بعد الخفوت النسبي للعمليات الداعشية الوحشية، أقدم التنظيم الناشط في سوريا والعراق على ذبح أحد الجنود العراقيين بعد اختطافه لمدة يومين.
كان هذا الحادث بمثابة عودة للملعب الدموي بعد فترة من الهدوء، وهو ما ربطه البعض بخروج الولايات المتحدة الأمريكية المرتقب من العراق مع نهاية العام الحالي، وكذا تطورات الوضع في أفغانستان. بينما رأى آخرون أن داعش لم تمت أبداً وأن العراق أحد أهم بؤرها النشطة بل والملتهبة وأنها تستحوذ على نصف عمليات التنظيم العالمي.
التقرير التالي يعرض آخر المشاهد على ساحة القتال العراقي الداعشي ودلالات العمليات الأخيرة والمستهدف منها خلال الفترة المقبلة.
الذبح والقتل.. أحدث الهجمات الداعشية في الساحة العراقية
قطع تنظيم داعش رأس جندي على مقربة من الحدود السورية. بعد اختطافه على إثر هجوم على أحد الأكمنة، وترك جثته قرب منفذ الوليد الحدودي بين البلدين في اليوم التالي على هذا الهجوم. وتم تصنيف هذا المشهد بأنه رسالة وحشية لبث الرعب في نفوس خصومه.
واشتدت وتيرة الهجمات الداعشية على قوات الأمن منذ بداية العام الجاري. وأنهوها قبل يومين بمهاجمة حاجز أمنى جنوب كركوك أسفر عن مقتل 13 شرطيا وإصابة 3 آخرين.
وبدأ الهجوم بإطلاق النيران المتواصلة على الحاجز الأمني. وتلى ذلك تفجير ثلاث عبوات ناسفة بحسب ما صرحت به قوات الأمن العراقية.
ويعتبر هذا الهجوم الأكثر دموية خلال العام الجاري. ما جعل الكثيرون يتحدثون عن تحول مرتقب في سياسة داعش بالداخل العراقي لمسار أعنف مما كانت عليه خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وكان تنظيم داعش هزم رسميا في العراق عام 2017. ولكن ظلت خلاياه النائمة تشن هجمات على فترات. إلا أن وتيرة هذه الهجمات احتدت في الفترة الأخيرة. ما يعد إنذارا لعودة التنظيم الإرهابي للمشهد الدعائي بمزيد من العمليات العنيفة.
انتصرت العراق 2017 وداعش تنشط من جديد
أعلنت العراق في عام 2017. أنها تمكنت من هزيمة تنظيم الداعش والسيطرة على معاقله التي استولى عليها بداية من عام 2014. وبالفعل بعدها تراجعت هجمات التنظيم إلى حد كبير.
وظلت قوات الأمن العراقية تلاحق أفراده في محاولة لفرض السيطرة الكاملة ودحر التنظيم الأكثر دموية في العالم. ولم تكن تظن أنه سيعود مرة أخرى بقوة على هذا النحو.
وخلال شهرين عاد التنظيم لنشاطه فقد تمكن من قتل 30 مدنياً في مدينة الصدر الشيعية الشهر الماضي. كرد مباشر على زيارة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى العراق. والحديث عن ضرورة مواجهة الإرهاب باعتباره عدو مشترك بعد عودة ظهوره في العراق كما هو الحال في سوريا بما يعنى أن الهدف المأمول بالتخلص منه لم يتم حسمه بعد.
تحالف دولي لمواجهة الإرهاب في العراق
ارتبطت عودة داعش لنشاطه بقرب تنفيذ الإعلان الذي سبق وأطلقته الولايات المتحدة الأمريكية بمغادرتها للعراق مع نهاية العام الجاري. حيث يبلغ عدد جنودها هناك نحو 2500 لمواجهة التنظيم.
https://www.youtube.com/watch?v=1pOAfmdks4o
وجاء إعلان الولايات المتحدة بعد تصويت في مطلع عام 2020 من البرلمان العراقي على خروجها. إلا أن الرئيس الفرنسي “ماكرون” أعلن أن قواته باقية ولن ترجل رابطا وجودها ببقاء التنظيم الإرهابي الذي لازال نشطا.
ومع الانتظار لرحيل الولايات المتحدة الأمريكية من هذا المشهد نشطت وتجددت الهجمات الداعشية المرعبة مرة أخرى وراح ضحيتها العشرات خلال الشهر الماضي.
الأمن يرد بتمشيط مكثف
قررت قوات الأمن الانتقام لقتلاها بتمشيط مناطق. وتمكنت بالفعل من قتل أحد عناصر التنظيم واصابة آخر. وأكدت أنها تدرس حلولا جذرية للتعامل مع خلايا داعش النائمة التي أصبحت تشكل خطورة وتستلزم المواجهة.
وتركز قوات الأمن نشاطها على المناطق المتاخمة للحدود السورية. وأطلقت عملية مكونة من 3 محاور في الشريط الحدودي لغلق مناطق التسلل الحدودية التي يأتي منها عناصر التنظيم ويهربون منها أيضاً.
مخاوف أممية من النشاط الداعشي في العرق
ارتبط تصاعد وتيرة الهجمات الداعشية في أذهان الكثيرين بما يحدث في أفغانستان.
ونشر موقع “فويس أوف أميركا” تقرير أممي صادر عن فريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة تضمن مخاوف من عودة صعود نجم داعش بالتزامن مع استعداد القوات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية للرحيل عن العراق.
وأضاف التقرير الذي يستند على معلومات استخباراتية أن داعش سيستمر في التواجد وصنع أزمة في العراق وسوريا لبعض الوقت. رابطا بين عودة ظهوره واستغلال الضعف المحلي ومحاولة السيطرة عليه بهجمات موجهة للقوات التي تعمل على مكافحة وجوده لافتاً إلى أنه لازال قوياً كما هو واضح في العمليات الأخيرة ولم يهزم بعد.
داعش لم تمت يوما
يرى الباحث في الحركات الإسلامية المسلحة، أحمد سلطان، أن داعش لم تختف ولم تمت كي نتحدث عن عودته. وأن الأمر فقط قاصر على التحول للحرب الاستنزافية طويلة الأمد التي وجه إليها زعيم الجماعة أبو بكر البغدادي في أبريل 2019.
واعتبر سلطان في تصريحه لـ”مصر360″. أن العراق هي الساحة الخصبة للعمليات الداعشية. والجزء الأكبر من قواتها هناك موزع على المناطق الجبلية، مضيفاً أن التنظيم لديه جهاز استخباراتي قوي ويستطيع التعامل مع التحرك الحكومي وتفاديه كلما أراد ذلك.
وأكد أن الجيش العراقي يقوم من وقت للآخر بشن عمليات للتطهير. ولكن أغلبها حملات تسويقية للإعلام يسخر عناصر التنظيم من بعضها. فهي قاصرة على نشر صور لأماكن إعاشتهم أو بعض الأسلحة المتروكة هناك. ما يؤكد قدرة التنظيم على تفادي الهجوم والهروب قبل الوصول لهم.
داعش واستنزاف الخصوم على المدى الطويل
سلطان أكد أن تنظيم داعش يستهدف إحراز الانتصار النفسي على أعدائه والوضع في العراق معقد إلى حد كبير ولا توجد متابعة حقيقية لإحصائيات العمليات فنصف العمليات التي تتم على مستوى العالم مقرها العراق وإذا خفتت لبعض الوقت تكون مجرد استراحة وليس تراجعاً أو ضعف.
واعتبر سلطان، أن تنظيم داعش قادر على التكيف. وأنه نجح من وقت لآخر في إثبات قوته وعدم انهزامه. ونفذ عمليات خطف ضد كل من تعاونوا مع الحكومة العراقية. خاصة رموزهم في العشائر ما جعل الكثير منهم يتراجع عن رغبته في التقارب خوفاً من القتل الذي أصبح مصير حتمي.
وفي حرب الاستنزاف التي يقوم بها التنظيم الداعشي تم قطع الكهرباء عن العراق وأرجع سلطان، تلك القدرة إلى معرفة التنظيم الجيدة للطرق وتفاصيل المناطق واختراقه للنظام الحكومي نفسه وهو ما مكنه من خوض غزوة الكهرباء بتكلفة قليلة جدا.
واختتم سلطان أن تنظيم داعش هو من يفرض على قوات الأمن العراقية موعد المواجهة، لافتاً إلى أن العمليات تتم بشكل أسبوعي لاستنزاف الخصوم على الصعيدين العسكري والاقتصادي.