لا حديث في سوق السيارات بمصر حاليًا إلا عن “الأوفر برايس”. وهو اسم شيك لـ”السوق السوداء” والمبالغ القياسية التي يتم فرضها من قبل الوكلاء والموزعين والتجار على السيارات الجديدة. والتي تصل إلى 50% من إجمالي سعرها رغم وجود قرار معلن من جهاز حماية المستهلك يضع الحد الأقصى للزيادات عند 5% تحت اسم “كماليات”. الأوفر برايس “over price” كلمتان إنجليزيتان تعنيان بالعربية المبالغة في السعر.
“الأوفر برايس” يمثل ممارسات ينتهجها موزعون وتجار بإضافة زيادات غير رسمية على أسعار السيارات. وهو أمر دارج في السوق منذ عقود لكنه توحش خلال الأعوام الثلاثة الماضية. استغلالا لأزمة الإنتاج العالمية مع تأثير كورونا على الإنتاج بالمصانع. بجانب أزمة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية وأخيرا الحرب الروسية الأوكرانية.
تتوالى يوميًا الزيادات التي يعلنها وكلاء وموزعو وتجار السيارات في مصر. والتي تصل إلى 25 ألف جنيه دفعة واحدة. بينما سجلت بعض الماركات الكورية والصينية -المركبات الشعبية للطبقة المتوسطة في مصر- مبالغ تتراوح بين 300 و400 ألف جنيه منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
صحيح ان أسعار السيارات سجلت ارتفاعات عالمية مع تعقيدات الإنتاج وحرب أوكرانيا -المورد الكبير لشاسيهات المركبات والكابلات- لكن السوق المصرية تتضمن زيادات مختلفة. فمثالا يفترض زيادة سعر إحدى الماركات الكورية الرياضية بما يعادل 31 ألف جنيه مصري. وفقا للمستوى العالمي لكن محليا ارتفع ذلك الرقم مضروبًا في مائة.
وتتزايد شكاوى العملاء من قطاع السيارات حاليا لتحتل المركز الثاني بين الشكاوى التي تصل إلى جهاز حماية المستهلك من جمهور المستهلكين. وتمثل 5.6% من إجمالي شكاوى السلع المعمرة التي سجلت زيادة أيضًا. بحسب بيانات جهاز حماية المستهلك الذي تدخل بقوة لتنظيم السوق قبل أربعة أشهر لكن دوره خفت فجأة.
“حماية المستهلك”.. تدخل قوى في سوق السيارات ثم هدوء مفاجئ
في منتصف إبريل/نيسان الماضي أصدر جهاز حماية المستهلك قرارا يقضي بإلزام جميع الموردين بتسليم السيارات المحجوزة بالسعر المثبت بمستند الحجز الموقع قبل يوم 12 من الشهر ذاته. وبالأسعار نفسها المعلنة من قبل الوكلاء دون تطبيق أي زيادة.
بالنسبة للعملاء الذين حجزوا بعد ذلك التاريخ منحهم الجهاز حق استرداد مبلغ الحجز كاملا حتى لو دفعه العميل على أقساط مع أعلى فائدة بنكية معلنة من البنك المركزي حينها وهي 18%. وحالة عدم الالتزام بالقرار يعاقب المخالف بأحكام القانون رقم 181 لسنة 2018 الذي يقضي بغرامة 2 مليون جنيه ودون الإخلال بأية عقوبة أشد وردت بقانون آخر.
التزمت سوق السيارات تعليمات جهاز حماية المستهلك في البداية مع حملة ضد القرار تعتبر أنه “مارس دوره في حماية المستهلك لكنه لم ينظر لمصلحة التجار الذين يواجهون نقصا في المعروض وارتفاعا في الأسعار. بجانب تعقيدات في فتح الاعتمادات المستندية في الخارج لشراء المركبات ووصلت إلى قطع الغيار.
وامتنع بعض وكلاء السيارات والموزعين عن البيع تمامًا ووضعوا غالبية سياراتهم في المخازن. على أن يبيعوا للزبون الذي يلح في الطلب بسعر مغاير لها تمامًا. وحاول الجهاز التصدي لتلك الظاهرة عبر إرسال موظفين يدّعون رغبتهم في شراء سيارة. وحال طلب التاجر أو الموزع سعرا أعلى عن 5% يتم تطبيق الإجراءات القانونية عليه -حسب مصدر مسئول بالجهاز لـ”مصر 360”.
هل يكشر “حماية المستهلك” عن أنيابه أم يراعي التجار؟
في خضم الصراع بين الجهاز وشركات السيارات على التسعير قدم النائب محمد راضي -أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب- بيانا عاجلا موجها إلى رئيس مجلس الوزراء. وذلك بشأن مخالفات مالية وإدارية جسيمة لدى رئيس جهاز المستهلك. بالجمع بين راتبين. الأول من الجهاز بقيمة 52 ألف جنيه. والثاني 82 ألف جنيه من وزارة التموين. بالإضافة إلى تقاضيه مقابلا نظير عضويته في أكثر من شركة غذائية. الأمر الذي يؤدى إلى تقاضيه مبالغ مالية أكثر من الحد الأقصى للأجور.
بحسب البيان البرلماني فإن رئيس جهاز حماية المستهلك خريج المعهد العالي للسينما قسم ديكور. وأنه حوّل الجهاز إلى “صفة أسرية”. حيث هناك أكثر من 250 شخصًا تم تعيينهم بالجهاز وكلهم أقارب وأخوة. وانتهى الاستجواب باتهام لرئيس الجهاز في عمل أزمة في السوق المصرية كأزمة السيارات.
أحد موزعي السيارات الكبار يقول لـ”مصر 360″ إن تدخل الجهاز في سوق السيارات خاطئ. فالعرض والطلب هو المتحكم بالسوق. وما دام توجد أزمة إنتاج عالمية ونقص في المنتج المستورد بسبب تعقيدات فتح الاعتمادات المستندية فسترتفع الأسعار.
يملك جهاز حماية المستهلك أنيابا تمكنه من المواجهة. فعلى مدار السنوات الماضية أحال الشركات المخالفة لقراراته أو المخلة بقواعده إلى النيابة العامة. كما أصدر بيانات إعلامية بها تتضمن أسماءها لوضعها أمام الرأي العام. ما مثل رادعا للشركات المخالفة بوضعها أمام الجمهور. لكن هذا لم يحدث مع السيارات.
أزمات الحاجزين.. أموال وطلبات مجمدة لشهور
تعج صفحات التواصل الاجتماعي حاليا بشكاوى من قبل عملاء من تأخر السيارات في التسليم. رغم أن بعض الحاجزين مر عليهم 12 شهرا دون تسلم السيارة ودفعهم مبالغ بين 50 و75% من قيمة المركبة.
مسئول الجهاز يقول إنه لا يتحرك إلا بعد ورود شكوى رسمية إليه. كما أن المحك الأساسي هو العميل. فإذا وافق على دفع مبالغ “أوفر برايس” أو وافق على التسلم بعد مدى زمني معين فلا ضرورة لوجود الجهاز في الاتفاق بينهما.
يضيف أن الجهاز يراعي مصلحة العميل وفي الوقت ذاته يراعي أزمات السيارات. لكن لديه آليات لمتابعة كميات السيارات التي ترد للوكيل من بيانات مصلحة الجمارك ومضاهاتها بالمبيعات الفعلية للتأكد من عدم وجود عمليات تخزين أو امتناع عن البيع أو تعطيش السوق.
الحل من وجهة نظر التجار
المستشار أسامة أبوالمجد -رئيس رابطة تجار السيارات- يقول إن قواعد التجارة العالمية مستقرة ومعروفة. “عرض قليل وطلب كبير” يعادل رفع السعر. ومشكلة السيارات في مصر ليست محلية. فالمعروض منخفض عالميا وأحد أكبر العلامات الألمانية زادت في شهر واحد 20 ألف يورو بسبب نقص الغاز وأشباه الموصلات.
يقول “أبو المجد” إن المبيعات السنوية في السوق المصرية تعادل 250 ألف سيارة. والموجود حاليا يتراوح بين 100 و150 ألفا فقط. ما يرفع الأسعار علاوة على انخفاض حصة كل وكيل من السيارات بنسبة تصل إلى 90%. مع بقاء التكاليف الثابتة التي يتحملها من عمالة وتكاليف تشغيل.
بحسب “أبو المجد” فإن الحل في استيراد سيارة مستعملة. فمصر الوحيدة التي تسمح فقط باستيراد سيارة العام. رغم أن ماركات العام السابق الجديدة ينخفض سعرها بنسبة تصل إلى 30%. ما يتطلب السماح باستيراد السيارات المستعملة 3 سنوات سابقة خاصة السيارات الكهربائية والهايبرد. والأخيرة سيارة هجينة قابلة للشحن بالكهرباء من بطارياتها وتستطيع العمل بالوقود التقليدي أيضًا.