ورقة صغيرة تطوى وتوضع في الجيب، رسم عليها جامع ومدفع، وزينت بآيات قرآنية، لمعرفة أيام الصيام ومواقيت الصلوات والإمساك والإفطار في شهر رمضان، عرفت باسم ” الإمساكية”.

sss

اعتاد المصريون على طباعتها وتداولها في الشهر الكريم، ولكن في زمن “كورونا” اختفت الإمساكية الورقية وحلت محلها أخرى إلكترونية، خوفًا من انتشار العدوى عن طريق الورق.

طبعت “الأمساكية” لأول مرة في عهد محمد علي، والذي أمر بطبعها وتوزيعها لمعرفة أوقات الصيام والصلوات ومواعيد الإمساك والإفطار، وظلت تُطبع بشكل رسمي لسنوات طويلة.

مرت الإمساكية بمراحل تطور عديدة شملت الشكل والمضمون، ففي البداية كانت تُطبع بلون واحد، ومع تطور الطباعة دخلت الألوان وتعددت أشكالها، ومع تطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، ظهرت الإمساكية الإلكترونية.

أقرأ أيضًا: التباعد الاجتماعي.. من لم يمت بكورونا مات جوعا

شارع محمد على

بوسط القاهرة القديمة، بطول شارع “محمد علي” العريق، تنتشر محال الزنكوغراف وشركات الدعاية والإعلان، حرفيون مهرة يحولون الخامات لقطع فنية، ويعرضون الإمساكيات بأنواع وألوان زاهية، والتي تراجع المعروض منها بسبب جائحة كورونا وظروف الحظر.

داخل أحد الأكشاك على ناصية الشارع الذي امتلأ عن آخره بعينات وأنواع مختلفة من اللافتات والزنكوغراف والمطبوعات، يقف رجل خمسيني اشتعل الشيب في رأسه يستعد لجمع متعلقاته للرحيل، وإغلاق أبواب كشكه الصغير قبل الحظر.

“عم محمود سعد”، قضي أكثر من نصف عمره في مهنة الدعاية والإعلان والطباعة يقول: “مفيش موسم السنة دي ولا إمساكية، الناس ولا بتطبع ولا بتوزع، الأعداد المعروضة تراجعت بشدة، لخوف المطابع من الخسائر، بسبب الحظر”.

 محال الزنكوغراف وشركات الدعاية والإعلان حرفيون مهرة يحولون الخامات لقطع فنية ويعرضون الإمساكيات بأنواع وألوان زاهية

ما قاله “عم محمود” يلخص سوق الإمساكية الذي تراجع بشدة بسبب توقف السوق تقريبًا، بسبب الاحتياطات التى اتخذتها الدولة، لمواجهة الفيروس القاتل ومد ساعات الحظر وإغلاق المحال والمساجد ومنع موائد الإفطار.

وهو ما أثر بشكل مباشر على سوق الإمساكية، التي كانت تطبعها الشركات والمؤسسات والمحال، وتستخدمها للدعاية قبل الشهر الكريم، بتوزيعها على العملاء وفي المساجد وموائد الإفطار و”شنط رمضان”.

ويضيف بلهجة مخنوقة حزينة:” كنا ننتظر موسم رمضان لطباعة الإمساكية، ولكن المطابع متوفقة أو تعمل بنصف طاقتها، ومفيش زبائن ولا مارة في الشارع، وكل مظاهر رمضان اختفت تقريبًا”.

أقرأ أيضًا: سعد الدين إبراهيم: كورونا غيّر حسابات النظام..والسلفيون وقود للإخوان

أنواع الإمساكية

يكشف الرجل بخبرة السنين الطويلة، عن سوق الإمساكية وكيف يتم صناعتها، حيث تتولى مطابع كبرى طباعتها بكميات كبيرة، وتترك مكانًا محددًا لكتابة اسم المعلن وتباع بالآلاف للزبائن، ولكن هذه المطابع توقفت عن الطباعة، أو صنعت منها كميات صغيرة، بسبب توقف السوق وكورونا.

ويشير “عم محمود” إلى أن كميات الإمساكية هذا العام تراجعت بشدة، لأن المطابع تعتبرها مجازفة شديدة، في ظل تراجع السوق والمعلنين، لاسيما أنه في حالة عدم بيع الإمساكية، سيكبد ذلك المطابع خسائر كبيرة، لأنه مطبوع عليها تاريخ ومواقيت صيام العام الحالي، وبالتالي لا تصلح للعام المقبل.

وتنقسم الإمساكية لعدة أنواع، منها الإمساكية الورقية العادية، وتتضمن مواعيد الصلاة والصيام والإمساك، مع بعض الصور، ويصل سعرها لحوالي 150 جنيهًا للألف قبل الطباعة.

 بسبب محاذير فيروس كورونا وظروف العمل والحظر، تراجعت طباعة الإمساكية وتوقفت المطابع بكل أنواعها في دروب وحواري شارع محمد علي

 والإمساكية الدفتر هي عبارة عن كتيب صغير، به آيات قرآنية وإرشادات الصيام ومفاسده، والأحكام الشرعية لموانعه، ويتراوح سعرها بين 1200 و1500 جنيه للألف، حسب نوع الورق والطباعة.

وتوجد الإمساكية المصنوعة، وهي إمساكية يتم صناعتها للمعلن خصيصًا، وتطبع بطريقة “الأفست”، ويشترط لطباعتها طباعة كميات كبيرة، وظهرت مؤخرًا طباعة الإمساكية بطريقة “الديجيتل”.

وتختلف طريقة طباعة الإمساكية، بحسب الكمية التي يتم طباعتها، فتوجد طباعة “السلك إسكرين والبصمة”، وهي طرق يدوية، تُستخدم لطباعة الكميات الصغيرة، أما الكميات الكبيرة فيتم طباعتها بطريقة “الأفست”.

ولكن بسبب محاذير فيروس كورونا، وظروف العمل والحظر، تراجعت طباعة الإمساكية، وتوقفت المطابع بكل أنواعها، في دروب وحواري شارع محمد علي، فيما انتشرت الإمساكية “الإلكترونية”، التي يتم تداولها إلكترونيًا، لاسيما أن الورق يمكن أن يؤدي لانتشار العدوى، وهو سبب رئيس لتراجع طباعة الإمساكية هذا العام.

أقرأ أيضًا:دراما رمضان تحت إخراج كورونا.. حيل مختلفة للحاق بسباق المسلسلات المحاصر

إمساكية محمد علي باشا 

بحسب كتاب “وحوي يا وحوي” للكاتب ياسر قطامش، فإن أول إمساكية ظهرت في عهد محمد علي، وكانت تُطبع في المطابع الأميرية، وتوزع في الدواوين والمصالح الحكومية لمعرفة مواقيت الصلاة والصيام والقيام.

وفي بداية القرن الماضي، طُبعت الإمساكية بطريقة بدائية تسمى “التيبو”، وكانت تطبع على ورقة عادية بلون واحد، ومع

تطور الطباعة ووسائل الإعلان، صعنت شركة التقدم للزنكوغراف والطباعة، أول إمساكية بنظام طباعة “الأوفست” وسجلت رسوماتها، وكانت وقتها بلون واحد فقط.

حسب كتاب “وحوي يا وحوي” للكاتب ياسر قطامش فإن أول إمساكية ظهرت في عهد محمد علي وكانت تُطبع في المطابع الأميرية وتوزع في الدواوين والمصالح الحكومية

ومع تطور الطباعة تطورت الإمساكية، وأصبحت تُطبع بالألوان، ودخلت مطابع كبرى سوق المنافسة، وتعددت أشكالها وأنواعها بشكل كبير، وكانت فترة الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الجديدة، العهد الذهبي لطباعة الإمساكية.

ويقول الحاج أحمد حسبو، مدير مطبعة الاتحاد، إحدى المطابع التي تطبع الإمساكية في شارع محمد علي:” طباعة الإمساكية تراجعت بشدة، بسبب ارتفاع تكلفة الورق والطباعة، وتطور وسائل الطباعة وهو ما أدى لإحجام المعلنين”.

أقرأ أيضًا: البرلمان يتحرك ضد كورونا.. حزمة قوانين جديدة لتنظيم الخدمات بجميع القطاعات