كشف استطلاع رأي حديث أن أغلب شعوب المنطقة يعتبرون المساعدات الأمريكية المقدمة إلى بلدانهم تستهدف كسب نفوذ. ورغم ذلك، فإن أغلبية المستطلعة آرائهم يريدون زيادة تلك المساعدات في المستقبل، باعتبارها مفيدة لدعم الحقوق المدنية وتعزيز دور المجتمع المدني.
حجم المساعدات الأمريكية
وقدّر مركز أبحاث الكونجرس حجم المساعدات الأمريكية لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الـ75 عامًا الماضية بأكثر من 346 مليار دولار. ولفت إلى أنّ هذه المساعدات تذهب إلى الإنفاق على عدة ملفات، منها العسكرية والإنسانية والتنموية.
وأشار التقرير إلى أن المساعدات الأمريكية في السنة المالية 2021 (تبدأ في أكتوبر)، تبلغ 6.6 مليار دولار لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهي ما تمثل 15% من ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية. هذا بخلاف المخصصات السنوية للمساعدات الإنسانية الطارئة، والتي لم يتم تضمينها في أرقام المساعدات الخاصة بالمنطقة.
وتشير التقديرات إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستتلقى 42% من المساعدات المحددة جغرافيًا في ميزانية المساعدات الأمريكية. وخلال السنوات السابقة استحوذت ثلاث بلدن هي مصر والأردن وإسرائيل على أكثر من 90% من المساعدات الأمريكية، وفق تقرير مركز أبحاث الكونجري.
إزاء ما سبق، فقد خلص استطلاع رأي أجرته شبكة “الباروميتر العربي”، إلى أنّ 47% من المشاركين في الاستطلاع رأوا أن الدافع الأساسي للمساعدات الغربية هو اكتساب النفوذ في بلادهم. بينما يعتقد 18% فقط أن الدافع الرئيسي هو تعزيز التنمية الاقتصادية. في حين ذهب 12% إلى أن الدافع هو زيادة الاستقرار الداخلي أو تحسين حياة المواطنين.
اكتساب النفوذ| ليبيا معلب دولي.. والتونسيون الأكثر اعتقادًا بالاستقلالية
وأقرّ أغلب الليبيين بأن بلادهم التي تشهد حربًا أهلية من عشر سنوات باتت ساحة لشراء النفوذ بأموال المساعدات الغربية. في المقابل كان التونسيون الأقل اعتقادًا بأن المساعدات موجهة لاكتساب النفوذ في بلادهم، وجاءت إجاباتهم موزعة على بنود أخرى إنمائية.
وأظهر استطلاع الرأي أن 69% من الليبيين يعتقدون بأن المساعدات الغربية لبلادهم موجهة لاكتساب النفوذ. تلتها لبنان بنسبة 63%، ثم الجزائر 55%، وفلسطين 54% والأردن 52%، واليمن 51%. في حين وضع أقل من 50% من شعوب السودان 42% ومصر 37% والمغرب 33% والعراق 30% وتونس 29% رأيهم في المساعدات بخانة اكتساب النفوذ.
التنمية الاقتصادية| مصر في المقدمة.. وليبيا الأكثر تشاؤمًا
بينما تشهد مصر طفرة تنموية خلال الفترة الأخيرة، فإن أغلب المصريين المستطلعة آراؤهم، يعتقدون بأن المساعدات الغربية موجهة للتنمية الاقتصادية. وتلقت مصر خلال السنوات الأخيرة مساعدات ومنحة سواء عربية أو غربية، تقول الحكومة إنها موجهة للتنمية المحلية. وأحدثت البلاد طفرة على مستوى البنية التحتية وقطاع الطرق، كما دشنت مشروعات قومية عملاقة بمشورع محور قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة السياحية.
لذلك، قال 24% من المصريين المشاركين باستطلاع الرأي إن المساعدات موجهة للتنمية الاقتصادية، وهي النسبة الأكبر من بين دول المنطقة. ثم رأى 23% من المغاربة الهدف من المساعدة هو التنمية الاقتصادية، ثم تونس بنسبة 21% والجزائر 20%. في حين رأى 8% فقط من الليبيين أن الدافع الأسياسي من المساعدات الغربية هو التنمية الاقتصادية، وهي النسبة الأدنى بالاستطلاع. وذلك يتفق مع رؤية أغلب الليبيين بأن المساعدت تستهدف اكتساب النفوذ. واشترك 15% فقط من مواطني لبنان وفلسطين واليمن في الدافع نفسه، بينما رأى 17 من الأردنيين والسودانيين أن الدافع تنموي.
الاستقرار الداخلي| العراقيون متفائلون
وفيما تشهد العراق توترًا وحروبًا منذ الغزو الأمريكي. فإن العراقيين المشاركين في الاستطلاع هم الأكثر تفاؤلاً بأن المساعدات الغربية تستدف تحقيق الاستقرار في بلادهم بنسبة 25%. والملاحظ أن العراق هي الدولة الوحيدة من دول الصراعات بالشرق الأوسط يعتقد مواطنوها خيرًا في المساعدات الغربية لبلادهم.
أما اليمن التي لا تقلق توترًا على وقع حرب أهلية مستمرة منذ الإطاحة بنظام على عبدالله صالح، فإن مواطنيها الأقل تفائلاً بشأن النية الحقيقة وراء المساعدات الغربية بنسبة 7%. ثم اعتقد 8% من الليبيين بأن ثمة استقرارًا يمكن أن تمنحه المساعدات لبلادهم.
كما أن 10% من اللبنانيين المشاركين في الاستطلاع يعتقدون بأن المساعدات يمكن أن تحقق الاستقرار الداخلي لبلادهم. والأمر متقارب بالنسبة للفلسطينيين والسودانيين الذين اشتركوا في النسبة نفسها 12%. أما بقية الدول التي تشهد استقرارًا ما بين كبير إلى نسبي فجاءت الإجابات متقاربة بواقع 9% للجزائر، و11% الأردن، و15% مصر، و16% المغرب، و18% تونس.
تعزيز المجتمع المدني| الأدنى في قائمة التصويت
لم يستحوذ هدف تعزيز المجتمع المدني على مساحة كبيرة من رأى المشاركين في الاستطلاع. فقد جاءت هذه الخانة ثاني أدنى نسبة تصويت من بين كافة أهداف المساعدات الغربية، بعد نسبة الرافضين للتصويت؛ ما يعني أنها أدنى نسبة تصويت للقائلين بآرائهم. فقد رأى 12% فقط من المصريين واليمنيين والمغاربة أن المساعدات تعمل على تعزيز المجتمع المدني.
في حين رأى 2% فقط من التونسيين أن المساعدات يمكن أن تدعم المجتمع المدني في بلادهم. واشترك 4% من الليبيين والأردنيين في هذا الاتجاه، ورأى 5% من اللبنانيين والجزائريين والعراقيين أن المساعدات تستهدف تعزيز المجتمع المدني. في حين جاءت النسبة 8% للفلسطنيين و10 للسودانيين.
تحسين حياة المواطنين| اللبنانيون الأكثر تشاؤمًا
رأى 23% من التونسيين أن تلك المساعدات تساعد على تحسين حياة المواطنين، مقابل 6% فقط من اللبنانيين يرون ذلك، فيما تراوحت النسب الباقية بين 19% من العراقيين و15% من المغاربة و14% من الأردنيين و12% من اليمنيين و10% في اليمن ومصر و8% في فلسطين، و7% في ليبيا والجزائر.
أغلب شعوب المنطقة يريدون زيادة المساعدات الأمريكية
المفارقة التي قدّمها استطلاع الرأي، أن الكثير من مواطني المنطقة أعربوا عن تفضيل زيادة المساعدات الأمريكية. حيث كان يعتنق هذا الرأي أكثر من نصف المواطنين في كل من الأردن (69%)، والسودان (63%) ولبنان (54%) والمغرب (53%) ومصر (52%).
كما أن نسبة كبيرة كانت مؤيجدة لزيادة المساعدات، بواقع 49% في فلسطين، و48% بالعراق، و45%. أما في ليبيا والجزائر فقط أعرب أقل من الثلث عن تفضيل زيادة معدلات المساعدات الأمريكية.
وفسّرت شبكة “الباروميتر العربي” الرغبة في زيادة المساعدات الأمريكية بأن الكثير من المواطنين يعتقدون أنها مفيدة لبلادهم. واستندت الشبكة إلى استطلاعات أجريت في 2020-2021، أظهرت أن أكثر 40% من المشاركين يقولون إن المساعدات الأمريكية تساعد في الدفع بحقوق المرأة في كل من لبنان (48%) وتونس (45%) والأردن (43%).
كما أن 40% من المشاركين رأوا أن المساعدات الأمريكية تعزز المجتمع المدني في بلادهم، في كل من لبنان (50%) وتونس (46%) والمغرب (41%) والأردن (40%).
مجالات المساعدات
وبالنسبة للمجالات التي يجرى توجيه المساعدات إليها، فإن مواطني المغرب هم أكثر شعوب المنطقة اعتقادًا بأن المساعدات تذهب لتحسين التعليم. ورأى 45% من المواطنين المغاربة أن المساعدات تعمل على تحسين ملف التعليم، تليهم مواطنو الجزائر بنسبة 40%. ثم 37% من الليبيين يعتقدون أن المساعدات الغربية موجهة للتعليم، و39% في العراق و29% في تونس و27% في لبنان.
في المقابل، فإن 15% أو أقل في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع يعتقدون أن المساعدات الأجنبية يجب أن تستهدف بالأساس دعم حقوق المرأة. وباستثناء لبنان (20%)، فإن 11% أو أقل في كافة الدول المشمولة بالاستطلاع قالوا المثل عن المجتمع المدني. ورأى 5% أو أقل أن المساعدات موجهة للحقوق المدنية، وأجاب 21% أو أقل بأتهم لا يعرفون على وحه التحديد أهم مجالات المساعدات الأجنبية في بلدانهم.
تفكير براغماتي
هنا يتوصل استطلاع الرأي إلى نتيجة مفادها أن مواطني المنطقة ينظرون إلى المساعدات الأمريكية بشكل براغماتي. فرغم أن لدى الكثيرين شكوكًا في دوافع تقديم المساعدات الأجنبية، لكن أغلبهم برغبون في زيادة معدلاتها من الولايات المتحدة الأمريكية.
يستند هذا الشعور إلى أن المساعدات تحقق فعلاً أهدافها المرجوة، مع اعتقاد بأن المساعدات يجب أن تستهدف بالأساس تحسين التعليم والبنية التحتية، بافتراض أن هذا الإنفاق يساعد في تحسين الفرص الاقتصادية للأفراد والدول.
أمريكا والآخرون
مجموعة الأزمات الدولية، قدّمت نظرة فاحصة للمساعدات الأمريكية إلى الشرق الأوسط باعتبارها حققت أهدافًا أكثر من نظيرتها الروسية والإيرانية على سبيل المثال. فباعتبار أن أهداف روسيا وإيران تميل إلى أن تكون أكثر تركيزًا ومحدوديةً من أهداف الولايات المتحدة. في المقابل تتنوع المساعدات الأمريكية بعدة مجالات، كما لا تركز على جماعات عرقية أو دينية معينة. بيد روسيا ربما حققت نجاحًا في الشرق الأوسط؛ بسبب الاضطرابات وأعمال العنف واسعة النطاق في المنطقة.
أما الصين فلديها اختراقات اقتصادية واسعة في الشرق الأوسط، من شأنها تهديد النفوذ الأمريكي. فمع الصعود الصيني حظي الإقليم بعلاقات اقتصادية وتكنولوجية وتنموية يمكن وصفُها بالمثالية مع الصين، وتعتمد الصين على إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط بما لا يقل عن 60% لتحريك عجلة إنتاجها، كما أنَّ الشرق الأوسط هو ركيزة جغرافية وقيمةٌ سوقيةٌ مهمَة لمشروعات الربط الاقتصادي الصيني العملاقة على المستوى الدولي، وتحديدًا مبادرة “الحزام والطريق”، ومن ثم فإن الصين أهم شريك تجاري لدول الشرق الأوسط.
انفتاح على الصين
وأظهر تقرير سابق لـ” الباروميتر العربي” أن هناك انفتاحاً ملحوظاً على الصين. ففي تسع من 12 دولة شملتها سلسلة استطلاعات الرأي، أعرب النصف تقريباً أو أكثر عن تأييدهم لوجود علاقات اقتصادية أقوى مع الصين.
يبلغ الدعم أقصاه في الأردن (70%)، وهو البلد الذي لم ينضم بعد إلى مبادرة الحزام والطريق. إضافة إلى تفضيل المواطنين عبر المنطقة تقوية العلاقات الاقتصادية مع الصين، فهم أيضاً يحبذون زيادة المساعدات الواردة منها.
في 9 من 11 دولة طُرح فيها السؤال، قال النصف أو أكثر إن المساعدات الأجنبية من الصين يجب أن تزيد، وبلغت النسبة 73% في الأردن و68% في السودان و65% في اليمن و60% في فلسطين. في ليبيا فقط 45% والجزائر 38%، قال أقل من النصف إن المساعدات الصينية يجب أن تزيد.
وتظهر نتائج استطلاعات الرأي أن الصين هي القوة العالمية الأكثر تمتعاً بالشعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ يُفضل المواطنون بالمنطقة تقوية العلاقات معها، أكثر من تفضيلهم تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا.