“لن يتوقف الأذى، فاختارت الانتحار”، جملة قد تصادفك عشرات المرات علي مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات المختلفة، لكن بعيدًا عن الأحرف الصماء هل اختبرت شعور بأنك “محاصر” من قبل، تخاف أن تتنفس فتتذكر كل شيء، روحك تأن وجسدك لا يأبي الشفاء، عملك في تدهور مستمر، بل كلما تغمض عينك تشعر بأيد أحدهم علي جسدك او تتهامس الاحرف لتخدش حياءك، فتفضل الانتحار هربًا من أشباح “التحرش” ومنتهكيه.
في عام 2017، أزاحت حركة “# أنا أيضًا”، الستار عن العديد من الممارسات غير الأخلاقية لرجال ذو نفوز وسلطة بل ومشاهير أيضًا، إذ واصفها البعض بـ “الفضائح التي هزت الولايات المتحدة”، في حين ذهب البعض لتصنيفها بأسرع حراك اجتماعي في العصر الحديث، وهو ما سلط الضوء وبشدة على التحرش الجنسي، لاسيما في بيئة العمل وآثاره النفسية التي قد تصل للانتحار، بحسب دراسات حديثة.
وأشار البنك الدولي من ضمن سلسلة تقاريره عن المرأة وأنشطة الأعمال والقانون، إلى أن “ثمة أدلة عديدة على الكلفة التي يكبدها التحرش الجنسي لأنشطة الأعمال، المتجلية في التسويات القانونية، ووقت العمل الضائع، وفقدان العمل”.
خطر الانتحار
تحت عنوان “التحرش الجنسي المرتبط في العمل وخطر الانتحار”، ذكرت دراسة حديثة نشرتها المجلة الطبية البريطانية، في سبتمبر الجاري، اعتمادًا على استبيان شمل أكثر من 86 ألف موظف وموظفة، أن الموظفين والعمال الذين تعرضوا للتحرش في أماكن عملهم أكثر عرضة للانتحار والإصابة بأمراض نفسية وعقلية حادة.
وتؤكد المجلة أم حركة “# أنا أيضًا” ساهمت في التركيز أكثر والاهتمام بتداعيات وضحايا التحرش الجنسي في العمل، سوءً لفظيًا أو بدنيًا أو حتى لمجرد الترهيب، لكن رغم ذلك يصعب الحصر التدقيق لعدد الضحايا.
واستندت نتائج الدراسة، التي تابعت ضحايا التحرش في العمل ما بين عامي 1995 لـ 2013، على السجلات الرسمية للمستشفيات لحصر حالات الانتحار أو المحاولات التي نجت.
وكشفت بعض التقارير أن ما لا يقل عن 80٪ من النساء و30٪ من الرجال قد تعرضوا للتحرش الجنسي في العمل، بينما تظهر دراسات أخرى أن النسب تتراوح بين 1٪ إلى 20٪، بالترتيب.
وتوفي 125 شخًصا من المشمولين في الدراسة بنسبة 1%، بينما حاول 816 شخص الانتحار، أي بنسبة حالة لكل 100 شخص، وبشكل عام فقد تعرض 11 شخص من 4095 مشاركًا في الاستبيان للتحرش الجنسي في العمل، بينما حاول 114 شخص من 81110 للانتحار.
ويقول جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن آثار التحرش الجنسي، لاسيما في بيئة العمل، حيث تقابل الضحية المعتدي عليها بشكل شبه يومي أو يكون له سلطة عليها تردعها من الإبلاغ أو فضحه، خطيرة للغاية، وتصل في كثير من الأحيان للانتحار أو المحاولة.
ويروي “فرويز” أن بعض الحالات التي قابلها في حياته المهنية، كان أساس مرضهم تعرضهم للتحرش في العمل أو الدراسة، حيث أشار إلى أن أحد مرضاته استمرت في الجلسات لمدة سنتين بسبب الاكتئاب، الذي كان نتيجة عن تعرضه للتحرش من مديرها في العمل وعدم قدرتها على الإفصاح، حتى بعد ترك عملها.
ونوهت المجلة البريطانية إلى أن التحرش الجنسي في العمل له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية، فعلي سبيل المثال، تعرض أغلبية ضحايا هذا النوع من التحرش إلى أمراض جسدية كالإجهاد وضغوط ما بعد الصدمة والغياب عن العمل، كما عانوا من آثار نفسية حادة كالاكتئاب والقلق، التي قد تؤدي في النهاية إلى الانتحار، واتباع نمط حياة محفوف بالمخاطر، كإدمان المخدرات، وانتهاج سلوكيات جنسية خطرة.
ووفق دراسة سابقة أجراها علماء من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا درسوا الآثار النفسية للتحرش الجنسي والاغتصاب، فأن التحرش ينبغي أن يكون مساويًا للاغتصاب، لأن العواقب النفسية في الحالتين متطابقة.
فرص اقتصادية
وبيد أن الآثار السلبية للتحرش لا تنتهي، إذا تؤدي أعمال العنف الممارسة ضد المرأة، سوءً جنسيًا أو بدنيًا، إلى اضرار اقتصادية واجتماعية ضخمة، وهو ما يرمي بظلاله على المجتمع ككل.
وضمن سلسلة تقارير “المرأة وانشطة الأعمال”، كشف البنك الدولي إلى أن المرأة تعدم الحماية القانونية من التحرش الجنسي في أماكن العمل في 59 بلدًا، تتمثل النسبة الأكبر التي تصل الي 70% في بلجان الشرق الأوسط وشمال افريقيا وفي النصف من منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، والثلث من منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، ومن شأن ذلك أن يؤثر على أكثر من 500 مليون سيدة حول العالم.
التحرش الجنسي يكلف المنظمات والمؤسسات العاملة تكاليف باهظة،
بينما تشير المجلة البريطانية إلى أن التحرش الجنسي يكلف المنظمات والمؤسسات العاملة تكاليف باهظة، وذلك بسبب التغيب عن العمل وتغير الموظفين باستمرار، في حين أنه يؤثر على فرص المرأة في النجاح المهني وكذلك من الشعور بالرضا في العمل، ومع ذلك فإن العديد من البلدان مازالت لا توفر للمرأة الحماية القانونية اللائقة ضد هذا الاعمال التي تتدرج تحت عدم المساواة بين الجنسين.
38% من ضحايا العنف الجنسي يعانون من مشاكل العمل أو الدراسة
وبحسب الإحصائيات، فأن 38% من ضحايا العنف الجنسي يعانون من مشاكل العمل أو الدراسة، والتي يمكن أن تشمل مشاكل كبيرة مع رئيس العمل، أو الأقران، وهو ما ينتج عنه ترك مكان العمل بدلاً من الإبلاغ او تقديم شكاوى، وهو ما يعني البدء من جديد، وخسارة الزيادة في الأجور، وفقدان فرص الترقي الوظيفي وإمكانية تحقيق مكاسب أكثر.
بالنسبة للتحرش الجنسي في العمل، وفقًا لأخر الإحصائيات، فقد انخفض عدد النساء المحرومات من الحماية القانونية من 16% تقريبا عام 2013 إلى 13.5% عام 2017، فيما تقلص عدد النساء والفتيات غير المشمولات بالحماية من التحرش الجنسي في التعليم بنسبة أقل من 57.5 إلى 55% خلال الأربع سنوات الأخيرة مما نتج عنه 1.5 مليار سيدة بدون حماية.
ألا أن رغم ذلك يعتبر وجود القوانين المناسبة أمرا مهما لتوفير الحماية القانونية للنساء ضد التحرش الجنسي، ومؤشرا على الالتزام بتحقيق أحد أهداف التنمية المستدامة المتمثل في إنهاء كافة أشكال العنف والممارسات الضارة ضد النساء والفتيات بحلول عام 2030، بحسب البنك الدولي.