لم يكد تنظيم داعش يستفيق من تأثير الضربة الموجعة التي أسفرت عن مقتل زعيمه عبد الله قرداش المعروف باسم “أبو إبراهيم القرشي” في فبراير/شباط الماضي. حتى تلقى ضربة مفاجئة جديدة الثلاثاء الماضي بمقتل زعيمه في سوريا “والي الشام” ماهر العقال. بعدما استهدفته طائرة مسيرة أميركية أثناء تنقله بدراجة نارية، بالقرب من ناحية جنديرس التابعة لمنطقة عفرين في ريف حلب شمالي سوريا.
مكمن الخطورة في العقال “أبو البراء الشمالي”
تأثير الضربة الجديدة التي جاءت قبل أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، على التنظيم لا تكمن فقط في كون العقال أحد أكبر أربعة قيادات تمثل قمة الهيكل الإداري للتنظيم في الوقت الراهن. ولكن أيضًا كونه كان المخطط الرئيسي لعمليات “داعش” في سوريا. وكذا مسئول عن التمويل الذي يأتي للتنظيم من الخارج لدعم عملياته سواء داخل مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أو سيطرة القوات النظامية.
وعُرف العقال في أوساط “الخلافة” بالعديد من الأسماء الحركية، منها “ماهر الشمالي” و”أبو أيمن الشمالي” و”أبو البراء الشمالي”. وكان أحد أبرز القادة الميدانيين إبان دولة الخلافة التي أقامها التنظيم على أجزاء واسعة من سوريا والعراق.
غياب العقال عن المشهد من شأنه أن يربك عمليات تمويل التنظيم في وقت تشهد فيه تلك العمليات تنامي كبير من الحدود السورية – العراقية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وصولًا لمنطقة منبج أو مناطق سيطرة النظام في البادية السورية. وبخلاف ذلك كان العقال مسئولًا عن تطوير شبكات داعش خارج العراق وسوريا.
العقال المتمرس في العمليات القتالية
مكمن آخر لخطورة العقال وأهمية العملية الأمريكية التي استهدفته يتمثل في كونه كان أحد قادة الصف الثاني الذين تمرسوا في العمليات القتالية والتفجيرات والمعارك العسكرية على الأرض. قبل أن يصل إلى قمة الهرم التنظيمي في أعقاب القضاء على قادة الصف الأول. وكان الكثير منهم بعيدا عن ميدان القتال بحكم طبيعة تكوين قيادة التنظيم إبان فترة قوته. حيث كان الكثير منهم من الشرعيين الذين لم يمتهنوا القتال.
ظل العقال يتنقل وسط سكان منطقة ريف حلب الشمالي، بأوراق ثبوتية مزورة صادرة عن مجلس عفرين المحلي، بعدما استطاع الحصول عليها عبر شبكة علاقاته بالفصائل المسلحة الناشطة في تلك المنطقة. حيث تمتع بحرية حركة هناك تحت غطاء فصيل “أحرار الشرقية”. وانتقل العقال بتسهيلات من قادة “أحرار الشرقية” من منطقة شرق الفرات شمالي سوريا عام 2020 إلى منطقة عفرين.
توفير”أحرار الشرقية” الغطاء لقادة داعش، واستقطاب عناصر التنظيم إليه، دفع وزارة الخارجية الأمريكية في التاسع والعشرين من يوليو/حزيران 2021 لإدراجها على قائمة العقوبات.
وقالت الوزارة، في بيان، إن المجموعة المرتبطة بتركيا ارتكبت عددًا من الجرائم ضد المدنيين “خصوصًا السوريين الأكراد، شملت القتل غير المشروع، والاختطاف، والتعذيب والاستحواذ على الممتلكات الخاصة”. ولفت البيان إلى أن المجموعة “أقدمت أيضًا على تجنيد أعضاء في تنظيم داعش، ضمن صفوفها”.
آل العقال في قيادة داعش
وينحدر العقال من أسرة داعشية بامتياز؛ فشقيقه الأكبر هو فايز العقال “والي الرقة” السابق المعروف باسم ‘أبو سعد الشمالي’، الذي شغل منصب أمير اللجنة المفوضة المكلفة بـ “إدارة الولايات”. وقد قتل قرب بلدة الباب بطريقة مماثلة تماما لتلك التي اغتيل خلالها شقيقه مؤخرا. وكان ذلك عبر مسيرة أمريكية في يونيو عام 2020.
وفي مطلع العام 2020 ألقت السلطات التركية القبض على شخص يدعى عزو خلف سليمان العقال. موضحة أنه متورط في التخطيط للعديد من الهجمات الإرهابية. وكذا تأمين المتفجرات المستخدمة في تفجير وقع بميدان “السلطان أحمد” بمدينة إسطنبول في يناير عام 2016، أسفر عن مقتل 10 سائحين ألمان، وآخر في يوليو/حزيران عام 2015 بمنطقة سوروج في ولاية شانلي أورفة أدى إلى مقتل 33 شخصًا.
وخلال التحقيقات معه أشار عزو العقال وقتها إلى أن مسئوليته في تلك التفجيرات تمثلت في تجهيز السيارات المفخخة بالمتفجرات. فيما كان يتولى “أبو البراء “- ماهر العقال – التخطيط لها.
ما قبل اغتيال خزينة الأسرار
نظرًا للأهمية التنظيمية التي كان يتمتع بها العقال، وكونه أحد خزائن أسرار التنظيم التي تعلم بمواقع انتشار مقاتليه، وخططهم المستقبلية، وكذا شبكات علاقات التنظيم وفروعه في الخارج، سعت الولايات المتحدة إلى القبض عليه حيًا وليس قتله. وربما كان ذلك لتحقيق هدفين؛ أولهما إبطال مفعول تأثيره التنظيمي للحد من خطورة داعش الآخذ في العودة، وثانيهما الحصول على الكنز المعلوماتي الضخم، والذي سيسرع خطواتها الخاصة بالقضاء على التنظيم بشكل كامل.
إلا أن ثمة تغيير طرأ على الخطط الأمريكية المتعلقة بمكافحة التنظيم، جعلت الجهات المعنية بتلك المهمة في الإدارة الأمريكية تتخذ قرارًا بالتخلص منه بدلًا من القبض عليه. وذلك بعدما فشلت عملية نوعية سابقة للقوات الأمريكية في ضبطه حيًا.
وفي السادس عشر من يونيو/حزيران الماضي استهدف إنزال جوي لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ثلاثة من كبار قيادات تنظيم داعش في قرية الحميرة، إحدى قرى ريف جرابلس شمالي حلب، قبل أن يتمكن اثنان منهم من الهرب من المنطقة.
الشخصان الهاربان هما ماهر العقال وأبو إبراهيم السفراني. وهو من بلدة السفيرة ويشغل منصب مسئول الاغتيالات في الشمال السوري. فيما اعتقلت القوات الأميركية القيادي الثالث، وهو هاني أحمد الكردي. وكان يتحرك أيضا ببطاقة هوية مزورة صادرة عن المجلس المحلي لبلدة قباسين التابعة لمدينة الباب.
وقبل عملية الإنزال الجوي الأمريكي في يونيو/حزيران الماضي، كشف مسئولون أتراك لوكالة بـ”بلومبرج” نهاية مايو/أيار الماضي، القبض على شخصية قيادية بارزة في تنظيم داعش نفذتها السلطات التركية في إسطنبول.
وأشار المسئولين الأتراك وقتها أن عناصر شرطة مكافحة الإرهاب والمخابرات اعتقلوا رجلًا يعتقدون أنه قاد تنظيم “داعش” منذ مقتل قائده السابق أبو إبراهيم القرشي في فبراير الماضي. لافتين إلى أنه تم إبلاغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنتائج تلك المهمة. ورغم أن المسئولين الأتراك أكدوا أنه سيتم الإعلان عن تفاصيل العملية في الأيام المقبلة. إلا أن الأمر اختفى تماما بعد ذلك من وسائل الإعلام ولم يتم التطرق إليه بأي شكل من الأشكال رغم أهميته.
رسائل إدارة بايدن
مر قرابة شهر بعد اعتقال القوات الأمريكية للكردي الذي كان مقربًا من العقال. ومن بعد قرابة الشهرين على العملية الغامضة التي ألقت خلالها السلطات التركية القبض على القيادي البارز. بعدها استطاعت القوات الأمريكية الوصول لـ”والي الشام” والتخلص منه نهائيًا لتحقيق انتصار معنوي من جهة، ونقل رسائل خاصة من الإدارة الأمريكية في أكثر من اتجاه، من جهة أخرى.
الرسائل الأمريكية استعرضها الرئيس جوزيف بايدن بنفسه خلال البيان الرسمي الذي زف خلاله نبأ التخلص من العقال. مؤكدًا أنه “يبعث برسالة قوية إلى جميع الإرهابيين الذين يهددون العالم”. وهو ما ظهر أيضا في بيان المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية في البنتاغون، ديف إيستبرن. وقد أشار إلى أن العملية حظيت بأهمية كبيرة وتخطيط مكثف لضمان نجاحها.
وشدد بايدن أن مقتل العقال “يحد بشكل كبير من قدرة داعش على التخطيط ويحرمه من الموارد وتنفيذ عملياته في المنطقة”.
رسالة أخرى ربما أراد بايدن إرسالها عبر العملية. ولكن هذه المرة لدول المنطقة. خاصة بعدما اتخذت الإدارة الأمريكية قرارات متعلقة بتخفيض حجم التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة. وكذا توجيه قدراتها نحو مناطق أخرى في شرق آسيا في إطار منافستها مع الصين. وهي الخطوة التي أغضبت دول بالخليج على رأسها السعودية والإمارات.
وقال بايدن، في بيانه عقب اغتيال العقال الثلاثاء الماضي، إن “العملية توضح أن الولايات المتحدة لا يلزمها إرسال الآلاف من القوات في مهام قتالية، لتحديد التهديدات التي تواجهها والقضاء عليها”.
واعتبر الرئيس الأميركي أن “هذه الضربة الجوية تمثل تتويجًا لعمل استخباراتي حازم ودقيق وتقف كدليل على شجاعة ومهارة قواتنا المسلحة”.