كيف تساعد نتفلكس في الحديث عن فلسطين؟ يجلب مسلسل “مو” روح الدعابة والعمق للتجربة الفلسطينية، في سياق الحديث عنها. يلعب الممثل الكوميدي محمد عامر دور لاجئ فلسطيني يحاول الموازنة بين صعوبات العمل والحياة وسلسلة من المشكلات أثناء محاولته أن يصبح مواطنا أمريكيا بشكل قانوني.
يحاول جاهدا العثور على عمل ثابت بسبب وضعه القانوني. إذ لا يمكنه المخاطرة بالتعرض للاعتقال أو الترحيل إلى بلاده، حيث لم يعش هناك منذ أن كان طفلا. على الرغم من إحباطه، لا يشعر مو بالضيق أبدا. إنه يفعل فقط ما يجب عليه فعله حتى يتمكن من توفير حياة كريمة لنفسه ولأسرته.
المسلسل الذي يمزج ما بين الدراما والكوميديا هو واحد من عدد قليل من البرامج التلفزيونية الأمريكية التي تقدم شخصيات إسلامية وعربية، ما أدى لظهور مقارنات مع مسلسل رامي الذي يتابع حياة الممثل الكوميدي المصري الأمريكي البارز رامي يوسف. من الصعب ألا تنجذب إلى شخصية “مو” المحبوبة على الفور والقصة التي تجمع بين القضايا الخطيرة والفكاهة والعاطفة.
مسلسل “مو” (Mo) هو آخر إنتاج للحديث حول الجيل الأول للمهاجرين العرب في أمريكا، تحديدا أبطال الجالية الفلسطينية، من تأليف كل من “مو عامر” و”رامي يوسف”، ويتكون من 8 حلقات. كما أصبح أول مسلسل يفرد هذه المساحة لشخصية أمريكية من أصول فلسطينية يحقق إعجاب ملفت للنظر على الصعيد النقدي والجماهيري الذين رأوا فيه صورة جديدة للشخصية العربية غير المعتادين عليها.
مسلسل مو.. كوميديا سوداء
الكوميديا السوداء التي يصنعها مو في المسلسل قد تتأسس عموما من أعمال بسيطة في الموروث الثقافي للمجتمع القادم منه الذي يتعدى نقل الأطعمة الشعبية إلى هناك، ثمة أياء أخرى مارسها جيل كامل من أبناء مهاجري الجيل الأول الذين تربوا هناك فجمعوا بشكل طبيعي بين الإرث الثقافي لكل من بلدهم الأصلي ووطنهم الجديد، الجميع ابن الإنترنت في عصر المنصات الإلكترونية وشبكات التلفزيون المتنوعة، للجميع الحق في إبداء رأيه: “رامي يوسف” و”مو عامر” كاتبا المسلسل كلاهما بدأ مسيرته في العروض الكوميدية (ستاند أب كوميدي) التي تتناول بشكل أساسي الفروقات الثقافية بين أصولهما وبين الولايات المتحدة التي ولدا وتربيا فيها.
في الحديث عن فلسطين من خلال العيون الغربية والأمريكية، نتساءل: كيف تعرض الخطاب الغربي للشاب الفلسطيني الحالي ومشكلاته؟ وهل ينزع ذلك عنها مسئولية الصهينة على الجرم الإسرائيلي في الداخل، هل يصلح الفن لتجاهل قرارات الواقع أم ينفصل؟
أمام عدد لا بأس به من إنتاجات السينما التي تتسامح مع الكيان الصهيوني وتجاوزاته في حق الفلسطينين نشاهد أعمال أقل تتعرض لمعاناتهم، بالتالي تعد واجبية الحديث عن هذه الأعمال نقديًا وجماهيريا شيء ملزم في سياق الحديث عن القضية عمومًا، يتعرض مو للخطاب المقابل المعتاد في السينما التي يملكها الصهاينة.
200 متر ومو.. صراع الهوية
في النهاية فكرة الفنان الفلسطيني والسفر مشكلة مؤسسة لفهم هذا الفنان، على سبيل المثال فيلم “200 متر” الذي قدم الفكرة ذاتها سينمائيا منذ عامين. في جوهره يحكي عن محدودية الحركة التي يعانيها الفلسطيني؛ بين الهوية الفلسطينية والهوية الإسرائيلية. جميعها أشياء تعكس قصص عائلات تفرقت وفق الورق الرسمي في هوياتهم خصوصا من يحمل هوية فلسطين الداخل أو فلسطين 48 الذين يحملون جواز سفر إسرائيلي الممنوعون أساسا من دخول بعض الدول العربية.
مسلسل مو يؤكد كغيره من تجارب السينما الفلسطينية، أن العمل السينمائي الفلسطيني في الوقت الراهن، مدفوعٌ بالتخفف من الواقع من خلال طرحه بأبعاده الإنسانية التي ربما يغفل شريط الأخبار عن التعاطي معها. أو حتى إعطاءها الحق الكافي في التغطية والعرض كما يحدث على الجانب الصهويني الآخر.
هل ينزع ذلك المسئولية عن تلك المنصات عن الصهينة لما يحدث داخل الأرض؟ بالتأكيد لا. إذ أنه لا يمكننا التهاون مع كل ذوي السلطة المنشغلون عن حل مأسآة الشعب على الأرض لكنه يحقق هدف الفن بطرح التساؤل والقضية.
ليس مجرد مسلسل لكنه يمكن اعتباره سردية ضمن خطاب أوسع يتعرض له الفنان الفلسطيني، مجهود سنوات، ورغبة ملحّة وصارخة في لفت الأنظار مرة أخرى إلى الفنان الفلسطيني الذي يمكنه صناعة سينما بالمعايير العالمية. ثمة شيء ينبغس التأكيد عليه هنا، يمكن القول إن مشاريع السينما الفلسطينية تروي مشاعر حالة مركبة تتجاوز اللطميات، بما يتيح لها أن تتوسع، تتوغل، وتسود سردياتها.