تنص المادة 143 من قانون اﻹجراءات الجنائية على “ألا يتجاوز مجموع مدد الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق والمحاكمة بأي حال من الأحوال مدة عامين، وذلك في حالة الاتهامات التي تصل اﻷحكام فيها للمؤبد أو الإعدام”. وهو ما يعتمد عليه عدد من المحتجزين احتياطيًا على ذمة قضايا، كي لا يطيل بهم الأمد في انتظار المحاكمة. لكن وبعد إنقضاء عامين ربما يستمر هؤلاء في السجن؛ لأن هناك قضية أخرى لا يعرفون عنها شيئًا.
قضية جديدة بعد عامين على الحبس الاحتياطي
بعد عامين، بمحضر تحريات جديدة، وجد المهندس يحيى حسين عبد الهادي نفسه متهمًا في قضية جديدة، وهي “الانضمام لجماعة إرهابية على علمه بأغراضها”. لكنها في المرة الثانية تحمل رقم 1356 لسنة 2019. حيث قررت نيابة أمن الدولة تجديد حبسه لمدة 15 يومًا، على أن يبدأ في تنفيذ القرار حين إخلاء سبيله من القضية 277 لسنة 2019.
المهندس يحيى حسين عبد الهادي، وهو ضابط سابق تخرج في الكلية الفنية العسكرية وأحد مؤسسي مركز إعداد القادة، أحد مؤسسي الحركة المدنية الديمقراطية والمتحدث الرسمي السابق باسمها. تم القبض عليه من منزله في 29 يناير 2019 في القضية 277 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا. ثم واجه اتهامات بالانضمام لجماعة أنشأت خلافًا لأحكام القانون تعمل على منع مؤسسات الدولة من أداء عملها. فضلاً عن الإعداد والتخطيط لارتكاب أعمال عنف خلال شهري يناير وفبراير. وأيضًا استغلال ذكرى ثورة 25 يناير للقيام بأعمال تخريبية ونشر الفوضى في البلاد.
المحامي نبيه الجندي يقول إن نيابة أمن الدولة قررت حبس حسين 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية 1356 لسنة 2019، بدلاً من إخلاء سبيله في القضية 277 لسنة 2019، والمحبوس احتياطيًا علي ذمتها منذ 29 يناير 2019، أي قضائه لأكثر من عامين حبس.
اقرأ أيضًا: تعديلات الإجراءات الجنائية تنهي أزمة الحبس الاحتياطي
يوضح الجندي إنه تم اتهام المهندس يحيى حسين في قضية جديدة من داخل محبسه، واتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية. وهي نفس التهمة التي قضى فيها حبسًا احتياطيًا لمدة عامين، كأقصي مدة للحبس الاحتياطي المنصوص عليها قانونًا.
ويشير الجندي، لـ” مصر 360″، إلى أن بمحضر تحريات جديد، تم ضم حسين إلى قضية جديدة بنفس تهمة القضية المحبوس على ذمتها”. وهو ما تم تقديمه للنيابة، التي تجري التحقيقات استنادًا على المحضر الجديد.
للحبس الاحتياطي قضايا أخرى لا تعرف عنها شيئًا
لم تكن حالة المهندس يحيى حسين منفردة، ولكن تكرر الأمر مع شيماء سامي، المتهمة في القضية 535 لسنة 2020. حيث تم ضمها لقضية أخرى بنفس التهمة السابقة وهي “الانضمام لجماعة إهاربية”.
يوضح الجندي، أنه بعد إخلاء سبيل شيماء سامي في 17 يناير الماضي، قررت نيابة أمن الدولة حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية 65 لسنة 2021، واتهامها بنفس تهمة القضية الجديدة. وبدلاً من تنفيذ قرار المحكمة تم تدوير شيماء بمحضر تحريات تم تحريره بتاريخ 29 يناير الماضي، تضمن أنه “أثناء الانتهاء من إجراءات إخلاء سبيلها اتضح أنها مطلوبة في القضية 65 لسنة 2021” بحسب محضر الضبظ.
وفي نفس القضية 65 لسنة 2021، قررت نيابة أمن الدولة حبس الناشطة نرمين حسين 15 يومًا علي ذمة التحقيقات. ذلك بعد صدور قرار بإخلاء سبيلها في القضية 535 لسنة 2020 في 17 يناير الماضي. وذلك بعد 11 شهرًا من حبسها بعد القبض عليها في 23 مارس 2020
يقول الجندي إن أثناء الانتهاء من إجراءات إخلاء سبيل نرمين اتضح أنها ضمن تحريات الأمن الوطني في قضية جديدة تحمل نفس التهم السابقة، والتي تم حبسها 11 شهرًا من قبل على ذمتها. ذلك “حسب محضر الضبط في القضية الجديدة”.
وقد تم ترحيل نرمين من سجن القناطر إلى قسم البساتين في 25 يناير 2021. بعد قرار تبديل حبسها الاحتياطي بالتدابير الاحترازية من محكمة جنايات القاهرة، في 17 يناير 2021. ليتم ضمها لقضية جديدة “تدويرها” في 26 يناير 2021، وظهورها في نيابة أمن الدولة في القضية المشار إليها.
لفظ “تدوير” هو لفظ غير قانوني، استحدثه الأهالي بعد علمهم بعدم خروج ذويهم الصادرة بشأنهم قرارات إخلاء سبيل لهم.
إطالة مدة الحبس الاحتياطي
“الحقوق ليست متساوية”؛ يعلق المحامي نبيه الجندي والموكل لعدد من المتهمين تم ضمهم لقضايا جديدة. ويضيف أنه من حق النيابة أن تحقق في محاضر التحريات التي تورد إليها. لكن من حق المتهم أيضًا الحصول على حريته.
أيضًا يوضح الجندي أن القضايا الجديدة تفتقر إلى الأدلة والقرائن وتستند فقط على محضر التحريات، بنفس التهم رغم فترات الحبس الطويلة التي قضوها على ذمة القضايا القديمة، والتي يعاد تدويرهم منها لأخرى فيعاد حبسهم مجددًا.
ويشير الجندي إلى هذه القضايا الجديدة، ويقول إنها تأتي بهدف إطالة مدة الحبس الاحتياطي. خاصة وإن قضى المتهم في الحبس الأول مدة عامين، التي يعتبر تجاوزها غير قانوني.
القضية 855
تأتي القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة، فخًا لعدد كبير من المحاميين والصحفيين الذين تم تدويرهم وحبسهم على ذمتها وهم داخل محبسهم. ومن بين هؤلاء الصحفية سولافة مجدي، وإسراء عبد الفتاح، والمحامية ماهينور المصري، والمحامي محمد الباقر.
وجهت النيابة في تلك القضية اتهامات لكل من الصحفية إسراء عبد الفتاح، والمحامي محمد الباقر بـ“الاشتراك في اتفاق جنائي، الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية من داخل السجن، رغم احتجاز كل منهما في سجن مختلف”، وفقًا لتصريحات فريق الدفاع. فيما وجهت النيابة للمحامية ماهينور المصري اتهامًا “بالانضمام إلى جماعة إرهابية”. وهي التهمة نفسها المحبوسة بموجبها منذ ديسمبر الماضي، في القضية 448 لسنة 2019.
أما الصحفية سولافة مجدي، المحبوسة احتياطيًا منذ نوفمبر 2019، فقد تم اتهامها مجددًا في تلك القضية. ووجهت لها تهم “بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. وهي نفس تهم القضية 448 لسنة 2019 المحبوسة على إثرها منذ نوفمبر من العام الماضي.
في 26 أغسطس أيضًا، أُدرِج المحامي عمرو إمام والصحفي محمد صلاح والمدونة رضوى محمد، المحبوسين حاليًا احتياطيًا على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 على القضية الجديدة 855. ذلك بناءً على قائمة اتهامات مماثلة للقضية الأولى. وقد أضيف إليها اتهام بتواصل بعضهم مع قوى ومجموعات يسارية من داخل السجون خلال الزيارات وجلسات تجديد الحبس.
اقرأ أيضًا: إخلاء سبيل نشطاء سياسيين: مطالب بالإفراج عن الجميع وإلغاء الحبس الاحتياطي
إجراء تحقيق داخلي
من جانبه، يوضح محمد عيسى المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن ما يتم حاليًا مع المحتجزين لا يستند لواقع أو قانون. ويضيف أن الحبس الاحتياطي في مصر يتم استخدامه كعقوبة. بينما هو إجراء احترازي هدفه الحفاظ على سلامة التحقيق وله مبررات يستند لها في تجديد فترات الحبس.
وتشير المادة 381 من التعليمات العامة للنيابات، إلى تعريف الحبس الاحتياطي، بأنه إجراء من إجراءات التحقيق هدفه ضمان سلامة التحقيق الابتدائي. ذلك بوضع المتهم تحت يد المحقق خوفًا من هربه أو تأثيره على أركان الجريمة والشهود.
هنا يضيف عيسى، لـ”مصر 360″: “نحن كمحامون فوجئنا مؤخرًا بإدراج المتهمين في قضايا جديدة بنفس التهم السابقة من داخل محبسهم، إذن هناك خلل”. ويتساءل: “كيف سيقوم متهم بالتواصل مع آخرين من الحجز؟ كان الأولى بدلاً من إحالتهم لقضية جديدة إجراء تحقيق داخل السجن. فهم ما يزالون تحت مسؤولية أجهزة الداخلية وعليهم المسؤولية، وكذلك محاسبة الضباط المشرفين على السجن”.
هناك أسئلة كثيرة -وفق ما يشير عيسى- لكن لا إجابات من النيابة عليها. فنحن أمام شكل جديد من التدوير، في حين أن معظم قضايا نيابة أمن الدولة يتم تحديد جلسة تحقيق واحدة لها ونادرًا ما يكون لها استكمال، على حد قوله، مشيرًا إلى أن تلك التحقيقات تأتي دون أحراز وأدلة.
بدائل الحبس الاحتياطي
قدمت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ورقة تتحدث عن بدائل الحبس الاحتياطي. واستندت إلى أن المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلاً منه أمرًا بأحد التدابير الأخرى. حيث جاء نص المادة: “يصدر الأمر بالحبس من النيابة العامة من وكيل نيابة على الأقل وذلك لمدة أقصاها أربعة أيام تالية للقبض على المتهم أو تسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوضاً عليه من قبل،ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلاً منه أمرًا بأحد التدابير”.
وأوضحت المادة التدابير بـ”إلزام المتهم عدم مبارحة مسكنه أو موطنه. أو إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة أو حظر ارتياد المتهم أماكن محددة، فإذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيًا”.