شهدت الولايات المتحدة، موجة من الاحتجاجات، إثر وفاة المواطن من أصل إفريقي، جورج فلويد، على يد أحد أفراد الشرطة، ولكن مشاهد العنف وتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنشر قوات الجيش في الولايات زادت من ضبابية الصورة، لاسيما مع اقتراب انطلاق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، ومصير “ترامب” الذي بات في خطر.
وتأتي تلك الاحتجاجات قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ستنطلق يوم 3 نوفمبر، والتي يتنافس فيها الرئيس الحالي دونالد ترامب، ممثل الحزب الجمهوري، وجود بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما ممثل للحزب الديمقراطي المعارض.
فرص “بايدن”
أصبح من شبه المؤكد أن جو بايدن، سيكون مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في مواجهة ترامب في نوفمبر القادم، حيث يرى مراقبون أن “بايدن” يواجه اختبارًا حاسمًا في تعامله مع الأزمة الراهنة .
ووصف “بايدن” في أول خطاب علني له منذ بدء إجراءات الإغلاق في منتصف مارس الماضي بسبب تفشي فيروس كوورنا، وفاة فلويد بأنها “دعوة إلى أمتنا لتستيقظ” واتهم ترامب بتحويل الولايات المتحدة إلى “ساحة معركة تقسمها مشاعر الحقد القديمة ومشاعر الخوف الحديثة”.
وتعهد المرشح الديمقراطي الذي عمل نائبا لمدة ثماني سنوات للرئيس السابق باراك أوباما، بمعالجة “العنصرية المؤسساتية” إذا وصل للبيت الأبيض، وقال إن “البلاد تصرخ من أجل القيادة التي توحدنا، القيادة التي يمكن أن تجمعنا”.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، فقد قال كورنيل بلشر، الذي كان أحد أعضاء مستطلعي الرأي للرئيس باراك أوباما، إن “بايدن” قادر تمامًا على التدخل في هذه المساحة وإرسال رسالة توحد الأمريكيين، من خلال حديثه عن أفكار مارتن لوثر كينج التي طرحها قبل عقود، والتي تقوم على أن الظلم في أي مكان لأي شخص هو ظلم للجميع.
لكن يبدو أن ما فعله “بايدن” حتى الآن تجاه الأزمة الحالية غير كاف وغير مقنع بالنسبة للمجتمع الأمريكي بشكل عام وبالنسبة للأمريكيين من أصول إفريقية بشكل خاص، إذ قالت شيكيرا باركر، إحدى منظمي الاحتجاجات، “إنها ليست مجرد احتجاجات، إنها غضب، الناس غاضبون في الشوارع”، مضيفة “هناك نظام يجب أن يتغير من الأعلى إلى الأسفل، على “بايدن” أن يثبت أن لديه الشجاعة لإحداث تغيير على طول الطريق”.
اقرأ أيضًا:
بينما أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة واين ستيت في ولاية ميشيجان، جيفري غرينافيسكي، إلى أن الأمريكيين من أصل إفريقي صوتوا بأعداد أقل بكثير لهيلاري كلينتون في عام 2016 مقارنة بما فعلوا مع أوباما، والسؤال الحاسم هو ما إذا كانوا سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع لدعم “بايدن”.
وتابع: “أميل إلى القول أن خطاب دونالد ترامب خلال الأسبوع الماضي قد يعزز دعم الأمريكيين من أصل إفريقي لبايدن”، رغم أن تاريخه مع دعم مشروع قانون “صارم ضد الجريمة” في العام 1994 والذي يُنظر إليه على أنه ساهم في موجة من الاعتقال الجماعي للأمريكيين من أصل إفريقي ليس في مصلحته”.
تصريحات “ترامب”
في المقابل، يحاول “ترامب” هو الآخر استغلال الاحتجاجات الحالية لصالحه وتقوية صورته في الانتخابات المقبلة، ولكنها تأتي بنتائج عكسية، فهو دائما ما يضع نفسه في الجانب الخاطئ من الصورة، ونجد أن تصريحاته كانت مستفزة بالنسبة للمتظاهرين، فقد صرح في جميع خطاباته منذ بداية الأزمة بضرورة استخدام القوة والقسوة مع المتهمين، ما زاد المشهد عنفًا.
وكمنافس عدائي، حاول “ترامب” تشويه صورة “بايدن” خلال الأزمة الراهنة، حيث ربط الاحتجاجات بمكان وجود الأخير، مشيرًا إلى أن الاضطرابات في فيلادلفيا، حيث يقع مقر حملة منافسه.
من جهتها، قالت زعيمة الأقلية الديموقراطية السابقة في مجلس الشيوخ في ولاية أوهايو كابري كافارو: “يحاول ترامب أن يضع نفسه في موقع يجعل فيه القيادة مرادفة للقوة، والمرادف للقوة في هذه الأجواء هو استخدام القوة العسكرية”، أما بالنسبة لنائب الرئيس السابق بايدن فإن القيادة والقوة حسب كافارو هما “مرادفان أقرب للقوة الناعمة، التعاون والإصغاء والمشاركة”.
كما أوضح الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة ستانفورد حكيم جيفرسون أن قضايا العرق والعدالة ستكون بارزة دائما في الحملة الانتخابية حتى بدون الاحتجاجات التي أثارها موت جورج فلويد، لدى اعتقاله من قبل رجال الشرطة في ولاية مينيسوتا والقمع الذي أمر به ترامب بعد ذلك.
وقال جيفرسون إن “هذه نتيجة وجود الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي جاء إلى السلطة لإذكاء المخاوف العرقية والتحريض والتساهل مع العنف العرقي”.
موقف الجيش
ومع تصاعد التوتر في كثير من أنحاء البلاد، أعلن الرئيس الأمريكي عن استعداد قوات الجيش للتدخل سريعا لردع الاضطرابات المصحوبة بأعمال عنف تجاه المتظاهرين، وهو ما ساعد في خلق حالة من التوتر بين “ترامب” والمؤسسة العسكرية، وهو ما ظهر بوضوح مع رفض وزير الدفاع مارك إسبر، دعوة الأخير لنشر الجيش للسيطرة على الاحتجاجات بينما انتقدت شخصيات بارزة سابقة في البنتاجون بينها جيم ماتيس طريقة تعاطي ترامب مع التظاهرات
وقال “إسبر”، الأربعاء، “لا أؤيد اللجوء إلى قانون الانتفاضة”، في إشارة إلى “قانون التمرد ” العائد إلى العام 1807 والذي سعى ترامب لتفعيله بهدف نشر عناصر مسلحين من الجيش للسيطرة على المدن التي تشهد احتجاجات.
وبعد ساعات، شن جيم ماتيس، سلف إسبر، هجوما على ترامب،وكتب “عندما التحقت بالجيش قبل حوالى 50 عاما، أقسمت على تأييد الدستور والدفاع عنه… لم أتخيل يوما أن الجنود الذين يؤدون اليمين نفسه، يمكن أن يتلقوا الأمر، مهما كانت الظروف، لانتهاك الحقوق الدستورية لمواطنيهم”، في إشارة إلى حق التظاهر.
ودخل رئيسان سابقان لهيئة الأركان المشتركة في البنتاجون، على خط السجالات، حيث قال الجنرال المتقاعد مارتن ديمبسي، الذي كان رئيس هيئة الأركان العامة من العام 2011 حتى 2015 “أمريكا ليست ساحة معركة. مواطنونا ليسوا الأعداء”.
وعقب هذه التصريحات، تداولت أخبار حول احتمالية عزل وزير الدفاع، لكن الناطقة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني، رفضت الرد على مسألة إن كان لا يزال يحظى بثقة ترامب كاملة.
ويتزامن موقف الرئيس الأمريكي من الاحتجاجات مع ضعف أداء الإدارة الأمريكية للحد من آثار فيروس “كورونا” الاقتصادية، وتخاذلها لمكافحة الوباء، وهو ما يشير إلى زيادة فرص الإطاحة بترامب، وفوز بايدن في المقابل.
ويقول الدكتور جمال يوسف، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن تأثير الاحتجاجات الحالية على فرص “ترامب” كرئيس قادم للولايات المتحدة لن تتضح بعد، فهو يتوقف على مدى استيعاب الأمريكان للأزمات الراهنة، وتعامل “ترامب” معها في النهاية، “لا أعتقد أن الجيش مرحب بتصرفات “ترامب” وهو ما يؤثره على قوته بشكل أو بآخر كرئيس محتمل لولاية ثانية”.
وتابع “يوسف” أنه على العكس المتوقع قد تكون الأحداث الأخيرة عاملًا قويًا لنجاح “ترامب” إذا سيطر على خطاباته السياسية في الفترة القادمة، واستطاعته توحيد المتعصبين من البيض للتصويت لصالحه.
استطلاع رأي
في السياق ذاته، كشف استطلاع حديث أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وصحيفة “ABC” الإخبارية أن المرشح الديمقراطي، جو بايدن، يتقدم بفارق 10 نقاط مئوية على دونالد ترامب.
وبلغ تصنيف بايدن بين الناخبين المسجلين 53% وترامب 43%، حيث لم يتعد الفارق بينهما، قبل شهرين، حدود الخطأ الإحصائي.
ووفقا للصحيفة تم إجراء استطلاع الرأي في الفترة من 25 إلى 28 مايو عبر الهاتف، عن طريق الاتصال بألف أمريكي بشكل عشوائي، وكانت نسبة الخطأ الإحصائي لا تتعدى 3.5 نقطة مئوية.
سياسات الشرق الأوسط
ومع تأييد بعض النشطاء العرب لما يحدث من احتجاجات ومشاهد عنف في الولايات المتحدة، برزت بعض التساؤلات حول ما إذا كان من الممكن أن نشهد “ربيع عربي” آخر في المنطقة، بينما ذهب البعض إلى تأثير الاحتجاجات على سياسات الشرق الأوسط وأنظمتها.
في هذا الشأن، أوضح بشير عبد الفتاح، الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستيراتيجية، أن العالم العربي مشبع بهذه الأحداث، ذلك بجانب الإجراءات الصارمة التي تتخذها معظم الدول العربية بسبب أزمة كورونا، كالحظر وإغلاق شبه الكامل، فمن الصعب أن نشهد احتجاجات مماثلة في بلادنا.
وأضاف “أن دول الشرق الأوسط لا تمتلك مساحة الحرية كدول الغرب، التي تسمح بكسر هذه الإجراءات، غير ذلك تأتي المشاكل الصحية والمعيشية في المقام الأول بالنسبة للشعوب العربية، في الوقت الراهن”.
بينما يرى “يوسف” “أن الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة ستؤثر بشكل أو بآخر في موازين القوى في العالم ومكانة أمريكا في الشرق الأوسط، فما يحدث يضعف من قوة الادارة الأمريكية الراهنة ومن قوة تأثيرها على الأنظمة الحاكمة في المنطقة”.