاء فقط، بما يعادل 63% من الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص قبل زيادته و54% من الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الحكومي.

الحد الأدنى للأجور..  بحثا عن “حماية من الفقر”

الموعد الرسمي لتطبيق زيادة المرتبات 2025
طبقت مصر الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص للمرة الأولى في 2022

طبقت مصر الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص للمرة الأولى في 2022، بفارق ثمان سنوات عن القطاع الحكومي الذي شهد تطبيقه للمرة الأولى في 2014.

ومصطلح الحد الأدنى للأجور يمثل في أي بلد أقل مبلغ من المال، يُسمح قانونًا لأصحاب العمل دفعه لعمالهم مقابل وحدة عمل معينة، ويتم حساب الحد الأدنى للأجور عادة على أساس الساعة أو الشهر، ولكن قد يظهر أحيانًا بمعدل يومي أو أسبوعي.

يتمثل الغرض منة في حماية العمال من الأجور المنخفضة بشكل غير ملائم بالأخص في القطاع الخاص، ففي يونيو 2023 ارتفعت نسبة الفقر إلى 38% وفقًا لدراسة صادرة عن اليونيسف، كشفت أن أغلب من هم تحت خط الفقر من العاملين بالقطاع الخاص.

وبينما قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إن قرار رفع الحد الأدنى لسبعة آلاف جنيه، يستجيب للمستجدات الراهنة، ويتسق مع المعايير الدولية، تكشف “حسبة الأسرة ذات الأفراد الأربعة” عن عدم استجابته للوضع الاقتصادي الحالي.

“أركب رجلك”

يقول هشام محمود المحاسب بأحد مصانع القطاع الخاص، إن مرتبه الذي لا يزيد عن 7 آلاف جنيه، لا يحقق لأسرته سوى الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية فقط، فلا مجال لأبسط الرفاهيات، حتى لو كان الأمر مجرد استقلال توك توك إلى المترو، فشعاره “اركب رجلك”.

يقسم محمود راتبه بين إيجار بـ 1750 جنيها، وخدمات كهرباء ومياه وإنترنت أرضي وغاز بحوالي 1000 جنيه، ومواصلات بـحوالي 1000 جنيه، وهي مبالغ لا يمكن المناورة فيها، أو تقليلها بإجمالي 3750 جنيها.

ويعمل محمود بالليل ككاشير في مطعم كشري صغير براتب 3000 جنيه شهريا؛ لتحسين دخل الأسرة، ويضع قائمة بنفقات أسرته الخاصة، لا يمكن الحياد عنها، وتوقف عن تناول السجائر أو الجلوس على المقاهي، أو حتى تناول الطعام خارج المنزل.

ولا يتناول الشاب الأربعيني الدواجن سوى 4 مرات في الشهر بـ1000 جنيه.. وفول للتدميس المنزلي بـ150 جنيها، وخضار وفاكهة بـ1500 جنيه، كرتونتان بيض بـ350 جنيها، 2 كيلو جبن أبيض بـ320 جنيها.. و5 كيلو أرز بـ175 جنيها، و5 كيلو لبن سائب بـ200 جنيه، وزجاجة زيت ذرة بـ 100 جنيه، وكيلو سمن صناعي بـ100 جنيه، و5 كيلو مكرونة وصلصلة ومرقات دجاج بـ300 جنيه، و2 لتر زيت قلي بـ175 جنيها ودقيق وسكر بـ100 جنيه، والخبز العادي والفينو 500 جينه، واحتياجات الأطفال التعليمية والوجبات المدرسية اليومية بـ500 جنيه.

على الله وعلى الزمن

تضع الأسرة ذاتها لبند الصابون والمنظفات 300 جنيه، مع دعوات بألا يتعرض أحد لأي مرض، فالباقي بعد تلك الاحتياجات الأساسية، لا يزيد على 200 جنيه، بجانب التحدي المستمر في تغير أسعار السلع باستمرار، ما يجعل الأسرة تحت ضغط مستمر.

بالنسبة للملابس تعتمد أسرة محمود على تعاقب الأجيال، فملابس البنت الكبرى تحصل عليها الصغرى، وكذلك الحال مع شقيقاته وأشقائه، فالملابس يتم تبادلها بين أفراد العائلة الواحدة، وشراء الجديد يتوقف على صاحب المصنع الذي يمنح الموظفين في بعض المناسبات كرمضان، وعيدي الفطر والأضحى منحة حوالي 1500 جنيه، بجانب العمل كفترات إضافية في المطعم وأيام الإجازات.

وبالطبع لا تستطيع كل الأسر الصغيرة الالتزام بقوائم النفقات الملائمة لدخلها، خاصة عند حدوث طارئ طبي، أو مع تزايد النفقات التعليمية.

6 زيادات في 3 سنوات.. التحدي لا زال مستمرا

تطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير 2022
تطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير 2022

تطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو 2024، ليصل الآن إلى 7000 جنيه، اعتبارًا من مارس 2025 أي ما يعادل 140 دولارا، آخر نسخة منشورة من بحث الدخل والإنفاق، والصادرة عام 2019/ 2020

وهو ما يجعل التحدي مستمرا، من أجل إيجاد توازن بين حماية العمال وسد احتياجاتهم الأساسية وتعزيز النمو الاقتصادي على الناحية الأخرى.

التهرب من التطبيق.. وأزمات أخرى 

الأزمة لا تتعلق فقط بزيادة مستمرة للحد الأدنى مع بقاء الأسر غير قادرة على توفير احتياجاتها الأساسية؛ بسبب تفاوت الأسعار الجنوني، فهناك أيضا التساؤل كيف سيلتزم القطاع الخاص بالزيادة الجديدة؟

وفي ظل استمرار عديد من مؤسسات القطاع الخاص متجاهلة الحدود الدنيا السابقة، يبقى التنفيذ أمراً نظريا أكثر منه واقع يمكن ملامسته، وهو ما تشير إليه شهادات العمال والنقابيين، فعقوبات عدم الامتثال للحد الأدنى للأجور غير رادعة، وهو ما أكده محمود عبد الرسول- العامل في مصنع ملابس بالمنطقة الحرة في الإسكندرية-.

 فيقول: “الشركات كلها تتبع نفس الأسلوب في التهرب من تنفيذ القرارات، ونحن مضطرون للقبول بهذه الرواتب الضعيفة؛ لأن فرص العمل والتوظيف قليلة”.

 إضافة إلى قطاع كبير من العاملين في القطاع غير الرسمي، هناك غياب قانوني لآلية فعالة، تلزم مالكي مؤسسات القطاع الخاص بتطبيق الحد الأدنى للأجور.

مطالبات وآليات دولية

في النصف الثاني من تعقيبها، قالت الوزيرة، إن الزيادة التي أقرها القومي للأجور تتسق والمعايير الدولية.

وبينما يؤكد الخطاب الدولي على زيادة الحد الأدنى للأجور لمكافحة الفقر بالنسبة للعاملين، وهو الشعور الذي اكتسب زخمًا خلال أزمة كوفيد- 19، حيث تم التدقيق في الأجور المنخفضة للعمال الأساسيين، أكدت منظمة العمل الدولية على ضرورة مراجعة الحد الأدنى للأجور على أساس دوري، لحماية احتياجات الاسر الأساسية واستيعاب التغيرات الاقتصادية التدريجية.

ويُعد الحد الأدنى للأجور أداة معترف بها عالميًا لحماية أجور العمال ذوي الدخل المنخفض، وفقًا لتقرير الأجور العالمي 2020- 2021 الصادر عن منظمة العمل الدولية، إذ أن 90% من الدول الأعضاء في المنظمة تعتمد حدًا أدنى للأجور. 

بدأ الامر باتفاقية C026 – وهي اتفاقية آلية تحديد الحد الأدنى للأجور لعام 1928، والتي تحمل الرقم 26، حيث تشجع الاتفاقية الدول على تنفيذ الحد الأدنى للأجور.

وفي وقت لاحق، جاءت اتفاقية تحديد الحد الأدنى للأجور لعام 1970، والتي تهدف إلى تغطية جميع فئات العاملين بأجر الذين تكون شروط عملهم مناسبة للتغطية، ويشكل مبدأ التشاور الكامل مع الشركاء الاجتماعيين جوهر هذه الاتفاقية، وظلت مطبقة حتى الآن.

ولدى أكثر من 90% من الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية حدا أدنى واحدا أو أكثر للأجور، يتم تحديده من خلال التشريعات أو الاتفاقيات الجماعية الملزمة.

وهذا لا يعني أن الحد الأدنى للأجور في جميع هذه البلدان يغطي غالبية العمال، أو أنه يتم تعديله بانتظام.

 وينبغي أن تتركز الجهود الآن على كيفية جعله يعمل بشكل فعال، على الأقل يغطي احتياجات الاسر الأساسية، في ظل زيادة العاملين في القطاع الخاص في مصر، حيث بلغ عددهم نحو 24 مليونا و979 ألف عامل أي بنسبة 81% من حجم قوة العمل وفقا لإحصائيات المركز المصري لبحوث الرأي العام- بصيرة-.