بعد عام كامل من التقاضي، وبعد أكثر من 3 سنوات من صدورها، حصلت جمعية السادات للتنمية والرعاية الاجتماعية على حكم من محكمة القضاء الإداري بإلزام وزارة التضامن الاجتماعي بالموافقة على المنحة المقدمة لها. إلا أن هذه المنحة لم تعد متاحة الآن بعد استرداد الجهة المانحة لأموالها. وبالتالي خسرت الجمعية فرصة تمديد نشاط مشروع “بناء قدرات العاملين في الحكومة والمجتمع المدني”.
المنحة المعطلة كانت تقدر بنحو مليون ونصف يورو، تلقتها جمعية السادات من سفارات دول النرويج وسويسرا وألمانيا بالقاهرة قبل 3 سنوات من الآن. لكن رفض وزارة التضامن الاجماعي جعله ينتقل إلى القضاء الإداري، لينتهي الأمر عند الحكم دون التنفيذ.
عطلت البيروقراطية والمخاوف الأمنية الكثير من المنح الواردة للخارج للجمعيات الأهلية التي تعمل تحت مظلة القانون وبعلم أجهزة الدولة. ذلك بسبب الخوف من سوء استغلالها في أنشطة سياسية. حيث يسود اتجاه عام داخل أجهزة الدولة أن أغلبية المنح لا تخلو من الشبهات.
بالمثل، خسرت البلاد أموالاً بالعملة الصعبة غالبًا، كانت تدخلها منح لمؤسسات المجتمع المدني. وعادة ما تدور هذه الأموال عبر البنوك والقنوات الرسمية لدورة رأس المال، ما يعني استفادة مباشرة للدولة. إضافة إلى استخدامها في مشاريع تنموية متنوعة. وبسبب التضييق الأمني على المجتمع المدني المصري، قلصت الجهات المانحة -بدرجة كبيرة- الأموال التي كانت تصل مصر من الجهات المانحة.
اقرأ أيضًا: المجتمع المدني في مصر.. خسائر للاقتصاد و”السمعة” بسبب التضييق
جمعية السادات.. مجرد إثبات حق في المنحة
يوضح محمد أنور السادات، مدير جمعية السادات للتنمية والرعاية الاجتماعية، أن جمعيته حصلت على منحة تقدر بنحو مليون ونصف يورو من سفارات دول النرويج وسويسرا وألمانيا بالقاهرة. لكنه لم يستطع صرفها سبب رفض وزارة الاجتماعي دون إبداء أسباب.
وجمعية السادات هي جمعية أهلية مصرية تأسست في عام 2004 وأُشهرت بوزارة التضامن الاجتماعي المصرية برقم 1081. وتعرف الجمعية نفسها بأنها تسعى إلى تمكين المواطنين المهمشين والفقراء في مصر، مع التركيز بصفة أساسية على المرأة والطفل والشباب.
وأشار السادات، وهو رئيس حزب الإصلاح والتنمية الذي بمثل عدد من النواب تحت القبة، إلى أنه رفع القضية منذ عام أمام محكمة القضاء الإداري، بهدف “إثبات حق” كنوع من التعنت التي تبديه وزايرة التضامن ومن ورائها الأجهزة الأمنية التي تستطلع رأيهم في تلقى التمويل والمنح الأجنبية.
وأضاف لـ “مصر 360” أن الجمعية لا يوجد عليها أي مخالفات أو تحفظ ومسجلة وتعمل تحت رقابة الدولة وأجهزتها ومتابعتها ماليًا وإداريًا من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات. خاصة وأن تلك المشروعات سبق وأن حصلنا لها على نفس المنحة. بينما لفت إلى أن وزارة التضامن وافقت قبل 6 سنوات على نفس المنحة، فيما تم الرفض في التمديد لنفس المشاريع، دون إبداء أسباب.
وعن استقبال المنحة بعد الحكم، أوضح السادات أن الأحكام صدرت وسيتم تبليغها للوزارة. لكن في نفس الوقت الجهات المانحة لم تعد متاحة بعد 3 سنوات، وهي بالتأكيد لديها مشروعات أخرى تقوم بتمويلها وغير وارد قبولها لتقديم منحة أخرى.
الاعتراض الأمني وحده لا يكفي
حيثيات المحكمة في قضية السادات حققت ما نادت به الجمعيات طوال الفترة الأخيرة. إذ جاء بها أن “اعتراضات الجهات الأمنية لا تكفي وحدها سببًا يقوم عليه القرار الإداري؛ إلا إذا استندت إلى وقائع معينة وأدلة واضحة تبررها حقًا وعدلاً”.
لم تقع جمعية السادات وحدها فريسة تلك العقبات الإدارية. حيث توجد أحكام كثيرة صادرة للجمعيات الأهلية تقر بإلزام قبول المنحة المقدمة إليها. لكن ليس دائمًا ما تنتظر الجهة المانحة قبول الجهات المعنية المصرية للموافقة.
يشير المحامي نجاد البرعي، مدير المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، إلى أنه منذ بداية 2002 وتحصل الكثير من الجمعيات على قرارت إدارية برفض المنح بدون أسباب، قائلا: “الرفض الأمني بمفرده ليس مبررا لابد وأن تسبب الوزارة أسبابها”.
مئات الأحكام خرجت من مجلس الدولة منذ 2002 وينتهي الأمر عند سحب الجهات المانحة للمنع وإيقاف المشاريع، بسبب فترة الرد الأولى من الوزارة ويليها اللجوء للقضاء الذي نادرا ما أن يحكم في وقت قليل لتلك الجمعيات، وفقا للبرعي.
وأوضح البرعي أن الأسباب التي تأتي تتلخص في جملة” المساس بالأمن القومي”، فلازال الأمر رهين أمر التطور فالعبارة فضفاضة وتحمل الكثير من التفسيرات. ويقول المحامي أحمد راغب إن الأحكام الصادرة من القضاء الإداري هي تأكيد على مبادئ سابقة للقضاء فى ضرورة وجود إفصاح جهه الإدارة عن سبب رفض المنح وعقود التمويل.
وعن مصير المنح، أشار راغب إلى أنها تظل مرهونة بإمكانية تنفيذ الأحكام. خاصة وأن فترة التقاضي بتستمر سنوات والجمعيات بتضطر أنها تعيد الأموال للجهة المانحة وفقا للقانون.
سند للتمويل الخارجي
عانت الجمعيات الفترة السابقة قبل تعديل قانون الجمعيات الأهلية 84 لسنة 2002. فقد كان قانونًا مقيدًا للعمل بما يحتويه من مواد مجحفة تضيق الخناق على عمل الجمعيات والمؤسسات.
وفيما يتعلق بتمويل الجمعيات الأهلية، اتفق قانون رقم 84 لسنة 2002 مع القانون الجديد بـ149 لسنة 2019 بشأن الاشتراط على تمويل الجمعيات بإبلاغ الجهة الإدارية. مع اشتراط الأخير بإيداع الاموال في حساب البنكي. فضلاً عن تحذير بقبول أموال نقدية تزيد عن 500 جنيه مصري أو ما يعادلها بأي عملة أجنبية إلا بموجب شيك بنكي أو أي إجراء مصرفي عبر أحد البنوك.
كما منح الوحدة حق الاعتراض على قبول أو تلقي الأموال خلال 60 يوم عمل من تاريخ ورود الإخطار إليها. وهو الأمر الذي برره مساعد وزيرة التضامن أيمن عبد الموجود لـ”تفعيل الشمول المالي وعدم التدوال النقدي، بسبب جائحة كورونا والتطور الجديد للتحويل الإلكتروني”.
قرار رفض تلك المنحة من شأنه منع الجمعية المدعية من تنمية مواردها المالية. كما يمنعها من مزاولة أحد أنشطتها بما يستتبعه ذلك من تقييد لأحد مظاهر ممارسة الحق في تكوين الجمعيات الذي كفله الدستور وأكدت عليه المواثيق الدولية. وذلك دون أن يتوافر لذلك ثمة مبرر مشروع يرتضيه التنظيم الديمقراطي السليم، حسبما يوضح عبد الموجود.
يشير رئيس جمعية السادات إلى أن المنحة المعطلة كانت موجهة لمشروعات منتدى ثقافي تعليمي للشباب ومشروع رفع كفاءة الجمعيات المجتمع المدني والأخير لتحسين علاقتها بالمؤسسات الحكومية. والأن تلك المنح سقطت لأنها من 3سنوات.
أحكام أخرى في طريق رفض المنح
قضت محكمة القضاء الإداري في 2016 بإلغاء قرار الجهة الإدارية. وأعطت الحق لمؤسسة المرأة الجديدة في تلقي منحة من مؤسسة روكفلر. بغرض تنفيذ مشروع عن “الشباب المصري والتغيير السياسي والاجتماعي”، وألزمت وزاره التضامن بالمصروفات.
كانت المجموعة المتحدة محامون ومستشارون قانونيون قد أقامت هذه الدعوى بصفتها وكيلة عن الدكتورة آمال عبدالهادي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة، ضد وزير الشؤون الاجتماعية وآخرين.
كما قررت نفس الدائرة في 2019 بإلغاء قرار جهة الإدارة برفض الموافقة على قبول المنحة المقدمة لجمعية “حقوقي لحقوق الأفراد ذوي الإعاقة ” من قبل الصندوق العربي لحقوق الانسان بمبلغ مقداره 52820 دولار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة المصروفات، بدعوى عدم موافقة الإدارة العامة للأمن بالوزارة المدعى عليها لا يكفي وحده سبباً يقوم عليه القرار الإداري إلا إذا استند إلى وقائع معينة وأدلة واضحة تبرره حقاً وعدلاً.
الأحقية في تلقي المنح والتمويلات
كان لنفس الدائرة السابقة في 2016 حكم آخر بعد 3 سنوات من التقاضي، أقرت خلاله بأحقية الجميعات الأهلية في تلقي المنح والتمويلات الخارجية، للمساهمة في قضايا التنمية، وأصدرت توصيتها بإلغاء قرار بعدم قبول المنح لجمعية كاريتاس مصر، مع استيفاء الإجراءات المقررة قانونا.
وقالت المحكمة، فى حيثيات حكمها، إن “جمعية كاريتاس مصر” من الجمعيات ذات الصفة العامة على النحو الوارد بقرار رئيس الجمهورية رقم 266 لسنة 1975، وكانت قد وردت إليها مبالغ مالية من جمعيات من الخارج دعما لنشاطها بجمهورية مصر العربية، وحيث إنها تقدمت بطلب للحصول على موافقة الجهة الإدارية قانونا، إلا أن الجهة الإدارية لم ترد بالإيجاب أو السلب وهو ما حدا بالمدعى إلى اللجؤ إلى لجنة تحكيم وفض منازعات الجمعيات الأهلية بمحافظة القاهرة.
وفي 2016 أيضًا وبعد 3 سنوات، أقرت المحكمة، بعدم قبول الدعوى التي أقامتها الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، طعنًا على قرار وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية بعدم قبول منحة من منظمة سويدية.
وأرجعت المحكمة السبب إلى رفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون على النحو المبين بالأسباب”. وألزمت المدعي بصفته بالمصروفات.
وكانت الجمعية قد تلقت رفضًا من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية في 21 نوفمبر 2012. وجاء القرار بعدم قبول المنحة الواردة من المكتب الإقليمي للشرق الأوسط لمنظمة دياكونيا السويدية بمبلغ مليون وخمسمائة ألف كورونا سويدي. ذلك بغرض تمويل مشروع المبادرة الشعبية لتطوير الدستور ومتابعة مهام الفترة الانتقالية.
اقرأ أيضا: لائحة قانون الجمعيات الجديد.. الثقة بين “المجتمع الأهلي” والحكومة مرهونة بالتطبيق
انفراجة أم تضييق
“قاعدة قديمة لا يمكن اتخاذها كدليل للانفتاح وننتظر التنفيذ طبقا للقانون الجديد”. يشير البرعي إلى أن الأحكام الصادرة مازالت تقف عند حد رد الجهة الإدارية. وهي التي من شأنها أن تقوم بالطعن أو تعطيل القرار حتى ينتهي أمر المنحة.
وأوضح البرعي أن الأحكام السابقة لابد وأن يتم تكرارها مرة أخرى في ظل القانون الجديد. ويضيف: “ما زالنا في انتظار رؤية نتائج تنفيذ القانون مع الجمعيات لتوفيق الأوضاع وللعمل”.
و سمحت المادة 41 من اللائحة للجمعية بتلقي الأموال من داخل الجمهورية من جهات مصرية أو أجنبية غير حكومية مصرح لها بالعمل داخل مصر. على أن تودع في حسابها البنكي والتأشير في سجلاتها بذلك. مع وجوب إخطار حسب الأحوال بتلقي الأموال خلال 3 أشهر.
“ننتظر ونرى جدية الوزارة في إعطاء الفرصة للجمعيات للعمل وعليها فقط التفتيش والرقابة، ولكن لا ترفض منح أو توقف نشاط فالتمويل مسموح مثل الدولة والتي تتلقى العديد من التمويلات، أتمنى أن يكون هناك صدق نوايا والتزام من جانب الدولة التي قالت انها ستشجع عمل الجمعيات”. يختم السادات حديثه.