لا يعتد أحمد رمضان، فني التوصيلات الصحية وأعمال السباكة، بالجنيه كعملة في حد ذاته في تقييم الخدمات التي يقدمها للجمهور، فبالنسبة له القيمة الأكثر أهمية لتقدير قيمة الأعطال التي يصلحها هي سعر علبة السجائر.
ومع إعلان الشركة الشرقية للدخان، محتكر إنتاج السجائر بمصر، أمس الثلاثاء، رفع أسعار بعض أصناف التبغ، بما يتراوح بين 25% و71%، قرر “رمضان” على الفور رفع قيمة خدماته بنحو 10 جنيهات، رغم أن القرار من الأساس يتعلق بأنواع لا يستهلكها غالبية المصريين مثل السيجار.
رفعت الشركة، الشهيرة باسم “إيسترن كومباني”، أسعار بعض أنواع التبغ والسيجار بنسبة تتراوح بين 25% و71%، وأسعار “دخان شعر” ماتوسيان أحمر وأخضر “وزن 40 جرامًا” بنسبة 25% ليصل إلى 40 جنيهًا بدلا من 32 جنيهًا.
لا ينكر“رمضان” كغيره من ملايين المصريين من المدخنين أن السجائر سلعة غير أساسية، لكنه لن يتوقف عن التدخين الذي يزاوله منذ سن العاشرة، فأسعار الدخان التي يراها “مبالغ فيها”، لا تمثل ضررًا بالنسبة له، فكلما زاد السعر سيحمله للجمهور الذي يتعامل معه.
وطالب كثير من المدخنين بزراعة التبغ محليًا بدلاً من استيرادها من الخارج، ولمصر تجربة سابقة في زراعة الدخان بالفيوم في فترة الحملة الفرنسية، وامتدت لكثير من مدن الصعيد، وانتعشت مع وصول محمد علي باشا للحكم، الذي كان تاجرًا للدخان ويعلم بحاجة الأسواق الأوروبية للتبغ حجينها بسعر رخيص فقر التوسع بزراعته بمصر.
توقفت زراعة التبغ بمصر خلال الاحتلال البريطاني الذي قرر حظر زراعته
وتوقفت زراعة التبغ بمصر خلال الاحتلال البريطاني الذي قرر حظر زراعته وتغريم المخالفين 200 جنيه عن كل فدان ومصادرة المحصول، من أجل التوسع في القطن وتصديره لبريطانيا، قبل أن تعود زراعته مجددًا في الخمسينيات وفق ضوابط معينة، وكانت الشركات تحسن جودته عبر خلطة بنوعيات من التبغ المستورد من الخارج الذي كانت تورده شركات يونانية وتركية.
وترسخت السجائر لترتبط بمناسبات المصريين بتوزيعها في الأفراح والمآتم، وامتدت لتمثل صراعا عنيفا بين المصانع المصرية التي رفعت شعار “مصر للمصريين” والجنسيات الأرمن الذين كانوا يملكون نحو 20 مصنعا بمصر، حتى وصل الأمر إلى إصدار سجائر باسم “بيت الأمة”، للتأكيد على وطنية من يتناولها عن مستهلكي منتجات الأجانب.
سياسة النيكوتين
توقفت زراعة التبغ مجددًا بعدما اعترضت عليه المراكز البحثية الزراعية بسبب إمكانية نقل نبات التبغ بعض الأمراض الفيروسية والحشرية المتعلقة ببيئة مصر الحارة، علاوة على أنه يحتاج لاستقطاع مساحة من الأراضي الجيدة لزراعته التي ستأتي على حساب محاصيل استراتيجية أخرى.
الشركة الشرقية للدخان تدفع في المتوسط ضرائب ورسوم للخزانة العامة بقيمة 144 مليون جنيه يوميًا
لكن وزارة المالية كانت الجهة التي وقفت وراء وقف الزراعة بمصر فاستيراده من الخارج يمثل موردًا لا ينضب للموازنة العامة للدولة، فالضريبة القطعية على السجائر تبلغ 74.6 مليار جنيه في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي، والشركة الشرقية للدخان تدفع في المتوسط ضرائب ورسوم للخزانة العامة بقيمة 144 مليون جنيه يوميًا، ما يجعلها ثاني أهم مورد مالي للموازنة.
وتستهدف “الشرقية للدخان” إنتاج 86,734 مليار سيجارة خلال العام الحالي موزعة بين 62 مليار سيجارة للسوق المحلية، و1,056 مليار سيجارة لأسواق التصدير، 1,8 مليار سيجارة انتاجا مشتركا، بجانب إنتاج 20,7 ألف طن دخان معسل (17 ألف طن للسوق المحلية و3,7 ألف طن لأسواق التصدير.
وتأسست الشركة عام 1920 بمرسوم من السلطان أحمد فؤاد، برأسمال 25 ألف جنيه، وكان الغرض منها محاربة الإنتاج الأجنبي للسجائر ونجحت بالفعل في السيطرة على الشركات السجائر الأرمينية التي احتلت مصر حينها وجاء التأميم ليحولها لشركة عملاقة.
صادقت مصر عام 2005 على الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية، المتعلقة بمكافحة التبغ، والتي تحظر التدخين في جميع الأماكن العامة، وقررت رفع الغرامات التدخين في القطارات إلى 70 جنيهًا، لكن لا يزال المصريين يدخنون داخل جميع الشركات والمصالح الحكومية والخاصة كالمعتاد.
ووفقًا لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر فإن 17.3% من إجمالي السكان (15 سنة فأكثر) يدخنون بانتظام بما يعادل 11.1 مليون نسمة. لكن الجهاز يرفع عدد المدخنين السلبيين المخالطين لمدخنين بحوالي 30 مليونًا.
الدخان مرادفًا للعمولة
يقول محمد علي، مدرس، إن هناك إشكالية تتعلق بتحمل غير المدخنين أعباء حال رفع السجائر فإنجاز بعض المصالح الخاصة ببعض الأجهزة الإدارية يتطلب دفع عمولة لموظفين أو سعاة أو تتطلب وسطاء” مخلصاتية” لسرعة الإنجاز تحت اسم “الدخان”، ويقدرون هؤلاء خدماتهم بمتوسط 3 علب سجائر من الأنواع الفاخرة.
تفرض وزارة المالية سلسلة من الضرائب الجمركية على التبغ الذي يتم تخزينه منذ قدومه عبر بواخر الإسكندرية في جمرك الستبية، ويطبق عليها نظام الدرو باك، بفرض جمارك جديدة على الكميات التي يتم سحبه منه.
تؤجر وزارة المالية جمرك السبتية من الشركة العامة للصوامع والتخزين التابعة لوزارة التموين منذ أيام الاحتلال الإنجليزي الذي كان يخزن فيه كميات التبغ القادمة من الهند كمحطة قبل إعادة تصديره للملكة المتحدة التي تتولى أعمال التصنيع وإعادة التصدير مجددًا.
وتحاول الوزارة دائمًا مواجهة عمليات التهريب للأسواق المجاورة للحفاظ على الصناعة المحلية من التبغ وعوائدها، ووضعت مصلحة الجمارك أخيرًا ضوابط جديدة لمنع استيراد التبغ والدخان الخام؛ لتطبيقه في الموانئ المصرية، ينص على أنه يفرج عن رسائل التبغ الخام المستورد بنظامي الوارد النهائي، والدروباك بأسماء المصانع العاملة فقط.
تنفق الأسر المصرية تنفق 6% من متوسط دخلها الشهري على التدخين بمتوسط 110جنيهات شهريًا
ويقول خبراء اقتصاد إن الأسر المصرية تنفق 6% من متوسط دخلها الشهري على التدخين بمتوسط 110جنيهات شهريًا، لكن الإشكالية في أن غالبية تلك الأسر تنتمي للطبقات الفقيرة التي لا تزال تعتبر تلك العادة وسيلة للتنفيس عن الضغوط والمشكلات الحياتية التي يعانون منها ما جعلها تتسبب في وفاة 170ألف حالة سنويًا.