تشهد منطقة الخليج حربا باردة تدور رحاها بين المملكة العربية السعودية والإمارات، على الأراضي اليمنية، في معركة يتصارع فيها طموح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتطلع لقيادة منطقة الشرق الأوسط، في مواجهة محاولات الرئيس الإماراتي محمد بن زايد الطامح هو الآخر لتوسيع نفوذ بلاده وجعلها قوة إقليمية رئيسية في المنطقة، ونفي أي شبهات لوقوعها تحت عباءة الوصاية السعودية.
اقرأ أيضا.. “التسوية في اليمن” ورقة لعب على طاولة “القمار الإيرانية”
أحدث حلقات هذه الحرب الباردة، كان في التاسع والعشرين من يناير/كانون ثاني 2023، حينما أصدر رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي، مرسوماً بإنشاء وحدات عسكرية تحت مسمى “قوات درع الوطن”، كقوات احتياط للقائد الأعلى للقوات المسلحة، في خطوة هدفها الأساسي إنشاء قوة حماية خاضعة للرئيس نفسه لتحقيق توازن في المجلس المنقسم، وتحجيم دور حلفاء الإمارات المتصاعد في محافظات جنوب البلاد.
وأوكل مرسوم آخر قيادة هذه القوات إلى العميد بشير الصبيحي، والمعروف بـ”بشير المضربي الصبيحي”، وهو قيادي سلفي مدعوم من السعودية، بدأ انخراطه في الجانب العسكري إبان مشاركته مع المقاومة في معارك تحرير عدن من الحوثيين في العام 2015.
وفي يوليو/تموز 2022، أعلن الصبيحي تشكيل قوات تحت مسمى “ألوية العمالقة الجديدة”، على غرار قوات العمالقة السلفية التي يقودها أبو زرعة المحرمي، عضو مجلس القيادة والمحسوبة على الإمارات.
وأشار الصبيحي، في بيان أصدره وقتها، إلى أنها “تشكلت بالتنسيق مع مختلف القوى السياسية والعسكرية وتحت قيادة التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ووجدت للدفاع عن الدين والوطن والأعراض، والتصدي للمشروع الفارسي الذي يستهدف كيان الأمة”.————————
وفي أعقاب ذلك تغير مسمى تلك القوات إلى قوات “درع الوطن”، وأضيفت إليها ألوية أخرى من قوات تشكلت في السابق بدعم سعودي تحت مسمى “قوات اليمن السعيد”.
ونهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي تسلمت قوات “درع الوطن” أجزاء من قاعدة العند الجوية، ثاني أكبر قاعدة عسكرية في اليمن والتي تطل على باب المندب وخليج عدن، في خطوة من شأنها محاصرة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، في محافظات الجنوب لصالح قوات أخرى أكثر ولاءً للسعودية.
من هو قائد قوات درع الوطن؟
وقائد القوة الجديدة العميد بشير المضربي الصبيحي، وهو أحد قيادات الجماعة السلفية في اليمن، وينحدر من مديريات الصبيحة رأس العارة في محافظة لحج جنوبي البلاد.
ويحظى المضربي بقبول من جميع الأطراف في الجنوب ما يمنحه ميزة في دوره القيادي الجديد.
التحق المضربي بالجماعة السلفية منذ وقت مبكر من عمره، وكان أحد الطلاب الذين التحقوا بمدارس الشيوخ السلفيين في مناطق كتاف ودماج في محافظة صعدة، وشارك في عدة حروب شنت وقتها على الحوثيين في معقلهم الرئيسي.
وتردد اسمه أثناء الحرب التي شنتها ميليشيات الحوثي على محافظات الجنوب، وكان أحد المساهمين في ترتيب صفوف المقاومة الجنوبية، وبرز كأحد القيادات العسكرية المساهمة في تحرير العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة لحج وباب المندب والمخا وذوباب من السيطرة الحوثية.
وغاب المضربي بعد ذلك عن المشهد كليا، وتردد حينها بأنه غادر البلاد، حيث ظل في الخارج لعدة سنوات، قبل أن يعود للواجهة مجددا عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، كقائد لقوات العمالقة الجديدة، التي تحول اسمها إلى “درع الوطن”.
التمركز والمهام الرئيسية
قرار تشكيل قوات درع الوطن الصادر الأحد الماضي جاء بصفتها قوات احتياط استراتيجي وهو ما يعني أن طبيعة مهام هذه القوات هو الانتشار العملياتي والتمركز بالقرب من مركز السلطة، حيث تتولى المهام التي يمكن وصفها بالسيادية في أعمال الجيوش.
وبناء على تلك الرؤية فإن مهام قوات درع الوطن، ستتمثل في تأمين مقرات الحكم ومؤسساته المهمة والمطارات بالإضافة لمراكز الثقل المؤثرة في الوضع الأمني في العواصم أو المدن التي يحكم منها الرئيس، في محاولة لإكساب رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي رجل السعودية في هذه المرحلة قوة، وتحرره من سطوة وسيطرة المجلس الانتقالي، الذي يمتلك قوات العمالقة الجنوبية الموالية للإمارات وتنفذ أجندتها.
وتتشكل قوات درع الوطن من 7 ألوية كنواة لـ22 لواء يعتزم الصبيحي تشكيلها بتمويل وتسليح سعودي، حيث يتمركز منها في الوقت الراهن ثلاثة ألوية في مناطق متفرقة من محافظة لحج، ولواء في قاعدة العند الاستراتيجية، ولواء بمحافظة الضالع وآخر في عدن، ستكون مهمته المباشرة تأمين رئيس مجلس القيادة الذي عاد الأسبوع الماضي إليها بعد شهرين قضاهما في الرياض في أعقاب تصاعد الانقسامات داخل مجلس القيادة، واستحواذ ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي على القرار.
ففي السابع والعشرين من أكتوبر الماضي، وصلت مئات المركبات العسكرية السعودية إلى محافظة لحج، عبر منفذ الوديعة البري، ضمن الدعم المقدم لقوات درع الوطن، وقبل ذلك، بنفس الشهر، وصل وفد سعودي عسكري رفيع لتفقد اللواء السابع من قوات درع الوطن في محافظة الضالع، والوقوف على جاهزيته.
صراع الحلفاء
ويأتي ذلك في الوقت الذي تتحمل فيه السعودية داخلياً ودولياً المسئولية كقائد للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، فضلاً عن الجانب اللوجستي والإنساني، بينما تركز الإمارات عبر وحداتها الخاصة والهلال الأحمر الإماراتي على تدخلات محدودة لتمكين الأذرع التي تعمل لتنفيذ أجنداتها.
وعلى المستوى القانوني والدولي تواجه السعودية ضغوطاً كبيرة، بالإضافة إلى الجانب العسكري حيث تحافظ السعودية، بشكل أو بآخر، على دورها كمساند للجيش التابع للحكومة الشرعية في مواجهة الحوثيين فيما يتركز الجهد الإماراتي على توسيع نفوذها في المحافظات المحررة، مع تدخلات نوعية من انتزاع شرعية توسيع نفوذها أمام السعودية.
خطورة الصراع
صراع المصالح بين أبوظبي والرياض على أراضي اليمن، من شأنه أن يزيد من معاناة اليمنيين ويفاقم الأوضاع الأمنية والمعيشية المتردية، وسط منافسة شرسة على توسيع مساحات النفوذ ليس في اليمن فقط ولكن في الإقليم ككل، ذلك الصراع يجد فيه الحوثيون ومن ورائهم إيران ثغورا ينفذون من خلالها لتعزيز نفوذهم بالمنطقة، التي باتت محط أعين القوى الإقليمية والدولية الكبرى.
في هذا الإطار يمكن القول إن تشكيل مجموعات وكيانات مسلحة، ذات ولاءات مختلفة، وإن كان سيقطع الطريق أمام المجلس الانتقالي الجنوبي لتشكيل القوات المسلحة الجنوبية الموحدة ضمن خطوات انفصال الجنوب، إلا أنه في الوقت ذاته من شأنه أن يسبب ارتباكًا كبيرا، ويقود لمزيد من الفوضى، سيدفع الشعب اليمني ككل ضريبتها.
كما أن تعدد القيادات ومكاتب العمليات والداعمين للقوى المسلّحة، يؤثر بصورة مباشرة على تنامي وانتشار تنظيم القاعدة أمام حالة التشرذم التي تدفع في بعض الأحيان أطراف من المتصارعين، والقوى الإقليمية بالتنسيق بشكل مباشر أو غير مباشر، مع عناصر التنظيم من أجل الاستقواء بهم في مواجهة منافسيهم.
في الخلاصة يمكن القول إن قدرة الإمارات على تحقيق نفوذ راسخ ومستدام في اليمن في ظل التوجهات السعودية، ترتبط بمدى فاعلية الإدارة المشتركة السعودية – الإماراتية للخلافات التي تتقاطع بصورة مباشرة مع تصوراتهما لمستقبل تقاسم النفوذ في اليمن، إضافة لقدرة البلدين على تنسيق مصالحهما واحتواء التباينات في سياساتهما على المستوى الإقليمي.
وبوجه عام ثمة مؤشرات توحي بتضاؤل قدرة البلدين على إدارة خلافاتهما وتنسيق مصالحهما بصورة غير تنافسية، خاصة وأن إدراك الإمارات لحدود اللعب مع “الشقيق الأكبر” في اليمن لا يعني الامتثال للإرادة السعودية أو التكيف مع سياساتها، وإيقاف حالة الحرب بالوكالة التي يشنها من وقت لآخر أتباعها في المجلس الانتقالي ضد الحكومة وبصورة غير مباشرة ضد السعودية، وإنما يعني المزيد من الحذر في إدارة العلاقة معها لتجنب انهيارها، بالتوازي مع محاولة استعادة القدرة على التأثير في السياسة السعودية.