أثبتت التجربة الفنية للسيناريست شريف نجيب، اختمارها بشكل كبير في فيلم “فرق خبرة”. كما أكدت أنها تستحق الاستثمار فيها مستقبلا. إذ إنها خلقت نظرة مغايرة للواقع. فيلمه الأخير “تسليم أهالي” الذي يعرض حاليا في السينيمات يأتي استمرارا للنهج وتكملة للانطلاقة التي بدأت بخطى ثابتة وقوية.
اقرأ أيضًا.. “فرق خبرة”.. كيف تحكي قصة شاب مصري أصيل؟
يتناول الفيلم قصة زوجين، يحلم الزوج الذي يعمل طبيب بشري بالهجرة إلى كندا، لكن سرعان ما تظهر امرأة في حياتهما تلاحقهما في كل مكان، والد الرجل (هشام ماجد) يقع في حب والدة الفتاة (دنيا سمير غانم في أول أدوارها بعد غياب عامين) ومن هنا يتورطا مع بعضهما لحل أزمات مشتركة.
الفيلم من إخراج خالد الحلفاوي، وتأليف السيناريست شريف نجيب، الذي يثبت يومًا بعد الآخر أنه يخلق خطا موازيا خاصا به يصنعه بهدوء. وتم تصويره قبل وفاة الفنانين سمير غانم ودلال عبد العزيز، لكن تأجل عرضه.
بطل شريف نجيب الأول
في عام 2010 قدم شريف نجيب فيلمه الأول “لا تراجع ولا استسلام.. القبضة الدامية” لأحمد مكي ودنيا سمير غانم، الفيلم حقق إيرادات كبيرة على المستوى التجاري، كما حقق نجاحا فنيا على المستوى النقدي.
يواصل “نجيب” تقديم تيمته الأثيرة، فهو مازال يكسر تابوهات فنية متعارف عليها. يطيل الخطوط السريالية لأبعد الحدود. قصة مرسومة لخلق كوميديا الموقف الشحيحة، أبطال أشرار وطيبون بعكس المعتاد، حتى أسماء الشخصيات تذكرنا بأسماء أبطال الراحل محمود أبو زيد.
يتجنب الفيلم المنطق والمألوف ويعقد اتفاقا ضمنيا مع الهزل الفني منذ اللحظة الأولى، حتى يكتشف فيها بطلا العمل (هشام ماجد ودنيا سمير غانم) أن الوالد والوالدة مجرد عصابة تحاول تهريب الألماس في الكوسة.
في أحد المشاهد يدخل الراحل سمير غانم إلى الكادر دون سياق، يلقي إيفيه لا يمت للسياق بشيء ويخرج دون رجعة. ربما يؤدي ذلك لخروج المنطق من كل هذا العبث، على اعتباره عمل يمكن وصفه بـ”تحية الوداع” إلى ملك الارتجال ومحطم المنطق الأول في السينما المصرية.
يصنع “نجيب” عوالم خفيفة لا تحمل أية رسائل ثقيلة الأثر، تتحسس طرقا وعرة حتى تصل إلى جمهور مستقطب من كل جانب ومشتت بين تيارات سياسية واجتماعية وثقافية.
نجيب وصناعة إيفيه الموقف
هذا الخط شديد الخطورة والصعوبة، ربما يسقط في أي لحظة داخل فخ التفاهة المفرطة التي لا تعني أي شيء، فتصبح ثقيلة الظل. وبين أن تحمّل نفسها أكثر مما تبدو ويستطيع صاحبها. بينما يبدو مرة بعد أخرى أن الرجل يفهم جيدا كيف يصنع إيفيه في سياق الموقف.
كالعادة نحن أمام بطلة تشبه كثيرًا بطله الأول والحبيب “حزلقوم” شديدة السذاجة والطيبة والصدق. لا تريد من العالم أشياء كثيرة، تحلُم بفارس أحلامها مقابل أي شيء آخر. تواجه عالم يتجاوزها، تتعثر مرة بعد أخرى، ينتصر بها القدر في النهاية ككافة أبطال السينما الحالمة. تماما كسذاجة شارلي شابلن الذي تقوده الصدفة التي يصنعها صدقه الشديد إلى النجاح دون منطق كبير.
لماذا يمكن اعتبار تجربة شريف نجيب تجربة مهمة؟ لأن اللحظة الحالية لا تشهد أي ملمح أو خط مشابه. جميعها محاولات فردية غير مستمرة، يتشتت أصحابها لأسباب تخصهم أو تتجاوزهم. بينما شاء القدر والأسباب أو تتيسر السبل أمام الرجل الذي يحاول في كل مرة أن يجرب هذا الخط السردي البسيط صعب الصناعة المصنوع بالكامل لأبطال يتوحد معهم الجمهور لطيبتهم ليس لغبائهم كالمعتاد ويضحك على نفسه قبل أن يضحك عليهم.
يدرك المشاهد تدريجيًا هذه الخفة التي تحيطه، عمل خفيف يمكنه تخفيف وطأة يوم عمل ثقيل. القصة بسيطة وعبثية في فيلم تصلح مشاهدته في مختلف الأسر والبيوت. يحرص على الإخلاص للعبث والضحكة الحلوة على حساب أي شيء آخر. تبدو المعادلة صعبة التحقق في لحظتنا بينما يصنعها الرجل وينجح في كل مرة.