أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عن الهجوم الإرهابي الذي وقع مساء السبت 7 مايو/أيار بمنطقة غرب سيناء. وقد راح ضحيته 11 عنصرا من قوات الجيش المصري إثر تصديهم للهجوم. ويعد هذا الهجوم الأكثر وحشية خلال السنوات الأخيرة. وهو ما استدعى إدانة من مختلف دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية. وفور الحادث، قاد الرئيس السيسي اجتماعا للقوات المسلحة بحضور كبار قادة الجيش، وجه خلاله بـ”استكمال تطهير بعض مناطق شمال سيناء من العناصر الإرهابية والتكفيرية”.
على الرغم من أن هذا الهجوم يحمل مفاجأة أمنية على الصعيد المصري. إلا أنه يشكل جزءا من سلسلة الهجمات التي أطلقها “داعش” منذ منتصف شهر رمضان الماضي. ذلك في استغلال واضح للظرف الدولي، وانشغال أغلب الدول بحماية مصالحها التي هددتها الحرب الروسية الأوكرانية.
“داعش” لم ينتهِ بعد
من الصعوبة بمكان القول بأن القضاء على الإرهاب يتحقق من خلال ملاحقة العناصر المتطرفة أو قتل قادة الإرهاب. حيث تدور عقيدة الجهاديين حول توظيف هذه الجهود المضادة لصالحهم من خلال استقطاب المتعاطفين والتأكيد على كونهم أهل الحق. وكذلك بالتركيز على نطاق الشرق الأوسط باعتباره مسقط رأس تنظيم داعش.
أرشيفيةلقد ساهمت معركة الباغوز في فبراير 2019، في القضاء على آخر جيب لداعش في سوريا. وهو ما اعتبره البعض بمثابة نهاية للتنظيم الإرهابي. لكن خلال الأشهر الماضية، استطاعت عناصر “داعش” استغلال حالة الفوضى الأمنية والسياسية. وكان ذلك عبر اللجوء إلى بؤر وخلايا متفرقة بحيث يمكنها الحفاظ على قدر نسبي من نشاطها الإرهابي في الإقليم.
ومع التغير النسبي في الظروف الدولية خلال الفترة الأخيرة، شهدت عديد من دول الشرق الأوسط نشاطا ملحوظا للتنظيم، ومع بداية العام الحالي، حذر مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة “تشانج جون” من مواصلة نشاط “داعش” في سوريا وليبيا والعراق، وأن استمراره على هذا النحو يحمل مؤشرا لإمكانية توغله في الشرق الأوسط وخاصة ليبيا.
داعش وجهاد النكاية
في 17 أبريل الماضي، أعلن “داعش” عن “معركة الثأر” لتكون خطته المعتمدة خلال الفترة القادمة، حيث أعلن المتحدث باسم التنظيم “أبو عمر المهاجر” توجيهات القيادة إلى الأفرع لتقوم على تنشيط تكتيك اقتحام السجون وتحرير الجهاديين المعتقلين، ودعوة الذئاب المنفردة للقيام بعمليات في أمريكا وأوروبا، انتقاما لمقتل كل من الزعيم السابق للتنظيم “أبو إبراهيم القرشي” في سوريا على يد القوات الأمريكية في 3 فبراير، وكذلك المتحدث السابق باسم الجماعة “المهاجر أبو حمزة القرشي”.
ويحاول الزعيم الجديد للتنظيم “أبو الحسن الهاشمي القرشي” توجيه رسالة عالمية تحمل التأكيد على صلابة التنظيم وقدرته على تسديد ضربات في مختلف الدول، واستمرار نهج الحركة على عقيدة الثأر، بإلحاق الضرر بمصالح العدو من خلال تكتيكات الكر والفر.. وتتضمن النكاية كمائن وتفجيرات انتحارية ومهاجمة سجون واغتيالات لشخصيات قيادية معادية. ويعتبر جهاد النكاية أحد المرتكزات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية، فمن خلال بروباجاندا المظلومية والاضطهاد، يستقطب الإرهابيون الأفراد المتعاطفين، ويعززون لديهم مشاعر الانتقام لأجل دفعهم نحو شن هجمات إرهابية.
وكعادة التنظيم، يحاول توظيف كافة الظروف الدولية لصالح بقائه، حيث أكد أبو الحسن القرشي، أن الظرف العالمي المرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية يشكل فرصة ثمينة أمام التنظيم لشن مزيد من العلميات في ظل انشغال الدول بالحرب، وهو ما يعني أن مع استمرار الحرب، ستشهد العديد من الدول عمليات من جانب عناصر “داعش”، وهو ما قد يمكن التنظيم من الحصول على بعض المكاسب الميدانية واسترجاع فترة أوجه.
اقرأ أيضًا: هجوم سيناء.. التحول نحو استهداف البنية التحتية والمشروعات التنموية
الانتشار العملياتي لداعش
واستجابة لدعوة قيادة التنظيم بالثأر، نفذت عناصره 42 هجوما في 9 دول خلال الفترة من 17 إلى 20 أبريل فقط، وأعلنت الجماعة مسئوليتها عن هجمات متعددة في أفغانستان وسوريا ونيجيريا وليبيا وأوزبكستان.. وعلى الرغم من أن عملية الثأر ذات أهداف عالمية، إلا أنها نشطت إقليميا بشكل موسع في محيط الشرق الأوسط.
العراق
رصدت إحصائية “حصاد الأجناد” التي يصدرها تنظيم داعش، تعرض العراق لما يقرب من 28 عملية إرهابية خلال الفترة بين 14 إلى 20 أبريل فقط، موزعة بين كركوك وديالى والأنبار والجنوب وصلاح الدين، مستغلا إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها القتالية من العراق.. وفور الإعلان عن استراتيجية الثأر، استهدف “داعش” نقطة أمنية في ديالي في 19 أبريل، أسفرت عن مقتل عنصرين من مقاتلي الحشد العشائري السني وعدد من المصابين، ومن ثم تعرضت العراق لسلسلة متواصلة من العمليات الإرهابية، آخرها عملية الموصل في بداية مايو، حيث أدى تفجير سيارة مفخخة إلى سقوط 5 جرحى وخسائر مادية، في استهداف مستمر للعناصر العسكرية، بهدف تقويض جهود الدولة الرامية إلى تحقيق الأمن “العملية العسكرية للقضاء على ولاية دجلة” جنوب الموصل.
سوريا
في ظل تقارير إعلامية أمريكية تؤكد أن التنظيم يتوسع في هجماته في مناطق شمال شرق سوريا، كانت سوريا المسرح الأول لتنفيذ استراتيجية الثأر. حيث تلقت دير الزور هجوما إرهابيا في 18 أبريل، من خلال استهداف دورية عسكرية. وأسفر الهجوم عن سقوط عدد من قوات “قسد”. وذلك مع هجوم موازٍ في غرب الرقة، أودى بحياة 6 قتلى وجرحى.
وحتى 26 ابريل، نفّذت خلايا تنظيم داعش، أكثر من 16 هجوما في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، طبقا لتقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويساهم وجود الزعيم القرشي في سوريا -وفقا لتقرير نشرته البي بي سي- في احتفاظه القطر السوري بأهمية كبيرة في استراتيجية التنظيم.
ليبيا
تعاني ليبيا حالة من الانسداد السياسي في ظل امتناع حكومة عبد الحميد الدبيبة عن تسليم السلطة لفتحي باشاغا بعد أن حصل الأخير على ثقة البرلمان. ويعطل الجمود السياسي جهود إقرار الأمن والاستقرار. كما يشكل فرصة أمام العناصر الإرهابية لاستجماع قواها مجددًا. ذلك في ظل افتقار الجنوب الليبي إلى السيطرة الأمنية. وهو ما حذرت منه المستشارة الأممية “ستيفاني ويليامز”.
قالت إن “خطر التنظيم أصبح شديدا على البلاد حال العودة للانقسام والحرب” في ظل المعارك التي قادها الجيش مع التنظيم خلال شهر يناير الماضي.
وفي سلسلة الثأر، استهدفت سيارة مفخخة معسكر دوريات الصحراء التابع للجيش الوطني الليبي “كتيبة طارق بن زياد” في بلدة أم الأرانب بجنوب غرب ليبيا. كما راح 4 من قوات الجيش، إثر عملية مطاردة شنها الجيش الوطني الليبي ضد فلول التنظيم.
مصر
تمثل مصر الدولة الأسرع في تجفيف منابع الإرهاب. حيث أطلق الجيش “عملية سيناء” في فبراير 2018 لتمثل حملة متصلة. وكانت تستهدف تفكيك البنية الأساسية للتنظيمات الإرهابية والقضاء على العناصر الجهادية. وقد استطاعت مصر تحقيق أقل معدل من حيث عدد الهجمات الإرهابية. بحيث لم تتعرض لأي حادث إرهابي على مدار أكثر من عام.
وفي ظل الجهود التنموية وميزانية ضخمة بمئات المليارات وجهتها الدولة لأجل إعمار سيناء، جاء حادث شرق القناة ليحمل العديد من الرسائل. حيث يحاول التنظيم إثبات استمرار تواجده في سيناء، والتشكيك في جهود الدولة. وهو ما يأتي بالتزامن مع تأكيد الرئيس السيسي اقتراب إعلان سيناء خالية من الإرهاب.
كما أنه يحمل تغييرا نوعيا في أهداف العمليات الإرهابية. حيث استهدف إحدى محطات رفع المياه. وكان ذلك بهدف تعطيل مشاريع الدولة التنموية، واستمرار نهج العنف من خلال حصد أرواح 11 من عناصر الجيش. فيما أعقبه رد حاسم من الرئيس بتشديد جهود الملاحقة وإنهاء وجود أي أنشطة إرهابية في سيناء في استمرار لخطة الدولة الخاصة بالمنطقة.
ومن هنا، يتبين أن النشاط الإقليمي الملحوظ من جانب التنظيم يحمل تهديدات واسعة النطاق لمختلف دول المنطقة. خاصة وأن دول الشرق الأوسط حتى الوقت الراهن لم تلملم أوراقها المبعثرة جراء أحداث 2011. كما ينذر باحتمال تعرض المنطقة لسلسلة من هجمات الذئاب المنفردة لما لها من تأثير كبير في إحداث خلل أمني. وهو ما يتطلب تبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول الإقليم، وتكاملا أمنيا في مواجهة مختلف التشكيلات الإرهابية والمسلحة.
https://foreignpolicy.com/2022/04/26/the-islamic-state-cant-even-pull-off-lone-wolf-attacks-anymore/