أزمات عدة شهدتها مصر منذ اعتماد وزير التربية والتعليم طارق شوقي الاختبارات الإلكترونية من خلال نظام برمجي تابع للوزارة. آخر هذه الأزمات ما واجهه الطلاب أثناء تأدية امتحانات الصفين الأول والثاني بالمرحلة الثانوية. خرج “سيستم الامتحانات” عن الخدمة بسبب المشاكل التقنية وسوء شبكة الإنترنت، ما منع آلاف الطلاب من أداء امتحانهم. تكرار أزمة “سيستم الثانوية” هذه سنويًا دون حلول جذرية يطرح تساؤلاً منطقيًا حول البنية التحتية التكنولوجية للدولة. وهل هي مؤهلة لتطبيق مثل هذه التجربة حاليًا أم لا؟ أيضًا، ما هي الحلول التقنية الممكنة لتجاوز تلك العقبة؟
السيستم فشل في أول اختبار
في 2019، اتجهت وزارة التربية والتعليم للاعتماد على نظام جديد لامتحانات الثانوية العامة. يقوم هذا النظام على أساس إجراء الامتحانات إلكترونيًا عبر أجهزة تابلت تُسلم لطلاب الصفوف الثلاثة بالثانوية العامة.
خضعت امتحانات الترم التاني للصفين الأولى والثاني الثانوي العام الماضي -تزامنًا مع أزمة كورونا- لهذه التجربة الامتحانية الإلكترونية من المنزل. وكان ذلك كإجراء احترازي لمواجهة جائحة (كوفيد -19). وأيضًا كتجربة جديدة للنظام الإلكتروني المستهدف العمل به السنوات المقبلة. إلا أن التجربة لم تؤت ثمارها -كما توقع البعض- ولأنها تجربة أولية تغاضى كثيرون عن أزمات سقوط السيستم وشبكة الإنترنت. على وعد حكومي بتجاوز تلك الإشكاليات ومنع تكرارها مستقبلاً حفاظًا على مستقبل الطلاب التعليمي.
نهاية 2020، أعلن وزير التربية والتعليم عن التصديق على إجراء امتحانات الثانوية العامة بكامل صفوفها في العام الدراسي الحالي منذ بداية هذا العام. وفق هذا الإعلان يؤدي طلاب المرحلة الأولى والثانية والثالثة للثانوية العامة الامتحانات بالنظام الإلكتروني في لجان مراقبة وليس في المنزل، كما يتخيل البعض.
قال الدكتور طارق شوقي -في بيانه- إن امتحانات الثانوية العامة ستكون إلكترونية بشكل كامل. ذلك بدءًا من أداء الطلاب للاختبارات حتى إنهاء عملية التصحيح. بحيث لن يكون هناك تدخل بشري في امتحانات الثانوية العامة. خاصة مع الاتجاه لمنع وضع الأسئلة المقالية في امتحانات الثانوية العامة هذا العام، في سبيل منع التدخل البشري في عملية التصحيح.
الوزارة تحاول تجاوز فشل السيستم.. الكل ناجح
العام قبل الماضي بدأت أزمة التابلت وسقوط سيستم امتحانات الثانوية العامة في الظهور مع الاختبارات التجريبية للصف الأول الثانوي. اشتكى الطلاب -حينها- صعوبة الوصول للامتحانات بسبب تعطل السيستم وسقوط الشبكة.
وزارة التربية والتعليم خرجت بدورها للتأكيد على أن الاختبارات الهدف منها اختبار سعة الشبكات، ومعالجة المشكلات التي تطرأ عند استخدام الطلبة لمنصة الامتحان. صنفت الوزارة هذه الاختبارات على أنها استعداد لامتحانات السنوات المقبلة. إلا أن أزمة العام 2020 وسقوط السيستم مجددًا في أكثر من منطقة خلال امتحان نهاية العام، زادت من قلق المواطنين فيما يتعلق بمستقبل أبنائهم. بدا للجميع أن السيستم الذي فشل في “اختبار سعة الشبكات” أخفق مجددًا في الاختبار الفعلي للعام الماضي فتوقع كثيرون تكرار فشله في السنوات اللاحقة. وهو توقع أثبتته الأيام القليلة الماضية مع بدء امتحانات منتصف العام الدراسي 2020/2021.
السبت الماضي، لجأت وزارة التربية والتعليم إلى الحل الأسهل لتجاوز أزمة سقوط سيستم الثانوية العامة. قررت اعتبار كل من حضر من الطلاب لامتحاني الأحياء واللغة العربية وقابلته مشكلة في السيستم ناجحًا. رغم أن هذا الإجراء ليس حلاً منطقيًا. إلا أن الوزارة بدت كمن يرغب في تجاوز الأزمة على أمل محاولة الإصلاح مستقبلاً.
قال الوزير -في بيان دافع فيه عن السيستم- إن 552 ألفًا و936 طالبًا وطالبة تمكنوا من أداء امتحان اللغة العربية بنسبة 89.1%. بينما تمكن 569 ألفًا و213 طالبًا وطالبة من أداء امتحان مادة الأحياء بنسبة 91.8%.
من بيان الوزير، حضر 620 ألفًا و133 طالبًا وطالبة بالصف الأول الثانوي الامتحان. ذلك من إجمالي 656 ألفًا و834 طالبًا وطالبة على مستوى الجمهورية. وقد أدى الطلاب اختبار مادتي اللغة العربية والأحياء عبر موقع منصة الاختبارات الإلكترونية من خلال أجهزة التابلت. وقد بلغ عدد من لم يتمكنوا من أداء الامتحان بسبب السيستم قرابة 67 ألفًا و197 طالبًا وطالبة.
لماذا تتكرر أزمة السيستم؟
مصادر مسؤولة بوزارة التربية والتعليم صرحت، لـ “مصر 360″، بأن الوزارة تتواصل مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإيجاد حلول جذرية لأزمة التابلت وسقوط سيستم الامتحانات. لكن دون جدوى بعد تكرار الأمر منذ بدء التطبيق وإلى الآن.
أضافت المصادر أيضًا أن الأمر قد يتعلق بالضغط على الشبكة وسيستم الامتحانات. وبالتالي تبقى الأزمة مرهونة بأعداد الطلاب سنويًا. هذا تصعب السيطرة عليه مستقبلاً بسبب تنسيق الثانوية وعدم القدرة على التحكم في أعداد المتقدمين من الطلاب للثانوية العامة. لكن المصادر تأمل في أن تتم الاستعانة بشركات عالمية وتطبق المنظومة التي تفعلها الدول الأخرى.
يؤكد عدد من خبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على عدم استعدادية المدارس أو البنية التحتية المتعلقة بشبكات الإنترنت لهذه التجربة. إذ كان من المفترض التطبيق تدريجيًا على أحد صفوف المرحلة الثانوية، وبعد نجاحها يتم إضافة مرحلة أخرى للتفعيل. الوصول إلى منصة الامتحانات يتطلب شبكة إنترنت قوية في المناطق التي تشهد إجراء الامتحانات. وهذا أمر غير متاح في كافة مناطق الجمهورية.
أيضًا، الأمر يحتاج لـ”أبليكيشن” يستوعب مئات الآلاف من الطلاب في وقت واحد. ووفق المصادر فإن ذلك يتطلب التعاون مع شركة بمواصفات دولية ودقيقة تكون قادرة على تطوير سيستم الامتحان بسرعات أقل من الإنترنت. ذلك لتلافي جميع الأعطال التي ظهرت في الأبلكيشن الحالي لامتحانات الثانوية العامة. خاصة وأن المشكلات التي ظهرت حتى الآن غالبيتها مشكلات تقنية في الأساس.
استياء أولياء الأمور
حالة من الاستياء الشديد تتنامى لدى أسر الطلاب حاليًا. بدأت منذ بدء تطبيق سيستم الثانوية العامة الجديد، مع عدم تمكن الطلاب من تأدية الامتحانات، وما حدث من فوضى شهدتها بعض المدارس نتيجة لذلك.
عدم تمكن الطلاب من الدخول إلى منصة الامتحانات بالوزارة مع ضعف شبكات الإنترنت ببعض المدارس يجعل الأمر أكثر خطورة إذا ما حدث ذلك مع طلاب المرحلة الثالثة للثانوية العامة. هذا أمر يزيد من استياء أولياء الأمور.
منتصف ديسمبر 2020، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن منصة إلكترونية لاستقبال أي شكوى من أولياء الأمور والطلاب في مختلف المراحل الدراسية أو الاستعلام عن حالة أي شكوى سابقة. وذلك عن طريق إدخال الرقم القومي للطالب والكود الخاص. في محاولة لتلافي أي إشكاليات تواجه الطلاب خلال العام الدراسي وبالتحديد أثناء الامتحانات.
الحل لدى وزارة الاتصالات
الرئيس السابق للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، المهندس هشام العلايلي، أرجع أزمة الثانوية العامة إلى “مدى قوة تحمل سيستم الامتحانات”. ووفق رأيه فإن السيستم المُعد لوزارة التربية والتعليم قد يكون مُعد بسعة أقل من تعداد طلاب مراحل الثانوية. ومن ثم قد يتسبب ذلك في حجب الوصول إلى الامتحانات في بعض المناطق بعد استيعاب السيستم لقوة تحمله فقط.
أضاف العلايلي، في تصريحاته لـ “مصر 360″، أن الأزمة أيضًا قد تكون في “أبلكيشن الامتحانات”. خاصة في عملية الربط بين الطلاب والوصول إلى الامتحان. ما يعيق قدرة المستخدمين على الدخول إلى سيستم الوزارة والمنصة في الوقت المُحدد لتأدية الامتحان.
وبحسب العلايلي، فإن شبكة الإنترنت كذلك يرجع إليها جزء كبير من الأزمة. ففي حال ضعفها تتردى قدرة السيستم على عرض الامتحانات على المستخدمين. وهنا لابد من تدخل وزارة الاتصالات لتطوير الشبكات وزيادة سرعة الإنترنت.
تتفق مع الرأي القائل بأن شبكة الإنترنت سبب الأزمة رئيس قطاع التعليم العام بوزارة التربية والتعليم، الدكتورة رانده شاهين. تقول: “نحاول تخفيف الضغط على شبكة الإنترنت من خلال التواصل مع وزارة الاتصالات”. هذا يمنع تكرار أزمة السيستم، وما يترتب عليها من تأثير على مستقبل الطلاب، وفق شاهين.
توضح الدكتورة رانده، لـ “مصر 360″، أن حساب مدة الإجابة على الامتحان يتم منذ بداية دخول الطالب على منصة الامتحانات. وبالتالي لن يضيع على الطالب الوقت الذي تأخر خلاله حتى استطاع الدخول إلى المنصة. مضيفة أنه في حال حدوث إشكالية في الامتحان تعيق الطلاب عن أدائه يتم تحرير محضر من قبل إدارة المدرسة بهذه الحالة داخل لجنة الامتحان. لكي يعاد الامتحان لاحقًا.
مقترحات لإنهاء الأزمة
مصادر بلجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أكدت لـ “مصر 360″، أنه لا بد من إجراء اختبارات لدرجة تحمل السيستم قبل إطلاقه للعمل. بحيث لا يتعرض إلى عُطل مفاجئ أثناء الامتحانات نتيجة عدم قدرته على استيعاب أعداد الطلاب الذين يؤدون الامتحان في توقيت واحد.
وفق المصادر، لابد من التنسيق المستمر بين وزارتي التربية والتعليم والاتصالات لرفع قدرة شبكة الإنترنت داخل المناطق والمدارس التي تشهد امتحانات. مع وضع حلول بديلة حال سقوط الشبكة أو حدوث عطل مفاجئ. خاصة إذا كان الأمر يتعلق بامتحان نهاية العامة للصف الثالث الثانوي -تضيف الصادر البرلمانية-.
لابد من إجراء تعديلات على السيستم -رغم أن التعديلات كان من المفترض البدء بها بعد الإطلاق التجريبي مباشرة- لتلافي العيوب التي ظهرت مع المستخدمين. بحيث لا تظهر مع طلاب المرحلة الثالثة للثانوية العامة.
مصادر داخل وزارة التربية والتعليم لفتت، لـ “مصر 360″، إلى أنه تم اتخاذ عدة إجراءات لعلاج مشكلات التقنيات. ذلك عبر زيادة سعة الخادم الحاوي للامتحانات قرابة الـ 15 ضعف، ومنع الدخول على رابط الامتحانات من خارج جمهورية مصر العربية.
عددت المصادر بعض الحلول لتلافي الأزمات المفاجئة. ومنها منع الدخول على رابط الامتحانات من داخل مصر سوى لطلاب الصف الأول الثانوي. عن طريق شبكات المدرسة أو الشريحة الأصلية. إلى جانب توحيد الكود (الأيقونة) لكل امتحان على مستوى الجمهورية، ما يوفر على الطلاب مشقة البحث عن الكود الخاص بالمدرسة/الفصل.
تحركات تحت القبة
الأزمة الحالية أخذت أبعادًا عدة. خاصة بعد تداولها داخل أروقة مجلس النواب، إذ تقدم نواب بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة للحكومة حول أزمة وقوع السيستم أثناء الامتحانات.
أولى التحركات البرلمانية كانت من النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والتي تقدمت بطلب إحاطة لكل من وزير التعليم الدكتور طارق شوقي، ووزير الاتصالات الدكتور عمرو طلعت.
عضو مجلس النواب المهندس إيهاب منصور، تقدم هو الآخر ببيان عاجل بشأن انقطاع خدمة الإنترنت وسقوط النظام في امتحانات ثانوي، وما أسفر عنه من عدم تمكن آلاف الطلاب من تأدية الامتحانات.
الدكتور محمد عبد الحميد، عضو مجلس النواب، أعرب من جانبه، عن استيائه الشديد من طريقة تعامل وزارتي التربية والتعليم الفني والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع ملف الامتحانات، والذي وصفه بغير العلمي والمدروس. بينما أشار إلى أن الواقع العملي أكد أن هناك أعطالاً كثيرة بشبكة الإنترنت داخل المدارس وبشريحة الإنترنت الخاصة بالتابلت.
وطالب عبد الحميد في طلب إحاطة قدمه للمستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب، باتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل عدم سقوط السيستم كما حدث في أول يوم امتحان لطلاب الصف الأول الثانوي.
كتب – محمود السنهوري: