يدخل المحامي محمد حمدون عامه الثاني كمحتجز رأي، دون إخلاء سبيله، أو حتى الرجاء في محاكمة عادلة. وفي الطريق تستمر زوجته الحقوقية أسماء دعبيس في البحث عن حريته بعد أن أصبحت الحياة دونه بـ”لاطعم”.
اقرأ أيضًا.. 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة
لم يتعد نشاط محمد واجبات مهنته كمحامي، والتي تنص على أن للجميع حق الدفاع عن النفس. وعن هذا تقول أسماء زوجته: “أنا أعرف أن المحامين دورهم ومهنتهم الدفاع عن موكليهم. بس للأسف اللي بيحصل أن المحامين لما بيلتمسوا حق طبيعي في الدفاع عن موكليهم بيتم سجنهم”.
وفي ورقة سابقة للشبكة العربية لحقوق الانسان كشفت “ظهور العديد من حالات القبض والملاحقة الأمنية لبعض المحامين خلال السنوات الأخيرة. بشكل غير مسبوق للاعتداء على حصانة المحامين بسبب آرائهم السياسية. كذلك عملهم فى الدفاع عن متهمين فى قضايا معينة. أو مواقف ليس لها علاقة لا بمهنة المحاماة أو بالآراء الخاصة بهم.
ذلك الذي اعتبرته الشبكة انتهاكًا صارخًا للتشريع الدستوري والقانوني لحماية وحصانة المحامي من القبض عليه. كما ورد في السياق ذاته في المادة الأولى من قانون المحاماة 17/1983 ــ أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة. بالإضافة إلى تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.
كما ورد بها أيضًا بنفس القانون أن مهنة المحاماة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون.
محمد حمدون.. مرارة السجن ولعنة التدوير
ذاق محمد مرارة السجن الاحتياطي، ولعبة التدوير، بعد إخفاء قسري، طال أفرادا من أسرته. بينما عرف عنه دفاعه عن قضايا العمال، والمظلومين أينما كانوا. تشكو زوجته الأداء المتخاذل لنقابة المحامين فى دمنهور. التي لم تكلف نفسها بدعمه، أو حتى الحضور معه كأضعف الإيمان سوى مرتين على حد قولها.
كانت بداية محنة حمدون في 26 سبتمبر 2019، عندما ألقت قوات الأمن القبض علىه مع زوجته الناشطة النسوية أسماء دعبيس وشقيقه أحمد حمدون. كذلك حبسهم احتياطيًا على ذمة القضية رقم 1338 لسنة 2019 حصر أمن الدولة. بعد أن ظلوا رهن الاختفاء القسري حوالي أسبوع منذ القبض عليهم.
وبعد أقل من شهر وفي 26 أكتوبر 2019 تحديدًا، قررت نيابة أمن الدولة إخلاء سبيله. بينما أبقت على زوجته رهن الحبس الاحتياطي. لكنها خرجت بعدها بفترة وحصلت على إخلاء سبيل.
وفي 2 ديسمبر، وقبل أن يلتقي بزوجته التي حصلت لتوها على إخلاء سبيل، ألقت قوات الأمن القبض على محمد حمدون ووالده اللواء حلمي حمدون. قبل أن يظهرا في نيابة أمن الدولة بعد يومين من إلقاء القبض عليهما.
ووالد حمدون كما تقول أسماء: “عنده 64 سنة مغير 3 دعامات قلب ويعاني من مجموعة من الأمراض المزمنة، مثل الضغط والأعصاب. وبعد دخوله السجن جاله السكر ثم كسر مضاعف في الفخذ. لما وقع بسبب أنه داخ بسبب ارتفاع السكر”. لاحقًا تم إخلاء سبيل الوالد بعد أن ساءت حالته الصحية.
ووجهت النيابة لهما اتهامات في القضية رقم 1530 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، ومنذ ذلك الحين وهما رهن الحبس الاحتياطي بعدة اتهامات. كان بينها نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة جماعة إرهابية.
يدفع ثمن دفاعه عن القيم الإنسانية
وشارك حمدون في الدفاع عن عمال شركة الغاز بدمنهور الذين واجهوا اتهامات بالتظاهر بدون تصريح في 2014 لمطالبتهم بحقوقهم. أيضًا هو أحد المحامين المدافعين عن معتقلي الرأي في قضية تيران وصنافير، وأخيرًا معتقلي 20 سبتمبر 2019 الذي تم اعتقاله وحبسه معهم.
كما عرف عن حمدون تفوقه الدراسي، ووقوفه الدائم إلى جانب زملائه، وفي حين يشعر حمدون بالإرهاق من طول فترة احتجازه، يعتبر محمد الأزمة ضربية الإيمان بالقيم الإنسانية، بحسب ماتنقل عنه زوجته.
وعن حالته الصحية تعبر زوجته عن بالغ قلقها من الظروف غير الإنسانية التي يتعرض لها في محبسه. خاصة في ظل معاناته مع مرض الربو. بالإضافة إلى نوبات الصداع النصفي والدوار المزمن. بجانب مشكلات الأسنان. إذ لا تتمكن عيادة السجن بإمكانياتها الهزيلة من علاجها. كما ترفض إدارة السجن تحويله لأي مستشفى عام.
وتقول أسماء: “أصبحت الحياة من غيره صمت تام ووحدة، كل حاجه رتيبه جدًا مش بحس لا بفرح ولا بحزن في أي حاجة بنجزها أو بعملها. حالة خواء داخلي ثقيلة جدًا” .
تتابع: “حتى الزيارة بقت تتعمل بإيقاع أتوماتيكي والحقيقة يوم الزيارة بيبقى تقيل قوي بداية من حجز الزيارة للانتظار الطويل وتفتيش الزيارة والخوف أن الأكل يبوظ. فما يعرفش ياكل لقمة نضيفة هو وزمايله. حتى السلام عليه بقى مستحيل من ورا السلك”.
وتختم أسماء بالقول: “عاوزة أقول محمد مش متهم بأي شئ يدينه. وأن استمرار الحبس الاحتياطي اللي بيوصل لسنتين مرهق وظالم. محمد محتاج يخرج علشان يتعافى من التجربة دي ويستأنف عمله وحياته اللي انتهوا فى غمضة عين. إحنا عارفين وقع ده على نفسية الإنسان عامل إزاي”.
وكانت أسماء قالت إن مكتب محمد أوقف نشاطه كما تم إغلاقه عقب احتجازه، ووزعت القضايا التي كان مكلف بها على مكاتب زملائه. فالحياة بحسب دعبيس واقفة، والمستقبل مجهول.