تحت ضغط الاحتجاجات التي أشعلت ميادين وشوراع المدن الإسرائيلية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل نحو أسبوع، تعليق مشروع قانون “التعديلات القضائية” المثير للجدل، الذي دفع وزراء وساسة إلى اتخاذ مواقف صارمة ضد الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال.
حكومة نتنياهو لم تسحب مشروع القانون، الذي وصف بأنه “انقلاب” على الجهاز القضائي، و”انقضاض” على الديمقراطية، و”خطر محدق” على الدولة الصهيونية، فقط حاولت الالتفاف على الغضب الذي تصاعد، وبلغ مداه منتصف الأسبوع الماضي بتحركات قيادة نقابة العمال العامة في إسرائيل “الهستدروت”؛ للإعلان عن إضراب عام مفتوح حتى تعلن الحكومة وقف إجراءات سن قوانين الانقلاب القضائي.
ما صعّد من وتيرة الأزمة هو إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت الذي طالب بتعليق مشروع القانون، لأنه سيتسبب في “انقسام مجتمعي في إسرائيل ويؤثر على أمنها”.
لم يتمكن نتنياهو من الصمود أمام حالة الغضب العاتية، وبعد مشاورات مع رئيس الدولة إسحق هيرتسوج، وقيادة الائتلاف الحكومي، أعلن عن تأجيل مشروع قوانين “الانقلاب القضائي”، داعيًا إلى إجراء مفاوضات مع المعارضة، للتوصل إلى تفاهمات بشأن تلك القوانين، وقد بدأت بالفعل المفاوضات، وحضرها ممثلون عن الائتلاف، والمعارضة في منزل الرئيس الإسرائيلي خلال الأيام الماضية.
قيادة حركة الاحتجاج شككت بنوايا نتنياهو، واعتبرتها محاولة لـ”تنويم الاحتجاجات”، ليعود بعدها إلى عرض المشروع بعد تعديلات شكلية آخر شهر أبريل الجاري، وذلك حتى لا يجد نفسه أمام انتخابات جديدة لا يضمن نجاحه فيها.
عاصفة “الانقلاب القضائي” أحدثت شرخًا كبيرًا بين تل أبيب وواشنطن، ولا يعرف أحد إلى أي مدى سيتسع هذا الشرخ، خاصة بعد أن هاجم الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووصف ما يقوم به بأنه “خطر على أمن إسرائيل ومستقبلها”، وأعلن أنه ليس مدعوّا لزيارة واشنطن في هذه المرحلة، ودعاه إلى العدول عن مخططاته، والتوصل إلى حلول وسط مع بقية الفاعلين على الساحة السياسية الإسرائيلية.
وبينما يواجه نتنياهو تلك الضغوط في الداخل والخارج، استصدرت حكومته قرارًا جديدًا من المنتظر أن يشعل الأمور مجددًا، إذ قررت في اجتماعها الذي انقعد قبل يومين اقتطاع جزء من موازنات جميع الوزارات، لغرض تمويل إنشاء قوات أُطلق عليها “الحرس الوطني”، تحت قيادة وزير الأمن القومي المتطرف إيمتار بن غفير.
ويتضمن القرار، الذي صادقت عليه الحكومة، أول أمس الأحد، اقتطاع نسبة 1.5% من موازنات جميع الوزارات، لتمويل إضافة نحو مليار شيكل (350 مليون دولار) إلى موازنة وزارة الأمن القومي، بهدف إنشاء تلك القوات، وفقًا لما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
المعارضة الإسرائيلية ومعهم عدد من المسئولين في الائتلاف الحكومي، أعربوا عن معارضتهم لخطة بن غفير، الرامية لإقامة قوات “حرس وطني” تخضع لوزارته، وتكون موازية للشرطة، وشبه مراقبون ما طرحه الوزير المتطرف بأنه محاولة لاستنساخ “الحرس الثوري” الإيراني الذي يمارس أدوارًا، ويقوم بعمليات خارج إطار القانون والدستور، ويأتمر بأمر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية والمجموعة المتشددة التابعة له.
وبحسب ما كشفته وسائل إعلام عبرية، فإن من أبرز المسئولين المعارضين للخطة هم المفتش العام للشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي، ورئيس جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” رونين بار، والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا.
ويهدف بن غفير من إنشاء “الحرس الوطني” إلى إخراج حرس الحدود من الشرطة وتنظيمها كذراع تنفيذية منفصلة، وإخضاع قائد القوة الجديدة لإمرته، ما سيسمح له بتحديد أولويات وزارة الأمن القومي، وإذا لزم الأمر، تعبئة القوات في مناطق مختلفة في جميع أنحاء إسرائيل، بحسب موقع “واللا” العبري.
وحسب اقتراح بن غفير، فإن «الحرس الوطني»، سيتكون من 5 ألوية نظامية تضم 2500 عنصر من حرس الحدود، إضافة إلى 46 سرية احتياط، حيث سيحصل أفراد هذا الحرس على صلاحيات تنفيذ اعتقالات.
وقال شبتاي: إن “الحرس الوطني”، الذي يسعى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إلى إقامته ويخضع لوزارته، هو “خطوة غير ضرورية مع أثمان باهظة قد تصل إلى درجة المس بالأمن الشخصي للمواطنين”.
وأضاف أن “دوافع إقامة هذا الحرس ليست واضحة، لكن من شأنه أن يلحق ضررا بالغا بقدرة تفعيل منظومات الأمن الداخلي في الدولة”، وفق ما جاء في رسالة بعثها شبتاي الأسبوع الماضي إلى بن غفير، وكذلك إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيسي «الشاباك» ومجلس الأمن القومي.
وكتب شبتاي في رسالته أن “الضرر الذي سيسببه إقامة الحرس الوطني على منظومات الأمن الداخلي، سببه انعدام الوضوح بشأن الجهة التي ستتحمل المسؤولية عليه”.
ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “هآرتس”، أول أمس الأحد، عن مصادر أمنية قولها، إن رئيس “الشاباك”، عبّر خلال محادثات مغلقة عن معارضته لإقامة “الحرس الوطني”، قائلا: “لا يعقل أن يكون في منطقة واحدة جهازان للشرطة”.
كما اعترضت المستشارة القضائية للحكومة على إنشاء القوة الجديدة، وشددت على وجود مانع قانوني، وقالت إنه “بإمكان الشرطة مواجهة أي مشاكل أمنية دون الحاجة إلى جهاز آخر”.
كانت فكرة إنشاء “الحرس الوطني”، هي جزء من تفاهم بين نتنياهو وبن غفير حتى يقبل الأخير بتأجيل “التعديلات القضائية”، بعدما لوح بالاستقالة إلا أنه عاد، وأعلن دعمه لقرار نتنياهو، مقابل تمرير خطته الرامية لتشكيل القوة الجديدة التي ستتبع وزارة الأمن القومي.
ونشر الإعلام العبري الاثنين الماضي، اتفاقا مكتوبا بين نتنياهو وبن غفير، بمقتضاه يتأسس هذا الجهاز تحت إشراف، وإدارة وزارة الأمن القومي، وذلك بعد اعتراض أفراد ومجموعات من الشرطة، وقوات الاحتياط على مواجهة المتظاهرين الرافضين للتعديلات القضائية.
ونوهت القناة إلى أن بن غفير، سيكون قادر على تجنيد أشخاص كشرطة خاصة تتبع مكتبه، ووصفته بأنه “حرس خاص”، فيما وصف مراقبون إسرائليون القوة الجديدة بأنها “جيش بن غفير”، الذي سيعمل بمعزل عن الشرطة والجيش.
ونقلت القناة عن مصدر رفيع المستوى بالشرطة الإسرائيلية، أن “الحرس الوطني”، الذي يؤسسه بن غفير سيتحول إلى “كارثة”، ولفت إلى أن الشرطة الإسرائيلية تعمل منذ 3 أشهر في محاولة؛ لتوفير الأمن خلال التظاهرات التي تضرب البلاد، ما تسبب بوجه عام في تأثر قطاعات أخرى جراء نقص الموارد البشرية، وكان جهاز الشرطة يأمل أن يدفع بن غفير بالمزيد من التعزيزات لدعم الشرطة.
لكن المصادر أكدت أنه من النواحي العملية، هناك الكثير من الاستقالات بين جهاز الشرطة بدلا من تعزيز القوات بعناصر جديدة، وأن أحدا لم يحصل على العلاوات المالية التي كان بن غفير قد تعهد بها، وأنه في ظل هذه الظروف من غير المنطقي تشكيل الكيان الجديد الذي يسمى “الحرس الوطني”، وفي المقابل أكدت مصادر مقربة من وزير الأمن القومي، أنه سيركز من الآن فصاعدا فقط على ملف تشكيل القوة الجديدة.
وحذرت حركة “أوميتس-شجاعة”، الحقوقية الإسرائيلية المعنية بمكافحة الفساد، وحفظ قيم الديمقراطية من فوضى كبيرة، ستنجم عن تأسيس جهاز الحرس الوطني، وتوجهت إلى المستشارة القانونية للحكومة غالي باهاراف ميارا داعية إياها لاستغلال صلاحياتها؛ لوقف تلك الخطوة الإشكالية، حسبما أفادت صحيفة “معاريف” يوم الجمعة الماضي.
قرار تأسيس وتمويل القوة الجديدة “جيش بن غفير”، من المنتظر أن يؤجج الاحتجاجات مجددًا، لاسيما في ظل معارضة الأطراف السياسية ذات الصلة، كما أنها ستؤثر على سير المفاوضات بين الحكومة والمعارضة التي يديرها الرئيس الإسرائيلي، وهو ما قد يعجل بنهاية حكومة نتنياهو، لتدخل دولة الاحتلال في حلقة جديدة من حلقات الفوضى.