يستعد البنك المركزي المصري، اليوم، لتحديد أسعار الفائدة تزامنًا مع عقد اجتماع لجنة السياسات النقدية الأول في 2023، وسط تباين واضح في توقعات السيناريو الذي سيلجأ إليه المركزي، خاصة بعد رفعها لمستوى قياسي 3% في الاجتماع الأخير ديسمبر الماضي.
وأعلن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) مساء الأربعاء، رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.25%، وذلك للمرة الثامنة على التوالي، وهو ما جاء بعد انتهائه من أول اجتماعاته في 2023 لبحث مصير أسعار الفائدة.
وحدد البنك المركزي المصري 8 اجتماعات للجنة السياسة النقدية لبحث أسعار الفائدة خلال عام 2023 سيكون أول اجتماع للجنة اليوم الخميس.
اقرأ أيضا.. كيف تدخل البنك المركزي لإنقاذ الجنيه أمام الدولار؟
ماذا يعني رفع الفائدة؟
يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على الإقراض. فإذا كان العميل يرغب الآن في الحصول على قرض فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على القرض الذي يرغب في الحصول عليه. وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي لـ “مصر 360”.
يوضح شوقي أن هذا الإجراء لا ينطبق على العملاء الذين حصلوا على قروض من قبل ويسددون حاليًا أقساط عليه. وفي حال كان العميل سبق وحصل على قرض بفائدة متغيرة -أي مرتبطة بسعر الفائدة المقررة من البنك المركزي- فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع.
يشرح الخبير المصرفي أن الفائدة على شهادات الادخار والودائع في البنوك سترتفع. وهو أمر يخضع لرؤية كل بنك في تحديد نسبة الفائدة على الودائع والشهادات التي يقدمها. كما سيرتفع سعر الفائدة تلقائيا وأوتوماتيكًا، على الشهادات والودائع، التي تكون مربوطة بسعر الفائدة في البنك المركزي. والتي تسمى “متغيرة العائد”. ولا ينطبق ارتفاع سعر الفائدة على الودائع والشهادات على العملاء. الذين سبق واشتروا شهادات ادخار من قبل، ويحصلون حاليًا على فوائد مقابل أموالهم.
ويرفع البنك المركزي أسعار الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد -زيادة أسعار السلع والخدمات- وبالتالي تنخفض قيمة المال. وتقل نسبة الاقتراض ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم. وفي حالة الركود الاقتصادي، يقوم البنك بخفض سعر الفائدة. ما يخفض من قيمة الأموال فيزداد الاقتراض وينتعش الإنفاق الاستهلاكي.
تحريك متوقع
وتباينت توقعات خبراء الاقتصاد، بشأن سيناريوهات قرار لجنة السياسات النقدية حول أسعار الفائدة. ورجح البعض لجوء المركزي إلى تحريك أسعار الفائدة محليا بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم. والذي ارتفع المعدل السنوي العام له في الحضر ليسجل 21.3% في ديسمبر 2022 مقابل 18.7% في نوفمبر الماضي.
وقال هاني جنينه الخبير الاقتصاد لـ”مصر360″، أنه من المتوقع أن يلجأ المركزي إلى رفع الفائدة بمعدل قد يصل إلى 3% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر له اليوم الخميس.
تابع جنينه أن عملية تحريك الفائدة قد يتبعها بعض المكاسب للبنوك المصرية وتحقيق ربحية عالية خاصة بعد طرح شهادات الإدخار ذات العائد المرتفع التي وصلت إلى نحو 25% ببعض البنوك.
لفت إلى أهمية أن يتمسك المركزي بخطواته الاستباقية فيما يتعلق بمعدلات التضخم. والتي تحتاج إلى إجراءات حاسمة على مستوى مواجهة التضخم المرتفع داخليًا.
فيما أعربت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، عن توقعاتها بشأن معدلات التضخم ورفع سعر الفائدة خلال الفترة القادمة. بأن الشهادات ذات العائد 25% حققت أكثر من 460 مليار جنيه منهم 205 مليارا من خارج القطاع المصرفي ما أدى إلى سحب السيولة من السوق.
وأوضحت خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “كلمة أخيرة” الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي، أن المعدلات بين الفائدة والتضخم وصلت إلى 7%، بمعنى أن سعر الفائدة أقل من التضخم، منوهة إلى أن الفترة القادمة ستشهد اجتماع لجنة تسعير البنزين وقدوم شهر رمضان الكريم ما قد يؤدي لزيادة التضخم.
وطبقا لكل المعطيات السابقة تعتقد الدماطي أن البنك المركزي سيتجه لاتخاذ خطوة استباقية ويرفع الفائدة في ضوء الأحداث القادمة، متوقعة أن يرفع الفائدة من 2% – 3%.
تراجع الجنيه والالتزام بسياسات الصندوق
وتوقعت إدارة البحوث بالمجموعة المالية هيرميس قيام لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي برفع أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 150 نقطة خلال اجتماع الخميس.
وأرجعت هيرميس ذلك إلى احتواء الضغوط التضخمية الناشئة عن تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بنحو أكبر مؤخرا، حيث انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 17% تقريبا خلال الثلاثة أسابيع الأخيرة من شهر يناير المنصرم. وتوقعت هيرميس ارتفاع التضخم لنحو 23% خلال شهر يناير مقابل 21.3% في ديسمبر 2022 على أن يستمر بالقرب من تلك المستويات خلال الربع الأول من عام 2023.
ومن جانبه صرح مصدر مسئول لـ “مصر 360” أن موافقة صندوق النقد الدولي على قرض مصر -3 مليارات دولار- كان قد فرض بعض الالتزامات الخاصة بتحريك الفائدة.
لفت إلى أن البيان المتعلق بموافقة صندوق النقد النهائية منتصف ديسمبر الماضي على ضخ قرض لمصر قد بين التزام السياسة النقدية في مصر المتمثلة في البنك المركزي باتباع سياسة انكماشية تقوم على رفع الفائدة لكبح التضخم وسعر صرف مرن للجنيه مقابل باقي العملات الأجنبية.
وقررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في اجتماع 22 ديسمبر 2022 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25%، 17.25% و16.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.75%.
تثبيت لحماية السوق
في حين يرى خبراء مصرفيون أن الوضع الحالي داخل السوق لا يتحمل أي تحريك على مستوى أسعار الفائدة التي يتبعها تحرك مباشر على مستوى أسعار السلع في السوق وتراجع قيمة الجنيه أم الدولار الذي قفز إلى مستويات قياسية مؤخرًا تجاوز الـ 30 جنيها.
وتوقع طارق متولي الخبير الاقتصادي، أن يلجأ البنك المركزي إلى تثبيت أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقرر اليوم، وذلك بعد أن قرر في ديسمبر الماضي تحريك الفائدة بنحو 3% دفعة واحدة. وبالتالي لا بد من انتظار دراسة تأثير القرار الأخير على وضع السوق. ولايزال هناك وقت لرؤية تبعات القرار.
لفت إلى أن السوق المصرية باتت أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية خلال الوقت الراهن، وهو ما قد يدفع المركزي إلى تثبيت الفائدة خلال اجتماع فبراير.
رجح أن تأخذ لجنة السياسات النقدية في اعتبارها قرارها السابق وحتمية دراسة تأثيره وكذلك موقف الشهادات مرتفعة العائد التي سبق وتم طرحها في أكثر من بنك وحققت حصيلة حوالي 460 مليار جنيه.
هل تتأثر مصر بقرار الفيدرالي؟
ويأتي قرار لجنة السياسات النقدية المصرية بعد ساعات من قرار الفيدرالي الأمريكي تحريك الفائدة بنسبة 0.25%، وذلك للمرة الثامنة على التوالي. حيث أوضح الفيدرالي أن حرب روسيا ضد أوكرانيا تتسبب في صعوبات بشرية واقتصادية هائلة وتساهم في تصاعد حالة عدم اليقين العالمية. “اللجنة (الفيدرالية للسوق المفتوحة) حريصة للغاية على مخاطر التضخم”.
وتقول مصارد مصرفية في تصريحات خاصة، إن رفع الفائدة في أمريكا يتسبب بشكل مباشر في تحريك أسعار الفائدة في مختلف دول العالم، لتأثرها مباشرة بتخارج أموال الأجانب وتوجهها إلى السوق الأمريكية التي باتت أكثر جاذبية.
وتوقعت المصادر أن يرفع المركزي الفيدرالي أسعار الفائدة مرات عدة هذا العام. ولكن بزيادات صغيرة. في الوقت الذي رفعت فيه أيضًا بنوك مركزية في الدول العربية أسعار الفائدة بعد خطوة الفيدرالي الأمريكي.
أشارت إلى أن قرار الفيدرالي الأمريكي يعد أحد العوامل المحورية التي يضعها البنك المركزي المصري نصب عينيه وهو يقيم مسار سياسته النقدية. ومنها قرار رفع الفائدة لمواجهة تخارج الدولار من السوق المصرية، وبالتالي قد يلجأ المركزي المصري إلى إجراء تحريك على مستوى سعر الفائدة محليًا.
وأوضحت أن البيئة الحالية تعد غير مثالية لأصول الأسواق الناشئة. وأن تغيير الفيدرالي الأمريكي سياساته تؤثر بشكل مباشر وواضح على الاقتصادات الأخرى وتدفعها لتغيير سياستها وإجراء تحركات على أسعار الفائدة لمواكبة التغيرات النقدية العالمية.
في حين يرى الخبير المصرفي أحمد شوقي، أن مصر لم تعد تعتمد على فكرة الأموال الساخنة لدعم موارد النقد الأجنبية -والتي كانت تؤثر بشكل كبير على قرار لجنة السياسات النقدية- بعد هروب ما يزيد عن 22 مليار دولار الفترة الماضية من السوق، رغم قرارات تحريك الفائدة، وبالتالي لم يعد من المنطقي الربط بين قرار الفيدرالي الأمريكي والمركزي المصري.
كيف يؤثر رفع الفائدة؟
وتؤثر التغيرات في معدل الفائدة في مصر على الدولار الأمريكي بشكل كبير، فعندما يرفع المركزي المصري سعر الفائدة تنخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، الذي يزداد قوة في السوق المصرية -وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي-.
وارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري خلال الفترة الماضية، حيث يجاوز الدولار الواحد حاجز الـ 30 جنيها مصريا حاليًا، ولم يهبط سعر صرف الجنيه منذ فترة بعيدة وبالتحديد منذ جائحة كورونا وما تلاها من حرب روسيا على أوكرانيا.
وأشار شوقي إلى أن المستثمرين الأجانب سيتجهون للاستثمار في العملة الأجنبية بالبنوك المصرية استغلالاً لزيادة الفائدة وجاذبيتها بالنسبة لهم.
وأكد أن رفع الفائدة يليه زيادات سعرية طبيعية في سعر العملات الأجنبية. وذلك كي يتمكن البنك المركزي من تجميع الدولار الموجود بالسوق. ومنع خلق سوق سوداء تسبب مزيدا من التقلبات السعرية في بيع المنتجات. خاصة المستوردة من الخارج والمتأثرة بالأوضاع العالمية -الحرب الروسية الأوكرانية-.
يوضح أن الكيانات الصناعية في الدولة تتأثر بشكل مباشر بقرار رفع الفائدة والتي تعتمد على الدولار بشكل رئيسي في تدبير احتياجاتها من المادة الخام من الخارج، وبالتالي ستتأثر تلك الكيانات الاقتصادية بتراجع قيمة الجنيه؛ ما يدفعها إلى محاولة إجراء تحريك فوري في منتجاتها المتداولة بالسوق، سواء كانت مواد غذائية أو غيرها.
تابع أن الوضع الحالي المتعلق بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار سيخلق حالة من الارتفاع في الأسعار بالسوق بالنسبة لجميع المنتجات والسلع، ومن ثم احتمالية زيادة حالة الركود في سوق العرض والطلب خلال الأشهر القادمة.