روى الكاتب مصطفى أمين في كتابه “مسائل شخصية” عن شكل العلاقة التي جمعت بين هدى شعراوي الملقبة بـ”محررة المرأة”، وبين الفنانة المصرية الراحلة فاطمة سري، حيث تزوجت ابنها محمد علي شعراوي وحملت منه، وما أن علمت مؤسس الاتحاد النسائي المصري بالأمر إلا وأجبرته على تركها مستخدمة نفوذها للضغط على المطربة بتلفيق ملف سري لها في شرطة الآداب بتهمة الدعارة، وفق ما ذكره أمين.
هذه القصة التي تخبرنا عن طبيعة تحكم رأس المال ودوائر النفوذ تتشابه مع ما تتعرض له الفنانة المصرية آمال ماهر من استخدام النفوذ في فرض الضغوط. ضغوط دفعتها إلى إعلانها اعتزال الغناء بشكل صادم اكتنفه الغموض.
لا تعلم ماهر ما إذا كانت ستعود إلى الساحة الفنية أم لا؟ هذا ما جاء في رسالتها الأخيرة.
ليست المرة الأولى التي يثار حولها الشائعات، فالضغوط المستترة تلاحق “صوت مصر” منذ فترة طويلة.
ضغوط آمال ماهر
اعتاد الجمهور على رؤية كلمة “ضغوط آمال ماهر” منذ 2018، حين اختفت فترة عن الساحة تحت وقع علاقة لم تنف أو تثبت مع وزير الترفيه السعودي تركي آل الشيخ.
هذه العلاقة عرضت ماهر للاعتداء وتحرير محضر في قسم شرطة المعادى بتاريخ 19 مارس 2018، ثم تم منع أغانيها من الإذاعة وحجبها عن الظهور الإعلامي.
وعادة ما يربط الجمهور بين الضغوط الخارجة عن الإرادة بمرادفات مثل النفوذ والسلطة، والنفوذ هنا تتمثل في الرجل الذي ارتبط اسمه بأهل الفن والرياضة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. تركي آل الشيخ.
يمتلك الشيخ علاقات قوية بالسطلة ومجتمع الرياضة والفن، توجها مؤخرا باستضافة الرياض النجوم المصريين، والتعاقد على أعمال فنية كبيرة بمشاركة نجوم الغناء والتمثيل في مصر.
استخدام النفوذ في قصة آمال ماهر وصلت إلى منعها من استخدام حسابات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي
وكتبت ماهر تدوينة عبر حسابها على “فيسبوك” تُفيد بتعرّضها لمضايقات هي وأسرتها قالت فيها “الضغوط والحرب اللي بتعرض لها انا وأخواتي وعائلتي من فترة طويلة بتتزايد، امبارح الاستوديو بتاعي اتشمع والنهاردة صيدلية اخويا اتشمعت، ده غير التهديدات والشتايم اللي على موبايلاتنا يا ترى حنفضل ساكتين لحد امتى، الله أعلم”.
فقدت ماهر في أزمتها الغريبة قناتها على يوتيوب، فحذفت إدارته العام الماضي أغنية “اللي قادرة” تتر مسلسل “ليه لا” بعد تخطيها 7 ملايين مشاهدة، بدون إبداء أسباب واضحة.
وكانت ماهر اعتبرت هذه الأغنية تنتصر لأحلام المرأة وتحفزها على النجاح، معبرة عن سعادتها البالغة بردود الأفعال التى تلقتها منذ بداية طرح الأغنية.
حذف بعض الأغاني من منصات مطربين أمر ليس جديدا، إذ تكرر مع مطربين مصريين في السنوات الأخيرة بسبب خلافات مع شركات الإنتاج، ولعل أزمة عمرو دياب وشركة روتانا أبزر مثال على ذلك، لكن حذف قناة أو السيطرة على قناة شخصية عامة له معان مختلفة خاصة بالقوانين نفسها.
إلا ان اللافت في هذه المعركة هو إمكانية استخدام النفوذ في محو تاريخ المبدعين من المنصات الإلكترونية، كمنصة يوتيوب.
حماية المنتج الفني
محمود عثمان، المحامي المتخصص في الأعمال الفنية Entertainment lawyer، يتحدث هنا عن حقوق الملكية الفكرية للمبدعين والحق الأدبي وكيف يتم حماية الفنان من استخدام المنتج الفني السلطة ضده كحلقة أضعف.
في سؤاله عن إمكانية حذف محتوى كامل لفنان من المنصات الفنية المختلفة ومدى قانونيته، قال إن المنصات الموسيقية تعتمد في بدايتها على اللوائح التنظيمية الخاصة بالمنصة، وبالرجوع مرة أخرى للقوانين الداخلية الخاصة بالدولة، بالتالي لا يجوز سحب أي مصنف فني من التداول إلا بإرادة صاحبه، مؤكدًا أن الحق المالي فقط هو ما يمكن بيعه أم الحق الأدبي فالقانون المصري يمنع بيعه في حياة المبدع أو حتى بعد وفاته.
وأضاف عثمان أنه لابد أن يشمل عمل الرقابة على المصنفات الفنية الملكية الفكرية أيضًا وليس فقط المحتوى، وتحصيل الرسوم وبالتالي لا بد ألا تكون جهة تنازل فقط وإنما جهة حماية أيضًا وتتأكد من أن هناك عقود حقيقة مكتوبة، وأن يكون هناك رقابة على النقابات الفنية ومتابعة سير العقود سواء للفنانين المنتسبين أو العامين بتصاريح مؤقتة، لافتًا أن الفنان هو الحلقة الضعيفة والمنتج هو الحلقة الأقوى.
وعن منع فنان أو مطرب من الظهور الإعلامي أكد أن القضاء هو الجهة الوحيدة القادرة على منع أو تقيد ظهور فنان إعلاميًا بناء على حكم قضائي، أما الرقابة على المصنفات الفنية ودورها هو سحب العمل الفني من التداول ولابد أن يكون ذلك أيضًا مُسبب، ومن حق الفنان الاعتراض على القرار.
أما عن كيفية تحكم المنتج في الفنان وعمله، أوضح المحامي المختص في الأعمال الفنية أن ما يحدث فعليًا هو حصول المنتج الفني على حق التنازل وبالتالي يصبح لدي الحق في التوقف عن تسويق العمل، موضحًا أن طول الوقت الأمور تُصبح أكثر ضبابية طالما لا يوجد رقابة حقيقية على المنتج.
وأشار إلى أن أزمة الفنان شريف الدسوقي الذي تعرضت قدمه للبتر سببها الرئيسي علاقة العقود التي من المفترض التي تنص على أن الرعاية الصحية للفنان أمر مُلزم للمنتج طالما حدثت الإصابة أثناء فترة تصوير العمل الفني، إلا أن العقد لم يٌكتب فيه ذلك بشكل صريح لولا تدخل كبار مسوؤلين لحل أزمته.
وعن الحق الأدبي وبحسب عثمان فالحق الأدبي هو جزء مهم من رأس مال أيّ فنان وبالتالي نحد أعمالا كثيرة غير مكتوب عليها أسماء أصحابها وهو انتهاك صريح لقانون حماية الملكية الفكرية حتى أصبح الأمر من المسلمات، وأصبح يحدث بكثرة في الإعلانات والأعمال الدرامية، مستغلين حاجة الناس للعمل في ظل الوضع الراهن والتأثير الاقتصادي لوباء كورونا على جميع القطاعات.